حاولت مجلة “إيكونوميست” الإجابة على سؤال يتكرر في الآونة الأخيرة ويتعلق بالوقت الذي سيتوقف فيه القتال بين روسيا وأوكرانيا وبالشروط التي ستحكم ذلك.
كلا الطرفين لا يزال يؤمن بأنه قادر على الفوز. فقط إذا وصلنا فعلاً إلى طريق مسدود، واعترفت موسكو وكييف بها على هذا النحو، فسيكون أي حديث عن تسوية ممكناً

ونقلت المجلة عن إيفان كراستيف من مركز الاستراتيجيات الليبيرالية في بلغاريا قوله إن الغرب ينقسم إلى معسكرين كبيرين في النظرة إلى نهاية الحرب، الأول هو “حزب السلام” الذي يريد وقف القتال وبدء المفاوضت بأسرع وقت ممكن والآخر هو “حزب العدالة” الذي يظن أن على روسيا دفع ثمن باهظ بسبب اعتدائها.
معسكر السلام يتحرك

ويتحول الجدل في المقام الأول إلى الأرض: هل يجب ترك روسيا تحتفظ بالأراضي التي غزتها لغاية اليوم، أم يجب دحرها إلى خط 24 فبراير (شباط) أم تتحتم محاولة دفعها إلى أبعد من ذلك، إلى الحدود الدولية، كي تستعيد أوكرانيا الأراضي التي خسرتها في 2014؟ يدور النقاش حول أشياء أخرى ليست أقلها تكاليف ومخاطر ومكافآت إطالة أمد الحرب؛ وموقع روسيا في النظام الأوروبي حاضر أيضاً.
أضافت المجلة أن معسكر السلام يتحرك. دعت ألمانيا إلى وقف لإطلاق النار؛ تعمم إيطاليا خطة ذات أربعة مسارات لتحقيق تسوية سياسية؛ تتحدث فرنسا عن سلام مستقبلي من دون “إذلال” روسيا. تقف ضدها بولندا ودول البلطيق مع تأييد من بريطانيا.
موقف واشنطن
بالنسبة إلى أمريكا، لم يحدد أهم داعم لأوكرانيا هدفاً واضحاً باستثناء تعزيز قوة أوكرانيا لإعطائها يداً تفاوضية أقوى. أنفقت أمريكا قرابة 14 مليار دولار على الحرب لغاية اليوم، وخصص الكونغرس 40 مليار دولار إضافية. وحشدت واشنطن هبات عسكرية من أكثر من 40 دولة أخرى. لكن هذه المساعدة ليست غير محدودة. لقد سلمت مدفعية إلى أوكرانيا، إنما ليس الأنظمة ذات النطاق الأبعد التي طالبت بها. تزيد تعليقات وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين من الغموض. بعد زيارة كييف الشهر الماضي، دعم الوزير “حزب العدالة” قائلاً إنه يجب على الغرب مساعدة أوكرانيا كي “تفوز” ومن أجل “إضعاف” روسيا. لكن بعد ثلاثة أسابيع بدا أنه يتوجه نحو معسكر السلام داعياً إلى “وقف فوري لإطلاق النار” بعد اتصال هاتفي مع نظيره الروسي سيرغي شويغو. يصر البنتاغون على عدم وجود تغيير في السياسة.
ضربة أخرى
وجهت افتتاحية لصحيفة نيويورك تايمز ضربة أخرى لمعسكر العدالة مشيرة إلى أن هزيمة روسيا كانت غير واقعية وخطيرة. بعدها، قال وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر إنه يجب على المحادثات أن تبدأ في غضون شهرين لتفادي “الاضطرابات والتوترات التي لن يتم تخطيها بسهولة”. بشكل مثالي، سيكون هنالك عودة إلى خط 24 فبراير؛ وقال كيسنجر في منتدى الاقتصاد الدولي “إن مواصلة الحرب أبعد من تلك النقطة لن تكون حول حرية أوكرانيا بل حرباً جديدة ضد روسيا نفسها”. وأضاف أن لروسيا دوراً كبيراً كي تلعبه في ميزان القوى داخل أوروبا وأنه يجب ألا يتم دفعها إلى “تحالف دائم” مع الصين.
تفسخات
تابعت المجلة أنه لغاية اليوم، يتم احتواء هذه التشققات في الغرب عبر شعار أن الأوكرانيين هم الذين يقررون مستقبلهم. مع ذلك، إن خيارات أوكرانيا تتشكل بدورها من خلال ما سيوفره الغرب. وقال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في دافوس إن “أوروبا، العالم ككل، يجب أن يتحدوا. نحن أقوياء بمقدار ما أنتم متحدون”. وقال إن “أوكرانيا ستقاتل حتى تستعيد جميع أراضيها”. لكنه بدا أيضاً أنه سيترك لنفسه مساحة للتسوية. فهو أضاف أن المحادثات مع روسيا يمكن أن تبدأ بمجرد انسحابها إلى خط 24 فبراير.
معيار الفوز
يتعين على أمريكا وأوروبا وأوكرانيا أن تستمر في تعديل مواقفها وفقاً لما يعتقد كل طرف أن الآخر سيقبله. تقول أولغا أوليتكر من مجموعة الأزمات الدولية “إن الأوكرانيين يتفاوضون مع شركائهم الغربيين بمقدار، وعلى الأرجح أكثر، من تفاوضهم مع الروس”. يعكس الغموض أيضاً الشكوك التي تكتنف الحرب. هل تفوز أوكرانيا لأنها أنقذت كييف ودحرت روسيا من خاركيف أم أنها تخسر لأن روسيا سيطرت على ماريوبول وقد تحاصر قريباً سيفيرودونيتسك؟ حزب السلام قلق من ارتفاع الكلفتين البشرية والاقتصادية كلما طالت فترة القتال. يرد معسكر العدالة بأن العقوبات بدأت تأثيرها للتو؛ مع المزيد من الوقت وأسلحة أفضل، بإمكان أوكرانيا الفوز.
تناقض

ثمة قلقان متناقضان بحسب المجلة. ينطلق الأول من فكرة أن القوات الروسية لا تزال قوية وستنتصر في حرب طاحنة. لكن الرأي الآخر يقول إن القوات الروسية هشة. إذا تم دحرها، فقد تهاجم روسيا الناتو أو تلجأ إلى الأسلحة الكيميائية أو حتى النووية لتفادي الهزيمة. يقول الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إن أوروبا تحتاج على المدى البعيد لإيجاد طريقة للتعايش مع روسيا. ترد رئيسة وزراء إستونيا كاجا كالاس قائلة: “الاستسلام لبوتين أخطر بكثير من استفزازه”.
إرهاق
ساعد مسؤولون أمريكيون وأوروبيون أوكرانيا بهدوء على تطوير مواقف تفاوضية. إحدى النقاط هي طلبها الحصول على ضمانات أمنية من الغرب. تتضمن المقترحات فكرة القدرة على إعادة فرض أي عقوبات ترفع عن روسيا وبشكل سريع إذا هوجمت أوكرانيا مجدداً. حالياً، أوكرانيا هي متفائلة بشكل معقول وفقاً للمجلة. لقد حرمت روسيا من غزو سهل بينما تظهر أسلحة غربية جديدة على الخطوط الأمامية.
لكن كبير مفاوضي الرئيس الأوكراني ميخائيلو بودولياك يقول إنه يخشى بشكل متزايد من “الإرهاق” في بعض الدول الأوروبية: “هم لا يقولونها بشكل مباشر، لكن ثمة شعور وكأنها محاولة لإجبارنا على الاستسلام. أي وقف لإطلاق النار يعني نزاعاً مجمداً”. كما اشتكى من الجمود في واشنطن وعدم وصول الأسلحة بالكميات التي تحتاج أوكرانيا إليها.
سيعتمد موعد نهاية الحرب بشكل كبير على روسيا. هي ليست مستعجلة لوقف لإطلاق النار. يقول المحلل السياسي من كييف فولوديمير فيزينكو إن “المفارقة في هذا الوضع هي أن كلا الطرفين لا يزال يؤمن بأنه قادر على الفوز. فقط إذا وصلنا فعلاً إلى طريق مسدود، واعترفت موسكو وكييف بها على هذا النحو، فسيكون أي حديث عن تسوية ممكناً. حتى حينها، من المحتمل أن يكون مؤقتاً”.