تقرير __ أسفير نيوز
يتابع السودانيون بترقب بالغ ما سيفضي إليه الحوار المباشر بين الأطراف السودانية أصحاب المصلحة الذي ستقوده هذا الأسبوع الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة دول “إيقاد”، من أجل التوصل إلى توافق يؤدي إلى إنهاء الأزمة السياسية التي تفجرت بوقوع الانقلاب العسكري الذي نفذه قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في الـ 25 من أكتوبر، وعطل بموجبه شراكة الحكم مع الجانب المدني.
فما السيناريو الأقرب لوضعية المكون العسكري في التسوية السياسية الجاري النقاش حولها حالياً في ضوء مبادرة الآلية الثلاثية، بالنظر إلى إصرار الشارع السوداني على إبعاد العسكر من المشهد السياسي وتسليم السلطة كاملة للمكون المدني؟
ثلاثة خيارات
يقول الخبير السوداني في إدارة الأزمات والتفاوض بمركز الدراسات القومية في الخرطوم اللواء ركن أمين إسماعيل مجذوب، “السيناريو الأقرب لوضعية المكون العسكري في التسوية الجارية الآن تحت إشراف الآلية الثلاثية تتمثل في ثلاثة خيارات، الأول أن تتم الشراكة بين المكونين العسكري والمدني مثلما كان قائماً قبل إجراءات قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، واعتبرها المجتمع الدولي والشارع السوداني وقواه السياسية انقلاباً عسكرياً، مع إجراء تعديلات في ما يعرف بمسألة تغيير القيادة لدى الجانبين والتي كانت محل الخلاف بينهما، وذلك بأن يكون مجلس السيادة مشتركاً من المكونين وأن يتم تشكيل حكومة من وزراء تكنوقراط بواسطة رئيس وزراء متفق عليه من الأطراف كافة إلى جانب مجلس تشريعي، على أن تستمر هذه المسيرة إلى نهاية الفترة الانتقالية”.
وأضاف، “الخيار الثاني أن يكون هناك مجلس سيادة مدني، على أن يتم استيعاب المكون العسكري وحركات الكفاح المسلح الموقعة على اتفاق جوبا للسلام في الثالث من أكتوبر 2020 في مجلس الدفاع والأمن، شرط منحه صلاحيات الأمن القومي السوداني وبعض الصلاحيات الخاصة بالسياسة الخارجية، فضلاً عن أن تكون هناك حكومة مدنية من التكنوقراط ومجلس تشريعي، ويتمثل الخيار الثالث في أن تصر المجموعات الاحتجاجية على الخروج الآني للمكون العسكري من المشهد السياسي وأن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط تتوافق عليها القوى المدنية بكاملها، إضافة إلى مجلس سيادي مدني ومجلس تشريعي”.
وزاد مجذوب، “بالنظر إلى هذه الخيارات المطروحة نجد أن الخيار الأول الذي يقوم على الشراكة المدنية العسكرية هو الأكثر حظاً بنسبة تفوق 80 في المئة، ويأتي بعده الخيار الثاني بنسبة 60 في المئة، بينما يستبعد حدوث الخيار الثالث.
ويُلحظ أن قرائن الأحوال تدل إلى أن النية متوافرة في استمرار الشراكة بين الجانبين العسكري والمدني، وواضح أن اللقاءات التي تمت بين الآلية الثلاثية والمكون العسكري والقوى السياسية ولجان المقاومة أكدت ألا يظل الوضع على ما هو عليه، بحيث يتم إجراء تعديلات رئيسة على الوثيقة الدستورية التي كانت تحكم الشراكة السابقة بين المكونين”.
مكاسب ذاتية
وفي السياق، أوضح الخبير السوداني في التخطيط الاستراتيجي محمد حسب الرسول أن “الناشطين على المسرح السوداني ممثلاً في الآلية الثلاثية وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) والقيادة العسكرية ينظرون الى الأزمة السودانية من منظور فئوي لا من منظور وطني، إذ يحرص الطرف المدني المتمثل في قوى الحرية والتغيير، والطرف العسكري ممثلاً في قيادة المؤسسة العسكرية على تحقيق مكاسب ذاتية تتصل بوضع أي منهما في السلطة ونصيبه منها وصلاحيته فيها وكسبه منها، وهذا الذي تعلمه الآلية الثلاثية التي توالي بشكل سافر تحالف قوى الحرية والتغيير وتعمل من أجل تحقيق أكبر المكاسب لها في صراع السلطة الثنائي، والعسكر يعرفون ذلك، هذا في تكييف طبيعة الصراع من منظور طرفيه وطرف الآلية الثلاثية”.
وتابع، “معلوم أن الآلية الثلاثية تعمل على غرس مشروع سياسي ذي أبعاد ثقافية واجتماعية واقتصادية، وهو المشروع الـ “نيوليبرالي”، واختارت له تحالف قوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي) كشريك محلي لتنفيذه، ولهذا تحرص على إعادتها للسلطة بعد أن نجحت خلال عامين ونصف العام تولت خلالها السلطة الانتقالية من الشروع في تنفيذ هذا المشروع وتطبيقه، وقد بانت ملامحه في الوثيقة الدستورية التي حذفت منها اللغة العربية كلغة رسمية للدولة، ولكونها ترمز إلى المكنون الحضاري للشعب السوداني منذ حقبة سنار ومملكة تقلي وسلطنات الفور والداجي والمساليت وغيرها، والتي كانت العربية لغة الدولة فيها ومثلت بوصلتها الحضارية”.
حملات تغيير
ومضى حسب الرسول قائلاً، “كما رأى السودانيين اشتغال حكومة قوى الحرية والتغيير الانتقالية بتغيير المناهج الدراسية بما يضمن محو التوجه السوداني الموروث منذ مئات السنين وغرس البديل، كما شاهد الناس حملات التغيير القيمي والأخلاقي التي جرت خلال هذه الفترة التي تعد انقلاباً على كل الموروث التاريخي الذي ميز الإنسان السوداني عبر الحقب، إضافة إلى الفلسفة الاقتصادية الجديدة التي اعتمدتها الحكومة الانتقالية التي تأسست على وصفة البنك الدولي التي حررت الاقتصاد بالكامل ورفعت يد الدولة عن الشعب والشرائح الضعيفة فيه، فازدادت معدلات الفقر وأصبحت الحياة ضرباً من ضروب المستحيل، بخاصة بعد تحرير الكهرباء والمحروقات والغذاء والدواء وإيقاف مجانية علاج السرطان في المشافي الحكومية، ومجانية عمليات الولادة ومجانية علاج الأطفال دون الخامسة”.
وواصل، “كذلك لوحظ في جانب البعد السياسي قيام الحكومة الانتقالية بحصر حقوق المواطنة فقط في طائفة منسوبيها، وجردت غيرهم من هذه الحقوق، واعتبرت بمباركة دولية أن توليها السلطة هو التحول الديمقراطي لا غيره، وبلا شك في أنه مشروع ثقافي سياسي اجتماعي متكامل، وكلّف الغرب شركاء السلطة الانتقالية بمدنييها وعسكرييها بتنفيذه، وقد حققوا نجاحاً كبيراً في ذلك، ولهذا يحرص الغرب على إعادة اللحمة بين الطرفين من خلال جهد اللجنة الثلاثية والعائق الآن هو الذي بدأنا الحديث به، وهو الاختصاصات، ونجاح الآلية الثلاثية في إعادة اللحمة بين الشركاء، وعلى الرغم من أن المسألة عسيرة لكنها ليست مستحيلة”.
وبيّن الخبير في التخطيط الاستراتيجي أنه في حال نجحت الآلية الثلاثية في لم الشمل بين الشريكين ستنهض مصاعب أخرى، منها ما يتصل بمعاش المواطن الذي لا وجود له في أجندة صراع الشركاء، ومنها ما يتصل بالاستحقاقات الوطنية المتصلة بالحقوق المدنية والانتخابات وغيرها من المصاعب التي لا طاقة للشريكين العسكري والمدني بها.
استمرار التظاهرات
وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان أعلن في الـ 29 من مايو (أيار) رفع حال الطوارئ في أنحاء البلاد كافة بعد سبعة أشهر من تطبيقها، وإطلاق جميع المعتقلين بموجب قانون الطوارئ من أجل تهيئة وتنقية الأجواء للحوار بين الأطراف السودانية، ويعد شرط رفع الطوارئ واحداً من جملة شروط طالبت بها قوى إعلان الحرية والتغيير المعارضة للموافقة على المشاركة في حوار ترعاه آلية ثلاثية مكونة من بعثة الأمم المتحدة في الخرطوم والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية (إيقاد).
لكن الشارع السوداني واصل احتجاجاته التي تقودها لجان المقاومة متمسكاً بإبعاد المكون العسكري من المشهد السياسي في البلاد بعودته لثكناته، على أن تسلم السلطة كاملة إلى المدنيين، إذ سقط حتى الآن 99 قتيلاً في هذه الاحتجاجات منذ انقلاب الـ 25 من أكتوبر نتيجة العنف المفرط من خلال استخدام قوات الأمن الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين