الإسلام في الدساتير العربية.. “إشكالية” فصل الدين عن الدولة

0

اسفير نيوز __ وكالات

تثير قضية المرجعية الإسلامية، التي تتضمنها دساتير عربية، إشكالية كبيرة للعديد من السياسيين والنشطاء، الذين يطالبون بضرورة حذف هذه الإشارة في الدساتير، في حين يرى البعض أنها تعبر عن هوية غالبية السكان، وبالتالي لا يوجد ما يمنع ذلك، فيما يرى آخرون أنها محاولة لتشتيت الانتباه عن قضايا سياسية واجتماعية أكثر أهمية.

 

وأعاد منسق الهيئة الوطنية الاستشارية لإعداد دستور “الجمهورية الجديدة” في تونس، الصادق بلعيد، تسليط الضوء على هذه القضية، بعد أن قال في تصريحات لوكالة فرانس برس إنه سيعرض على الرئيس، قيس سعيد، مسودة للدستور لن تتضمن الإسلام كمرجعية

 

وفي غالبية الدساتير العربية تبرز محورية الإسلام كدين للدولة أو كمصدر لسن القوانين فيها، وبناء على هذه الفكرة يستند المشرِع إلى مبادئ الإسلام أو أحكامه عند سن قوانين جديدة، وبعضها يشير فقط إلى الإسلام كهوية للدولة، دون أن يضمن استناد القوانين للشريعة أو مبادئها.

 

ويرى المؤيدون لإنهاء الإشارة إلى الدين في الدساتير أن الجماعات الدينية استغلتها لتحقيق مصالحها. وكان بلعيد قد ذكر في تصريحاته أن مقترح عدم ذكر الإسلام، الهدف منه محاربة الأحزاب السياسية على غرار حزب النهضة الإسلامي.

 

وبعض الدساتير أو نظم الحكم العربية تشير صراحة إلى أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، مثل نظام الحكم في السعودية الذي ينص على: “المملكة العربية السعودية دولة عربية إسلامية ذات سيادة تامة دينها الإسلام ودستورها كتاب الله تعالى وسنة رسوله ولغتها هي اللغة العربية”.

 

الإسلام في الدساتير

وتشير صحيفة الاتحاد الإماراتية، في تقرير حول القضية، إلى أن هناك اتجاها آخر يتخذ من الإسلام دينا للدولة ومن الشريعة مصدرا رئيسيا للتشريع مثل دساتير دولة الإمارات وسلطنة عمان والكويت والبحرين والعراق ومصر وسوريا.

 

وينص دستور الإمارات على أن “الاسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه”.

 

وتقول المادة الثانية من الباب الأول من الدستور المصري: “الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع” وهي معمول بها مند عام 1980 وحتى الآن.

 

وجاء في نص المادة الثالثة “مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية.

 

ويقول دستور العراق: “الإسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر أساس للتشريع. لا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابت أحكام الإسلام”.

 

والفارق بين الاتجاه الأول والثاني يكمن في أن الثاني لا يحصر مرجعية القوانين في الشريعة، ويقبل أن تكون هناك مصادر أخرى للقوانين.

 

وهناك اتجاه آخر ينص على أن الإسلام دين الدولة ولا يضع قاعدة ملزمة حول مصدر التشريعات، مثل الدستور الأردني والمغربي والجزائري والتونسي.

 

وتقول المادة الثانية من الفصل الأول في الدستور الأردني: “الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية”.

 

وتنص المادة 105 على: “المحاكم الشرعية وحدها حق القضاء وفق قوانينها الخاصة” في “مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين، وقضايا الدية إذا كان الفريقان كلاهما مسلمين أو كان أحدهما غير مسلم ورضي الفريقان أن يكون حق القضاء في ذلك للمحاكم الشرعية الأمور المختصة بالأوقاف الإسلامية”.

 

ويشير دستور المغرب إلى أن “المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تالحم وتنوع مقومات هويتها الوطنية الموحدة بانصهار كل مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإلفريقية والألندلسية والعبرية والمتوسطية. كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء”.

 

أما دستور الجزائر فينص على: “الجزائر أرض الإسلام وجزء لا يتجزأ من المغرب العربي الكبير وأرض عربية وأمازيغية وبلاد متوسطية وأفريقية”.

 

ويشير دستور لبنان، في المادة 9 من الفصل الثاني، إلى “حریة الاعتقاد مطلقة والدولة بتأدیتها فروض الإجلال الله تعالى تحترم جمیع الأدیان والمذاهب وتكفل حریة إقامة الشعائر الدینیة تحت حمایتها على أن لا یكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن أیضا للأهلین على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصیة والمصالح الدینیة”.

 

إشكالية مزمنة

ويشير بلعيد في تصريحه الأخير حول دستور تونس إلى أن “هناك إمكانية محو الفصل الأول في صيغته الحالية”. وينص هذا الفصل على أن “تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها”.

 

وفي مصر، أضيفت الفقرة المتعلقة بالتشريع الإسلامي في دستور عام 1971 وذلك في عام 1980 ومنه انتقلت إلى ما تلاه من دساتير تعاقبت بعد أحداث 2011 حتى الدستور الحالي، رغم محاولات منع ذلك من قبل نشطاء حقوقيين ومسيحيين وعلمانيين.

 

لكن هذه المحاولة قوبلت برفض جماعات إسلامية ومواطنين عاديين اعتبروا أن هذا الأمر يمس الإسلام. وفي خضم حملة لتعديل الدستور في 2011، أطلق سلفيون حملة واسعة لجمع توقيعات تؤكد على ضرورة الإبقاء عليها.

 

المحلل السياسي والخبير القانوني التونسي، الصغير الزاكراوي، اعتبر في تصريح لموقع الحرة أن الرئيس التونسي يسعى إلى “خلق معارك جانبية وكان يجب عليه التحفظ على هذه المسألة”.

 

ويقول إن “الدولة التونسية ليس لها دين. هي فقط شخص اعتباري، مسألة هوية الدولة محسومة وتونس تأخذ بتأويلات المذهب الأشعري المنفتح الذي لا يتعامل حرفيا مع النصوص الإسلامية”.

 

ويقول: “ليست لدينا مشكلة مع الإسلام، والدستور لا ينص على تشريع الإسلام للقوانين ويحترم الأقليات”.

 

ويضيف أن الأولى الحديث عن قضية شكل نظام الحكم والحريات ومكانة القضايا في الدستور وغيرها من القضايا وحل مشكلات المواطنين الاقتصادية.

 

حسن منيمنة، مدير مؤسسة بدائل الشرق الأوسط، المتخصص في قضايا الديمقراطية والعالم الإسلامي، انتقد أيضا في حوار مع موقع الحرة ما سماها “الاستعمال المغرض للمسألة في محالة للالتفاف على المسألة الديمقراطية في تونس”.

 

وتقول الخبيرة القانونية التونسية، إقبال بن موسى، في مقال لها حول الدين في الدستور التونسي إنه لا يقتصر التوجه على تضمين الدين في الدساتير على الدول العربية بل أن” عددا لا بأس به من دساتير الدول الأوروبية تنحو نفس المنحى، مثل تبني دستور الدنمارك للكنيسة الإنغيلية اللوثرية ككنيسة وطنية”.

 

وتشير إلى أن هذا التوجه يعكس “حرصا من واضعي الدساتير على إدراج مقتضيات تؤكد على الانتماء الحضاري والثقافي للدّولة”، وهو الأمر كذلك في الدستور التونسي الذي أقر في عام 1959.

 

وتشير إلى أن “حرص المؤسس الدستوري على تكريس الدين الإسلامي كأحد مقومات الدولة الوليدة يعود إلى الدور الأساسي الذي لعبه العامل العقائدي خلال فترة الكفاح ضد الاستعمار”.

 

كما أن واضعي دستور عام 2014، المعمول به حاليا، “أولوا مكانة متميزة للدين الإسلامي، كما أسس مبدأ الحرية الدينية”.

 

ويرى منيمنة أنه “يجب التمييز بين الإسلامية كمرجعية تاريخية أخلاقية فكرية معنوية دينية، وبين من يشدد على أن الإسلام مصدر للتشريع، فهناك فرق خطير بين الاثنين”.

 

ويضيف أن “مسألة أن يكون الاسلام جزء من المرجعية التاريخية والمعنوية للدول للدول لا خلاف عليها، ولا يجب التنصل منه وإنكاره، لكن المسألة ليست بالتعبير ولكن بالمضمون”.

 

ويشير إلى أن الجماعات الإسلامية أقدمت بالفعل على مراجعات، ولا يختلف تعاطيها مع المرجعية الإسلامية عن تعاطي المسيحيين الأوروبيين.

 

ويضيف: “لذلك لا يجب طرح الموضوع وكأنه فقط إخراج كلمة الإسلام من الدستور، فهناك من يأخذها بالمعنى الضيق للشريعة في إطاره الملزم، وهناك من يشير إلى الإسلام كخلفية معنوية”.

 

“فخ”

لكن عمران سلمان، الكاتب والصحفي المتخصص في قضايا الإصلاح والتنوير مدير مشروع “آفاق” للإصلاح في العالم العربي يرى أن مسألة تضمين “الإسلام” في الدساتير “فخ” وقعت فيه الدول العربية بعد الاستعمار.

 

وقال في تصريحات لموقع الحرة إنه “كان يجب سلوك طريق آخر لأن الدول ليست لها هوية، ويقول إن الدولة القديمة كانت تقوم على فكرة الدين وأن الخليفة زعيم زمني وديني في ذات الوقت لذلك يجب على الرعية اتباعه، أما الدولة الحديث فتقوم على العقد الذي ينظم العلاقة بين الحكومة والمواطنين”.

 

وهذا الباب فتح العديد من المشكلات لأنه سمح للجماعات الإسلامية بتوظيف الدين لأغراضها في مواضيع مثل الإرث والطلاق والزواج وغيرها، في حين “لا تستطيع الدولة أن تفعل شيئا لأن الدستور يشير إلى الدين في التشريع”.

 

وحتى لو كان دور بعض المؤسسات إشرافيا فقط، عندما يتعارض تشريع ما مع الدين، ييمكن أن تتم إعادته مرة أخرى للمشرع لصياغة تشريع جديد.

 

ويقول إن “هذه الجماعات استغلت الإسلام لترسيخ نفوذها في المجتمع، وبالتالي يصعب الخروج من هذا الإطار”.

 

وعلى سبيل المثال، حاولت الجماعات الإسلامية في تونس أسلمة المجتمع بشتى الطرق واستعدت العلمانيين، وعندما طرح الرئيس الراحل، قائد السبسي، موضوع تعديل الميراث، أثيرت ضجة كبير وفشل في النهاية في تحقيق ذلك.

 

كما أن إشكالية أدخال الدين في الدساتير، وفق المحلل، خلقت مشكلات بالنسبة للجماعات الدينية الأخرى، مثل الأقباط في مصر، أو الطوائف الدينية المختلفة

في العراق وغيرها.

ويلفت إلى أنه عندما تشير دساتير أوروبية إلى المسيحية باعتبار أن لها مكانة خاصة فهي محاولة لربط الناس بتاريخم وثقافتهم، لكن المسيحية لا تتدخل في تشريع الحريات والحقوق، وهو ما تتبناه أيضا بعض الدساتير العربية، ولكن في الواقع لا تستطيع الدول الإفلات من ضغوط هذه الجماعات.

“التدرج” نحو الإصلاح

ويقول منيمنة إنه يجب “التدرج باتجاه الدول المدنية بمعنى الدولة الحامية للأديان وليس المعادي لها، مثلما هو الواقع في الولايات المتحدة ودول أخرى تحمي العلمانية فيها الدين.

ويرى أن الدول العربة والإسلامية لا تستطيع الانتقال الفوري لذلك يجب التدرج “والعمل ضمن المجتمع على إرساء فكرة أن فصل الدين عن الدولة هو لحماية الدين كما هو لحماية الدولة وفي النهاية لحماية المواطن”.

وفي حين يأمل سلمان أن تتمكن تونس من تمرير المقترح الجديد، ووضع دستور عصري يعكس جوهر الدولة الحديثة، ما سيكون انطلاقا لتونس والمنطقة العربية، يقر بأن تونس تمر بحالة من “الترهل” السياسي والاقتصادي منذ 10 سنوات.

ويقول منيمنة إن الشعارات أحيانا قد لا تنفع، وقد تكون العلمانية “محاولة للالتفاف على واقع قائم” والانتقال التدريجي “سيحدث تلقائيا بدافع اجتماعي ثقافي ذاتي وليس بدافع قسري.. وانطلاقا من فصل الدين عن الدولة من قناعة وليس من قرار”.

ويقول سلمان إنه مع الوقت سيحدث انتقال تدريجي مثل السعودية، التي تتحرك في هذا الاتجاه، ويقول: “كيف تريد جذب السياحة ولديك قوانين دينية تقيدك. وكيف تستقطب المواهب ولديك أنظمة مفصلة لقطاع معين من الناس”

 

الحرة

اترك رد