عميد م. ابراهيم مادبو يكتب.. حديث لا مفر منه، ووقفة لا بد منها

0

*1-* بالنسبة لمعظم المشاكل السياسية والمعضلات التي تواجه الدولة، هناك حلول بسيطة لها، لكننا في كثير من الأحيان نُعقد الأمور ولا نجد الحل المناسب بسبب عدم التفكير بطريقة صائبة ووفق آلية تمنع التعقيد وإنسداد الأفق وقد حان الوقت لإنشاء مطبخ سياسي عسكري خاص، وفي نفس الوقت تكوين خليَّة تفكير Think tank ذات خبرات أمنية عسكرية، فهناك شواهد ومعطيات وأدلة كثيرة على الأرض تؤكد وبجلاء ووضوح وجود جهات – داخلية وخارجية – تدير أمراً وشراً بالسودان، فما حدث قبل أشهر بشمال دارفور من اقتتال ونزاع قبلي لا يمكن تفسير أسبابه بالعادية فهناك تخطيط محكم أدى إلى أن تبلغ الأمور نقطة الإنفجار، وينطبق الحال على كل النزاعات التي نشبت وبمتوالية مقصودة ومدبرة في غرب وشرق دارفور ثم في نقلة كبيرة إلى شمال كردفان لنشهد صراع الحمر والمسبعات والمسيرية ثم الحوازمة وكنانة بالمنطقة الشرقية لكردفان، ناهيك عن حالة الإحتقان والاحتراب والصراع بدارفور وماينجم عنه من ظواهر سالبة تلقي بتداعاياتها على بقية الأقاليم، لتلتفت الأنظار بعيدا لمتابعة ما حدث بكسلا وبورتسودان، وفي خضم ذلك تبرز احداث سنجة والجزيرة ومحاولات اشعال قضية الكنابي، وكل هذه القضايا والنزاعات أساسها قبلي تغذيه الشائعات فتندلع المعارك ويتم تسويقها كأزمة مستعصية على الحل، ويغيب عن البال أن المشكلة الحقيقية في السودان تكمن في غياب التخطيط و الخطط المستقبلية، وتعتبر السبب الخفي لفشل الحكومات المتعاقبة.

 

*2-* هناك عوامل ومعضلات كثيرة تحتاج إلى متابعة وحلول واجراءات لابد من القيام بها ودراستها وبحثها عبر خلية التفكير حتى لا تضيع “الفرصة التاريخية للحوار” والتي بدأت يوم أمس بدعم من الآلية الثلاثية، ومن هذه العوامل والمعضلات على سبيل المثال لا الحصر هي:

 

*أ/* قرب بدء عمل قوات حفظ الأمن بدارفور ومسائل تجهيزات هذه القوة ووضع خططها وسياقات عملها وضبط وربط أعمالها بسن قانون صارم تُستمد بعض مواده من قانون قوات الشعب المسلحة.
*ب/* التأكد من إكمال التحضيرات والتجهيزات اللازمة والتدابير المحكمة بشأن تأمين امتحانات الشهادة الثانوية.

*ج/* قيام وفد اسرائيلي بزيارة مدينة أثيوبية قريبة من الحدود السودانية، وأخبار عن قيام شركات إسرائيلية بتموّل مزارعين إثيوبيين للزراعة داخل السودان وتداعيات ذلك على الخطة العسكرية لقواتنا المرابطة بالفشقة.

*د/* قطوعات الكهرباء والمياه، واضرابات العاملين بقطاع الصحة ببعض الولايات وارتباط ذلك بكوادر حزبية معينة.

*هـ/* وفد أممي يزور الجنينة تحت مظلة (1591).
*و/* منع استخدام السلاح في الحفلات ”الرصاص الطائش” الذي يتزايد ضحاياه بوتيرة متصاعدة.
*ز/* موضوع السفارات والبعثات الأجنبية والقنصليات وملحقياتها والتي تنشط في العمل الدبلوماسي والاجتماعي والثقافي وبعضها يتدخل في العمل السياسي والشأن الداخلي تحت الساتر البراق، وقد أدى قصور العمل الأمني إلى أن تتحول بعض أعمال السفارات والبعثات إلى نشاط تجسسي سافر وفي كثير من الاحيان ولضرورات تقدرها الدول يكون اغلب اعضاء البعثة من عناصر المخابرات في بلدانهم وهنا يكمن الخطر في تعاملهم المحترف بإستهداف الدولة المضيفة باختراقات شاملة عن طريق العملاء والجواسيس، لذلك تستوجب المرحلة القادمة إجراءات مضادة لمراقبة ورصد وكشف هذا النشاط والحذر من التعامل مع البعثات الأجنبية مهما كانت المبررات والاغراءات إلا عبر وزارة الخارجية، وتنبيه وتوعية وتحذير ساسة ومسؤولي البلاد وقيادات منظمات المجتمع المدني ومختلف الكيانات والمواطنين، فقد أدى الإستسهال والتهاون إلى تغلغل النشاط المخابراتي في عصب البلاد وتسببت العفوية السودانية في اختراقات عميقة في جدار الدولة السودانية.

 

*ح/* تقنين ومراقبة الوجود الأجنبي فهناك أعداد كبيرة خارج السجل من حوالى (13) دولة هي: تشاد، إريتريا، إثيوبيا، جنوب السودان، النيجر، نيجيريا، أفريقيا الوسطى، مالي بوركينافاسو، السنغال وغينيا، الصومال، بالإضافة لسوريا، ولا توجد احصائية موثوقة ورسمية بأعداد اللاجئن من هذه الدول، وجميعهم يعيش بين ظهرانينا بطريقة غير شرعية، ولا وجود لهم في بيانات الدولة، وهذا بالطبع باب معروف بأنه أحد أبوب الفوضى المفتوحة على السودان، وتأثير هذا التواجد العشوائي كبير على دولة تعاني من تدهور بائن في أمور الاقتصاد والأمن، مما أثر على المعيشة وارتفاع الأسعار والتضخم الصاعد، ومن المستغرب ألا يفكر مسؤول الداخلية في كيف يتم حل معضلة اللاجئين، أو على الأقل الاستفادة منهم إقتصادياً، وتحجيم خطورتهم على البلاد فمن بينهم جواسيس ينشطون في الاختراق الأمني، وهذه لا يختلف فيها إثنان خصوصاً من تلك الدول التي تشارك السودان قضايا أمنية وحدودية واقتصادية وأعني تحديداً اثيوبيا وارتيريا وتشاد.

*ط/* الفجوة الغذائية القادمة بتأثير الأزمة الأوكرانية وتقارير منظمات الزراعة والأغذية حول الدول المتأثرة ومن بينها السودان.

ي/* تداعيات إستقالة ترك على ملف الشرق.
*3-* كل هذه العوامل المذكورة أعلاه وهناك الكثير من العوامل لم يتم ذكرها ونتركها لفطنة القارئ تجعل السودان يواجه موقفاً من مواقف التاريخ الحاسمة، ويقف في مفترق الطرق، ولسوف يتوقف كثير من إصلاح المستقبل على حركة الحاضر والمشهد السياسي الراهن، ومن هنا تأتي أهمية المواجهة وأيضاً أهمية الحوار، مواجهة العابثين بالمشهد، وحوار الوطنيين في المشهد، لذا فإن المواجهة بالحقائق هي أسرع الطرق لحل المشاكل، مثلما أن الخط المستقيم بين نقطتين هو أقصر الخطوط، أما أهمية الحوار فهي ليست خافية على أحد، وبدون وجود خلية للتفكير والعصف الذهني فنحن سنظل داخل دائرة مفرغة وخبيثة، أو أمام ساقية – بالمشاكل – لا تكف عن الدوران، وبهذا تتضح الصورة المشوهة التي يُراد أن يظهر بها السودان، ولن يتم تغيير هذه الصورة مالم نعمل بالمثل الإنجليزي الذي يقول «أن الأمراض المستعصية تتطلب علاجاً قوياً» خاصة وأننا في حاجة إلى حلول شجاعة تتطلب إرادة قوية للتنفيذ، وأن نعمل بجدية في سبيل حلحلة القضايا والمعضلات المتشابكة، والتي أصبحت مشاكل ترهق كاهل السودان، فليس متصوراً أن يتحقق تغيير شامل ولو في حده الأدنى، بمجرد تغيير قيادة أو حكومة أو إخلاء منصب أو بعض المناصب ممن يشغلها لإسنادها إلى وجوه جديدة، وهذه حقيقة أصبحت ثابتة في سودان اليوم ويجب أن نعي ذلك قبل الإقدام على فعل متهور للإحلال والإبدال المتسرع، وفي ضوء هذا الفهم السليم تبرز الحاجة في أن نبادر إلى الأخذ بما لجأت إليه الدول من حولنا والتي تفتح ملفاً كاملاً لكل مشكلة من المشكلات الكبرى التي نواجهها، يتضمن الملف كافة الحقائق المتعلقة بهذه المشكلة، وسلسلة المحاولات المتعاقبة لمواجهتها، ومقاربات الخبراء والمختصين، وكافة البدائل الممكنة المطروحة، وكل الإمكانات المالية والفنية والفكرية المتاحة من أجل حل المشكلة، حتى لا يصبح حل المشاكل في السودان عبارة عن اجتهادات شخصية و«جوديات»، فطريقة العمل بالملفات تتيح أن تكون البداية ملتزمة بما يضمه ملف المشكلة الجاهز، فلا نحتاج إلى تدخل فردي قد يعالج المشكلة آنياً ولكنها تتفاقم لتصبح قنبلة موقوتة فيما بعد كما حدث لكثير من المشاكل.

*4-* لقد صارت الدعوة ملحة لتكوين خلايا تفكير على المستويين المدني والعسكري، تضم، في كل المستويات، أشخاصاً وخبراء من مختلف التخصصات، كالسياسة والاقتصاد والعلوم الطبيعية والعسكرية والاجتماعية .. إلخ، كل عضو في الخلية يكون لجنة فرعية في تخصصه يترأسها، بحيث يكون عدد اللجان الفرعية بعدد أعضاء الخلية، واللجان الفرعية تتكون من شخص واحد.

 

يترأسها، لكنه يستعين بخبراء في حقله التخصصي، يدلي هؤلاء الخبراء بدلوهم له، وليس من الضروري أن يعرفوا لماذا أو لمن تلك المعلومات والبيانات، وقد يقوم رئيس اللجنة بعصف ذهني مع طلبة الجامعات أو الباحثين في مراكز البحوث والدراسات السودانية المختلفة، أو موظفين في دائرته لو كان ينتمي لأي منها، أو لمن هم في مجال مهنته، فعضو خلية التفكير قد يكون موظف حكومي أو شخص يمارس عملاً خاصاً، وفي النهاية فعضوية الخلية ليست وظيفة بقدر ماهي تطوع وطني وإلتزام أخلاقي يقود إلى مناقشة الموضوع قيد الدراسة ويُبحث من قبل جميع اللجان الفرعية آنفة الذكر على حدة، لتكوين فكرة متعددة الجوانب، ومن ثم يُناقش الأمر في اجتماع واحد لأعضاء خلية التفكير المعتمدة للتوصل لتوصيات بشكل جماعي وإيجاد الحلول.

اترك رد