أثارت خطوة قوى الحرية والتغيير بقبول الدعوة الامريكية السعودية للاجتماع مع ممثلين عن السلطة الانقلابية مساء الخميس الماضي جدلاً في أوساط قوى الثورة بين معارض ومشكك ومؤيد، وهو جدل صحي حول الوسائل والسبل الأمثل للتصدي لانقلاب ٢٥ اكتوبر وهزيمته وتحقيق غايات الشارع المقاوم الذي لم يتراجع شبراً عن خوض معركة الحرية والعدالة والكرامة.
أوضحت قوى الحرية والتغيير موقفها الرسمي عبر بيان سياسي قبل وبعد الاجتماع، ومن خلال مؤتمر صحفي في اليوم التالي. مع ذلك لا زالت النقاشات تثير أسئلة حول الرؤية السياسية لقوى الحرية والتغيير وبعض تفاصيلها، وهي أسئلة مشروعة ومهمة أريد من خلال هذه المقالة أن أجيب على بعضها، اثراءاً للنقاش الموضوعي حول شأن مجابهة الانقلاب وهزيمته وأدواتها.
لماذا قبلت الحرية والتغيير الدعوة الامريكية السعودية للقاء مباشر مع السلطة الانقلابية؟
تستخدم قوى الحرية والتغيير ثلاثة أدوات لمقاومة الانقلاب أعلنتها في رؤيتها السياسية الصادرة في فبراير الماضي، الثورة الشعبية والتضامن الاقليمي والدولي والحل السياسي المفضي لتسليم السلطة للمدنيين. الحل السياسي هو نتيجة للضغط الشعبي والتضامن الدولي، لذا تركز الحرية والتغيير في هذين الجبهتين بصورة أساسية، ومع تواصل الضغط الجماهيري لعب الحصار الدولي لسلطة الانقلاب دوراً مهماً في اضعافها واسناد الحراك الجماهيري. بدأ الموقف الدولي في التوجه نحو ضرورة الاسراع بإنهاء الانقلاب وتسليم السلطة للمدنيين عبر عملية سياسية نسبة لعوامل عديدة دولية واقليمية ومحلية، لذا فقد دعم الالية الثلاثية في مساعيها التي لم تحرز تقدماً يذكر، وقد بدأ هنالك موقف دولي يتخلق يشكك في رغبة الجانب المدني الديمقراطي في الحل السياسي، وهو ما ظللنا نجادل بعدم صحته، ونكرر باننا لا نرفض الحل السياسي الحقيقي بل نرفض الحلول الزائفة مثل حوار روتانا الذين لا ينهي الانقلاب ويقوي السلطة الانقلابية ويشرعنها. حينما زارت مساعدة وزير الخارجية الامريكي مولي في السودان وجدت ذات الموقف من جانبنا، لذا فحينما قدمت الدعوة المشتركة مع السعودية لاجتماع مباشر يصحح المنهج الخاطيء الساعي لاغراق العملية السياسية وطلبت منا وضع مطالبنا كاملة على الطاولة، كان سيكون موقف الرفض هو اعلان موقف برفض الحل السياسي نفسه، مما سيقود لفك العزلة عن سلطة الانقلاب واضعاف السند الدولي للحراك الجماهيري، وهو ما سيساعد على تقوية الانقلاب لا هزيمته. تحملت هنا قوى الحرية والتغيير عبء القرار الصعب بمواصلة كسب التضامن الدولي دون تفريط في مطلب واحد من مطالب الشارع، ودون تنازل عن مبدأ انهاء الانقلاب والسلطة المدنية الكاملة، وهو الدور المطلوب من القوى السياسية ان تستخدم أدوات العمل السياسي المشروعة كلها لتحقيق ذات الغايات.
هل تريد قوى الحرية والتغيير العودة للشراكة ووضعية ما قبل ٢٥ اكتوبر؟
لا .. لن تعود قوى الحرية والتغيير للشراكة ولا لما قبل ٢٥ اكتوبر .. نحن نريد سلطة مدنية كاملة تعبر عن الثورة وقضاياها. ونريد خروج المؤسسة العسكرية كلياً عن السياسة وتأسيس علاقات مدنية عسكرية صحية و”ديمقراطية” على حد المصطلح الذي صكه زولتان بارني* في توصيف طبيعة هذه العلاقة في البلدان الديمقراطية ومتطلباتها وشروطها. نحن نعمل على اصلاح أمني وعسكري شامل يقود لجيش واحد مهني وقومي ونعتقد أنه بدون ذلك لن تقوم لدولة السودان قائمة.
ما الذي تعنيه قوى الحرية والتغيير بإنهاء الانقلاب؟
انقلاب ٢٥ اكتوبر هو عبارة عن قرارات ومؤسسات وسياسات استبدادية وقمعية. نحن نريد انهاء كل ذلك كلياً وأن تتأسس وضعية جديدة تماماً تنشيء فيها القوى المدنية الديمقراطية مؤسسات تعبر عنها .. مجلس سيادة مدني بالكامل او الغاءه كلياً .. مجلس وزراء مدني بالكامل وبسلطات حقيقية .. مجلس تشريعي انتقالي مدني بالكامل يعبر عن أوسع قاعدة شعبية. هذه المؤسسات تضع سياسات تنهي الاستبداد والفساد وتمتلك القوة على تنفيذها.
هل الحل السياسي الذي نريده يسقط قضية العدالة؟
لا .. لا يمكن لبلادنا ان تنهض أو تتعافى باسقاط قضية العدالة، ولا تملك أي قوة سياسية أن تعفوا أو تصفح. نحن نريد عملية شاملة للعدالة الانتقالية التي تكشف كل ما تم من جرائم وتحاسب مرتكبيها وتنصف الضحايا وتبريء الجراح وتضمن عدم تكرارها مرة أخرى. ارتكبت جرائم بشعة في كل ارجاء السودان خلال حقبة الانقاذ وبعد انقلاب ٢٥ اكتوبر، كما لم تتوقف الانتهاكات خلال المرحلة الانتقالية. العدالة الانتقالية التي نبغيها تخاطب كل هذه الجرائم ولا تعمل على دفنها او اسقاطها بالتقادم. هنالك تجارب عالمية كثيرة لم يسقط فيها الحل السياسي قضية العدالة وبلادنا ليست استثناء.
هل تريد الحرية والتغيير اتفاقاً للعودة للسلطة فقط؟
لا .. طرحت قوى الحرية والتغيير رؤية شاملة للحل، تناول اغلبها القضايا وليس الهياكل .. نحن معنيين اولاً بقضايا الاصلاح الامني والعسكري والعدالة والتنمية الشاملة والمعيشة والتفكيك والتحول الديمقراطي وصناعة الدستور الدائم والوصول لانتخابات حرة ونزيهة واصلاح الخدمة المدنية والاجهزة العدلية. نريد حلاً سياسياً يعالج هذه القضايا وينشيء سلطة مدنية قادرة على تنفيذ برنامج واقعي لمعالجتها خلال المرحلة الانتقالية. هذه السلطة ليست لقوى الحرية والتغيير بل تنشئها كل قوى الثورة والقوى المدنية الملتزمة بالتحول المدني الديمقراطي.
هل الحل السياسي نقيض للثورة الشعبية الجماهيرية؟ وهل يستطيع تحقيق ذات غاياتها؟
لا .. الحل السياسي هو نتيجة للضغط الشعبي الجماهيري والتضامن الدولي الاقليمي وهو يتكامل معها ولا يناقضها. هنالك افتراض ان الحل السياسي لا يحقق ذات الغايات او يحقق سقف اقل منها .. فلنفترض مثلاً أن الحل السياسي سيحقق ٨٠ او ٩٠ في المئة من ما يمكن تحقيقه بالثورة الشعبية. نحن هنا ننظر للغايات القصوى كسلم مرتفع نصعده درجة درجة .. اذا حققت الأدوات السياسية المتكاملة هذه النسبة فنكون قد صعدنا ٨ او ٩ درجات من ١٠ وهذا لا يتعارض مع من يبغون صعود الدرجات العشر بل يساعد على ذلك بالدفع الى اعلى ويمكن لنا جميعاً عقب ذلك استكمال صعود ما تبقى من درجات عقب الفراغ من الصعود عبر الأدوات السياسية المتكاملة. نحن راغبين في تغيير جذري ديمقراطي والتجربة البشرية تقول ان التغيير الجذري الديمقراطي يتطلب التدرج ولا يمكن تحقيقه بضربة واحدة. وهو ما نسير فيه حتى نهاية الطريق.
هل هنالك ضمانات لأن يحقق الحل السياسي غايات الثورة الكاملة؟
لا .. وعليه فاننا امام خيارين اذا حقق الحل السياسي غايات الثورة فسنقوم به مع رفاقنا من قوى الثورة، وإن حاد عنها فلن نكون جزءاً منه اطلاقاً. هذا يتطلب استخدامه كأداة اضافية في الوقت الحالي لمزيد من حصار سلطة الانقلاب وعدم السماح لها باستخدامه لفك العزلة عنها، فاعتزاله كلياً سيقود لتقدم سلطة الانقلاب في تخفيف الضغط عنها او صياغة حل زائف يشرعن وجودها .. نحن نقطع الطريق امام ذلك بوضع كافة اجندة الشارع على طاولة الحل السياسي فإما أن يقود حينها لتحقيق هذه الاجندة أو لا يستخدم لغير هذه الغايات.
*زولتان بارني: كتاب الجندي والدولة المتغيرة