بعد دعوات تطالب بعودته .. (حمدوك) هل يعود للمشهد؟
الخرطوم ـ مهند بكري
(سنصمد ونعبر وننتصر، وهناك ضوء في آخر النفق).. بهذه العبارات كان رئيس الوزراء المستقيل د. عبد الله حمدوك، أو كما عرف شعبياً بـ”المؤسس” يُطمئن الشعب السوداني، والذي وضع ثقة عالية بالرجل التوافقي الهادئ في الوصول إلى الحلم بسودان ديمقراطي ينعم مواطنوه بالرفاهية والاستقرار بعيداً عن الاستبداد وتقسيم السلطة والثروة بين منسوبي الحزب المحلول وأحزاب (الوثبة) شريكة الحوار الوطني.
لكن سُرعان ما تبدلت الأوضاع بعد “شهر عسل” بين المدنيين والعسكريين، عقب انقلاب 25 أكتوبر وكان جنود وقتها قد اعتقلوا رئيس الوزراء وأعضاء حكومته قبل ساعات من ظهور البرهان على شاشة التلفزيون للإعلان عن حل مجلس السيادة، وهو الهيئة التي أُنشئت لتقاسم السلطة بين الجيش والمدنيين.
ليعود الرجل مثيراً للجدل في 21 نوفمبر إثر توقيعة لاتفاق ثنائي مع قائد الجيش، في وقت كان فيه الشارع يعمل على المقاومة وتصعيد ثورته لإسقاط الانقلاب.
ومؤخراً عاد “المؤسس” إلى واجهة الأحداث بعد تسريبات تشير إلى عودة الرجل دائرة الأضواء، وفي ظل هذه الإرهاصات يتبادر إلى الأذهان تساؤل فحواه: “ماذا لو لم يكن حمدوك حاكماً؟”.
نجاحات وفشل قاتل!
وبحسب عضو مجلس السيادة الانتقالي السابق البروفسير صديق تاور فإن عبد الله حمدوك كرئيس وزراء حكومة ما بعد إسقاط نظام البشير، تصدى لمهمة غاية في الصعوبة والتعقيد، وتحمل مسؤولية كبيرة في ظرف دقيق جداً، ولا ينكر أحد أنه بذل جهده للمساهمة في عملية الانتقال السوداني.
وبالتالي فهو قد نجح في ملفات مهمة مثل إعفاء الديون، واستقطاب الدعم الدبلوماسي العالمي قبل المادي، وتابع تاور: “حمدوك جعل من السودان مركز اهتمام كبير بين الدول الأخرى”، وداخلياً في ملفات إصلاح الخدمة المدنية ومشروعات دعم السلام وغيرها.
ويقول تاور: “ولكن بالمقابل ارتكب أخطاء فادحة وقاتلة عندما حول نفسه لمركز مستقل عن قوى الحرية والتغيير، وأدار ظهره لها بينما كانت هي السند الأساسي له، وأضاف فشله في المحافظة على علاقة جيدة مع حاضنته السياسية جعله فريسة سهلة لمستشارين أقرب للشلة منهم لرجال الدولة.
كما أنه سعى للتماهي مع البرهان وحميدتي متنازلاً عن الكثير من السلطة الدستورية، بينما كان عليه التنسيق بشكل مباشر وكبير مع المكون المدني في مجلس السيادة لأنه الرئيس الفعلي كما كنا نذكره مراراً وتكراراً.
تعقيدات المرحلة!
لكن بالمقابل تقول رئيسة الحزب الليبرالي د. ميادة سوار الذهب، إن تعقيدات المرحلة كانت تتطلب قيادياً ملماً بتعقيدات المشهد السياسي وتركيبة المجتمع السوداني، علاوة على القدرة على اتخاذ قرارات مهمة في منعطفات مفصلية.
بيد أنها عادت وأشارت إلى أن د. عبدالله حمدوك نجح في اختراق بعض الملفات الخارجية بحكم خبرته بكواليس المجتمع الدولي ودبلوماسيته الرفيعة.
وتابعت ميادة في إفاداتها لـ(اليوم التالي): “بالرغم من ذلك الاختراق إلا أن بعض القرارات أثارت جدلاً وخطوات طرحت علامات استفهام”
وحول أن حمدوك كان بين مطرقة المكون العسكري وسندان قوى الحرية والتغيير، تقول ميادة إن الخبير الأممي لم يكن رجل الحقبة بهذا الكم من التحديات والتعقيد على الرغم من التأيد الشديد والالتفاف غير المسبوق والدعم اللامحدود من كافة شرائح المجتمع السوداني.
وأوضحت أن حمدوك ظل مكبلاً بقيود حاضنة سياسية منقسمة لا تمتلك رؤية حول كيفية إدارة الفترة الانتقالية ولا كادراً مؤهلاً يدير دولاب الدولة، واستطردت بالقول: “ظل رئيس الوزراء حبيساً في زنازين قوى الحرية والتغيير من غير رؤية أو توافق”.
تطلعات الشارع بعد انقلاب 25!
وبحسب الناشط السياسي عبدالكريم جباري أفندي، فإنه منذ الانقلاب العسكري، في أكتوبر من العام الماضي تخوض الجماهير صراعاً شبه يومي مع الثورة المضادة، تقابله هجمة أمنية شرسة خلفت مئات القتلى والجرحى، لكن عندما ثبت أن القمع وحده عاجز عن وقف الحركة خلال العام الماضي، عمل الجنرالات، في نوفمبر على إعادة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك إلى السلطة، وهو الذي سبق أن أطاحوا به واعتقلوه في أكتوبر.
ويقول جباري في إفاداته لـ(اليوم التالي) إن المكون العسكري كان ينتظر من حمدوك أن يكون حكومة انتقالية جديدة من “التكنوقراط” لتكون غطاءً لعودة الديكتاتورية العسكرية، وتحويل مسار الثورة.
وأشار إلى أنه بعد نحو 6 أسابيع اتضح أن محاولة “ذر الرماد في عيون الجماهير” قد باءت بالفشل، ورد ذلك إلى أن رئيس الوزراء المستقيل فقد أرضيته في الشارع عقب توقيعه اتفاق نوفمبر، وقبلها الإجراءات التقشفية التي نفذها في عامي (2019 ـ 2020) بأمر صندوق النقد الدولي مما أدخل البلاد في عتمة النفق.
ويشير جباري إلى أن حمدوك شخصية “ليست أساسية” في الثورة وإنه لم يكن موجوداً أصلاً في البلاد عندما تفجرت ثورة ديسمبر، علاوة على أن الخبير الاقتصادي السابق في الأمم المتحدة، تم دفعه إلى المقدمة من قبل “القادة الليبراليين بالداخل، وحلفائهم الإمبرياليين بالخارج”.
وأكد أن الغلبة اليوم لصوت الشارع، واستطرد قائلاً: “يجب أن يفهم الجميع أن شعارات الثورة ـ لا تفاوض ولا شراكة ولا تسوية ولا شرعنة للانقلاب”، هي معادلة الشارع، لكن للخروج من الأزمة يجب أن يكون هنالك تفاوض بين أطراف الأزمة حول مطلوبات الثوار وتحقيق أهداف الثورة وإنجاز التحول الديمقراطي، وأن التحرك نحو مزيد من المحادثات دون ذلك لا قيمة له في المعطيات الحالية.
بناء ثقة وجمود سياسي!
وفي ظل الجمود السياسي الذي يهيمن على البلاد، لا يزال الشارع الثوري متمسكاً بمواقفه ومطالبه المتمثلة أساساً في إبعاد الجيش عن المشهد السياسي، ولا تزال دعوات التظاهر التي تطلقها لجان المقاومة والقوى السياسية المعارضة للانقلاب وتجمع المهنيين السودانيين مستمرة.
ويقول الكاتب الصحفي والمحلل السياسي الجميل الفاضل، إن نعي ائتلاف الحرية والتغيير للعملية السياسية بالبلاد، وتحميله المكون العسكري مسؤولية انهيارها بارتكاب هذه الانتهاكات وعدم الالتزام بتهيئة إجراءات بناء الثقة، نتج عن ممارسة السلطات للقمع المفرط تجاه المتظاهرين السلميين في مليونية الثلاثين من يونيو التي خرجت في الخرطوم ومدن أخرى.
وبحسب الجميل في إفاداته لـ(اليوم التالي) فإن ذلك الإعلان قطع الطريق أمام أي تسوية سياسية، مشيراً إلى أن نجاح الفترات الانتقالية وفقاً للتاريخ والتجارب رهين بعوامل ذاتية وأخرى موضوعية، الأولى منها تتعلق دائماً بشخصيات وقيادات ورموز تمتلك تَأييداً داخلياً وخارجياً، وبحسب الجميل يمتلك رئيس الوزراء المستقيل البعد الخارجي وفقاً لعلاقاته الدولية من خلال عملة بالأمم المتحدة ووكالاتها بجانب علاقته المباشرة التي تجمعه بالأمين العام للأمم المتحدة الحالي “أنطونيو غوتيريش” وأن ذلك أنهى حقبة مظلمة من الحصار الاقتصادي الذي ألقى بظلاله على المواطن السوداني طيلة 30 عاماً مضت، علاوة على أن رؤيته حول البعثة الأممية اتضح أنها كانت أبعد من غيره، وأنها كانت بعيدة عن المكونين “العسكري والمدني”.
لكن بالمقابل بحسب الجميل ارتكب حمدوك خطاً قاتلاً عندما انفصل عن حاضنته السياسية وخلق فجوة بينها وبين الحكومة التنفيذية، وبشأن كارزيما حمدوك يقول الفاضل إنه “لا يمكن أن نجد إجابة من هذا النوع” فالرجل كان متخبطاً في قراراته وخصوصاً ما تعلق منها بموقف الحكومة الانتقالية من قضية التطبيع بجانب محاولته أن يقف وحده دون حاضنته السياسية في اتفاق نوفمبر.
ورأى الكاتب الصحفي أن استقالة عبدالله حمدوك “كانت حتمية وتترك الجنرالات في البلاد في مواجهة أزمة دستورية رغم الخطأ الأول بقبول الاتفاق الذي أعاده إلى منصبه”.
وأوضح الجميل أن هنالك من يرى أن الخبير الأممي كان ينفذ سيناريوهات مرسومة خارجياً، لكنه يرى أن رئيس الوزراء المستقيل كان يوجه العلاقات الخارجية لصالح السودان أكثر من ضرره.
وأشار الجميل إلى أن خيار عودة رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك إلى منصبه لا يزال مطروحاً على الطاولة لتجاوز الأزمة السياسية في البلاد، وذلك للقبول الذي يحظى به الرجل رغم المستجدات التي طرأت على المشهد السياسي السوداني.
اليوم التالي