العباية هي الصيغة الدارجة على الالسن في اللهجة العامية السودانية للعباءة ، هذا الطيلسان الذي يلبس من فوق الجلباب العربي ، تكملة للأبّهة والاناقة والوجاهة ، وخصوصا في المناسبات الاحتفائية الخاصة ، أو لاستقبال او مقابلة رئيس من الرؤساء أو وجيه من الوجهاء والأعيان. وتلبس العباية عادة فوق الجلباب ومعهما العمامة والملحفة او الشال الى جانب الحذاء التقليدي ” المركوب ” او الحذاء الافرنجي اذا كان ملائما.
وفي السودان ، ينسب الفضل عادة للرئيس جعفر نميري انه كرس ارتداء الجلابية والعمامة والعباية زياً قوميا معتبراً يجوز لبسه في جميع المناسبات الرسمية في داخل السودان وخارجه ، بما في ذلك لغرض تقديم أوراق اعتماد السفراء السودانيين لدى ملوك وأمراء ورؤساء الدول المختلفة ، والمرجح ان توجيهاً رسمياً قد صدر وجرى تعميمه بذلك الخصوص بالفعل ، وذلك بدليل أننا شاهدنا صوراً لسفراء السودانيين لم يكونوا من المسلمين ، وهم يقدمون اوراق اعتمادهم بذلك الزي ” القومي ” ، منهم على سبيل المثال: السفير الدكتور فرانسيس دينج ، والسفير الفريق جوزيف لاقو.
ولعل هنالك جانباً ذاتياً حدا بالرئيس نميري لتكريس الجلابية والعمة والعباية زياً قوميا للتشريفات ، هو ان نميري نفسه كان رجلا فارع القامة ووجيها ، ” يخيل ” فيه ذلك الزي القومي ، ويُحسن هو ارتداءه.
لقد وجد ذلك التوجيه او القرار القاضي باعتماد الجلابية والعمامة والعباءة زياً قوميا للتشريفات عموماً ، وخصوصا بالنسبة للسفراء السودانيين ، في مراسم تقديم اوراق اعتمادهم ، بعض الانتقادات كان أبرزها رأي الدبلوماسي والاديب والمفكر الرائد الاستاذ جمال محمد أحمد ، أعرب عنه في كتيبه الموسوم ب ” في الدبلوماسية السودانية ” ، والذي جاء فيه ما معناه ان لحظة تقديم اوراق الاعتماد للملوك والرؤساء تكون عادة لحظة مهيبة ، وتتطلب تركيزا واتزانا من جانب السفير المعني ، وخصوصاً حرصاً من السفير على تسليم المظروف الذي يحتوي على أوراق الاعتماد بكلتا يديه إلى الملك أو الرئيس المعني ، مشيراً الى ما قد يتعرض اليه السفير من حرج واضطراب فيما لو أن الريح مثلاً قد عبثت بعمامته أو بأهداب عباءته فطوّحت بها بعيدا ، فعمد الى اصلاحها او لملمتها !.
أما العباءة السودانية التي عليها مدار هذه الكلمة ، فالمقصود منها هي الطريقة السودانية التقليدية والمميزة في تفصيل العباية ، بما يجعلها ذات هوية تشكيلية وجمالية مميزة ومختلفة عن غيرها من الطيلسانات النظيرة.
العباية السودانية يكون قماشها عادة من قماش ثقيل ناعم ومرن ، ولكنه ثقيل وثخين نوعاً ما ، وغير شفاف وصفيق كما في اقمشة العباءات الخليجية مثلا. وتتميز العباية السودانية ايضا بأنها جميع حواشيها تؤطّر بقيطان واحد. غليظ نوعا ما ، وليس بطراز عريض من القواطين المرصوصة والمتلاصقة جنباً الى جنب.
مهما يكن من شىء ، فان تقليد صناعة العبايات السودانية الاصلية يبدو في ازمة حقيقية ، كما ان الخياطين الذين كانوا يجيدون حياكتها يبدو انهم قد انقرضوا او كادوا ، فصار الناس يلبسون اي عباءة والسلام ، واكثرها مستورد من الصين.
وعليه ، فان هذه بمثابة مناشدة ودعوة للتمسك بالعباية السودانية ، وإحياء صناعتها التقليدية ، والعمل على ديمومتها ، وتكريس هويتها ، وشكلها المتميز.