بشير عبدالقادر يكتب.. تناقض المزاج السوداني سبب البهدلة السياسية والتخلف !!! 

0

 

أرسل لي الصديق الجميل جلال حسيب فديو لاغنية يبدو انها جديدة.

 

اول ماشد انتباهي الايقاع الراقص الذي يجمع بين صوت آلة أورغن”حداثة” وصوت طمبور “أصالة”. ثم انتبهت الى وجود مغنية شابة وهي تنظر الى العازفين وتدير ظهرها للكاميرا، وهي تتمايل طرباً، ثم أدارت وجهها نحو الكاميرا لتظهر شابة مليحة الوجه وهي مبتسمة ان لم نقل فرحة جزلة ومبتهجة بما ستوديه من فاصل غنائي قد ينشر البهجة والسرور على المشاركين في الحفل والمستمعين.

 

ثم جاءت أول كلمات الاغنية (انا ممكون وصابر وراقد في العنابر، والجواز مؤشر وماشي المقابر .. المقابر .. المقابر، انا ممكون وصابر وراقد في العنابر والطبيب حزين قال ودوا المقابر .. المقاااابر .. المقابر) !!! وكانت المغنية مبتهجة وترقص فرحة في انفعال مع الاغنية!!! .

 

تسألت بيني وبين نفسي .. لعل طول غيابي عن السودان جعلني لا أفهم المزاج السوداني او لعل هناك شفرات وايحاءاات وراء الكلمات بما يمكن ان يكون رسائل من عينة “وراء الكلمات كتمت دموع وبكيت آهآت من غير تحس بيا” !!! .

 

قبل أن أواصل الاستماع لبقية الأغنية، أعدت الاستماع للجزء السابق من الاغنية وكلي تشوق في انتظار أبيات شعرية تحمل كلمات تفسر سبب إبتهاج المطربة!!! ولكني فؤجئت بأن المغنية أعادت تقديرا نفس “الكوبليه” الاول مع تغيير طفيف في عدد من الكلمات؛ ثم كانت المفأجاة الكبرى بحضور أحد المشاركين في الحفل ليبشر ويرمي بأوراق العملة فوق راس المغنية، ثم يخرج رزمة او رزم اخري من المال ويستمر في رميها على رأس المغنية!!!

 

حينها قلت في نفسي لعل كلمة المقابر هنا تعني في باطنها “أنا مسافر .. انا مسافر”!!! ولكن الشاعر يريد ان يقول ان البعد عن هذه البلاد واهلها الطيبين هو بمثابة الذهاب للمقابر، وأنه حتى المرضى يصبرون على المرض ولكن لا يريدون مغادرة الوطن لخارجه!!! .

 

 

 

لكني تذكرت ان كثير من الامور السودانية تحمل تناقض في جنبيها؛ وكمثال بسيط ان بلاد السودان يجري فيها نيل وعدة انهار ولا تنقطع عنها الامطار ورغم ذلك وعلى بعد امتار من النيل، نجد أن الشعب يعاني من العطش وانقطاع المياه!!! كذلك نجد أن اراضي السودان صالحة للزراعة والماء متوفر من النيل والانهار والامطار، ولكن يتم استيراد القمح وكل الخضروات بما فيها الثوم من الصين!!! فوق ذلك ثروة حيوانية فوق المائة مليون راس من الابل والضان والغنم والبقر، ولكن في زمن ما تم استيراد الخراف للسودان من استراليا!!!، بل تجد ان لحوم هذه الابقار والاغنام المصدرة تباع في الخليج ومصر بسعر ارخص من سعرها في السودان !!! .

 

 

 

بلد لا تخلو قرية فيها ناهيك عن المدينة عن بروفسورات في كل التخصصات ولكن يعين فيها من لا يعرف ان الاقتصاد علم يدرس في الجامعات وبه الالاف النظريات، يعين رئيس اللجنة الاقتصادية “العليا” لوضع الخطط الاستراتيجية الاقتصادية .!!!

 

بلد يقتل فيها شاب جامعي عشريني مثل محجوب التاج لانه اصر في سلمية وبإبتسامة عذبة وكلمات هادية على حماية زميلاته الطالبات أمام بوابة الجامعة من ضرب ووحشية العسكر .

 

بلد يقتل فيها بالمدافع والرصاص الحي ودهسا بالمدرعات العسكرية 120 شاباً في حوالي ثمانية أشهر لانهم في سلمية تامة رفضوا الحكم العسكري وطالبوا بالحكم المدني. في حين يكرم فيها رجل هرم بلغ أرزل العمر واصبح يهرف بما لا يعرف، سوى التماهي مع العسكر والانحاءة في خضوع وتذلل امام رئيس المجلس العسكري. ليقوم بالتحكيم في البلاد واختيار من يصلح شأنها. مما يدل على ان المزاج السوداني وخاصة للحكام هو مزاج “مقلوب- اب سايد داون” وهو سبب البهدلة السياسية والتخلف!!! .

 

عدت مرة اخرى لسماع الاغنية اعلاه وذهبت لتفسير اخر الا وهو ان المطربة فرحة وجزلة وراقصة لانها علمت يقيناً بانها تساهم في صناعة “التفاهة” وانها ستتلقى مال بل اموال من غالبية “التافهين”؛ كما انها ترسل نيابة عن الحكام العسكر رسالة للشباب الثائر ضد العسكر مفادها فلتقبلوا بنا وترقصوا معنا او مصيركم القتل والمقابر .!!!

 

أنشد الشاعر حميد :

 

“وطن ساكت وطن نضّام

وطن ما فيهو أي كلام

وطن صابر … وطن علاّم

وطن آخر … وطن قدّام

وطن ساهل … ولاب ينحام

وطن ماهل … وطن قوّام

فرد واحد … عديد أقوام

وطن خالد … على الأيام

وطن ساكت … وطنّا وبس

في جوفنا إندس

ألف … ميم … لام”

اترك رد