الجزيرة . جزيرة السودان التي في نفس كل سوداني صحيح الإنتماء تلة في الوجدان . نهراها تقوى الصالحين وخلاويهم ومجاري دفق العمار من قلم البوص على الألواح المباركة وتدفقات التسامح التي جرت نهرا من الإبداع .إن غنوا او (دقو الكفر) هي بوتقة الإنصهار والناسجة لخيوط الإلفة . ما دخلت قرية في عبوري أرضها إلا ووجدتهم يخدمون الناس حفاة . بستقبلونك بلا ريب وينكبون عليك كأنك باذل لهم ما أنت تسألهم . هم (عوج الدرب) الذي يلوي مسار العابرين عند منعرج الكرم وهم تقابات القران التي كانت مثل (إبراهيم) وهبت هذا الشعب رشده وهداه ونور الصلاح .
2
الجزيرة في بداوتها مدن من النباهة والتميز الذي نافست به العاصمة وحازت فيه السبوقات واهلها أصحاب عفة بذلوا عليها أفضل متاحات السعي فمن ضاقت به الزراعة وسعته التجارة ومن ضل عنهما ركب بساط الريح في المهاجر . فما علقت بذمتهم عواري الضلالات او ما يسود وجه الرجال . هم وان كانوا مثل تبر بشر هذا الوطن لكنهم تميزوا بالبساطة والتبسط وعاطفة الإنتماء التي تجعلهم زرافاتا ووحدانا يضربون ايام الخميس ليبلغون من الخرطوم بر ام وتكريم أب وحضن قريب برحم . الواصل إليهم يعاهدوه بمخطوطة من نسيج الطمي وبلل الجروف فينغرس في التربة مثل ساق القطن فيتفتح لاحقا (جزيري) الظهور ولو كان منثور جاف مشيمته في الأقاصي البعيدة .
هي منارة العلم رفاعة . وكشافة النجوم في مدني . هي التي سمت على (المسيد) المسيد وعلمت الناس في المناقل ان الأرض تسع الجميع . دون هتافية او ذيوع شعارات . وهي امة من القرى والحلال التي رغم غبرتها أنضر من عجاف المدن المستحيلة . حيث يقوم البناء ويتلاشى الإنسان الإنسان !
3
تعرفت على الوف من أبناء الجزيرة . ما تعسر لواء الوفاء فيهم وما تكسر . أفرادا او بمخصوص العطاء الموهوب للوطن بلا إمتنان . أناس هؤلاء صفاتهم سينعم عليهم بعد البلوى بإذنه . لانهم أقروا القرى لوطنهم الكبير وأعانوه على نوائب الدهر . فلن يخذلهم الله او يخزيهم او يردهم .
إني في هذه العجالة أكتب وأمامي جارتنا (أم فاطمة) سيدة تضئ بالحكمة والحشمة والهمة وتنافس بالأخيرة الرجال العماليق . ما حز بالحي كرب بجار او جارة إلا وكانت اول الحضور . تكمل ما نقص وتقيم ما مال . تفعل ذلك تحت شمس إبتسامة لا تغيب . وضوء قمر من وجه مبارك لا ينطفئ . سيدة بت رجال . من المناقل نفسها قابلتها اليوم أتحسس مصاب أهلها فخرجت منها والحمد المبرد كالثلج يهبط عليها صبرا وثقة في ان الله لو ما دبر ما ودر . ما وصت وانا التقط ثرثراتها مع المتصلين بمخصوص نسب ومعرفة كانت تتحدث بضمائر الجمع في كل القواميس وأسماء الإشارة . فخرجت منها وفي داخلي متين اليقين بأن عزم الانسان سيكون فوق طارئات الطبيعة وتحت الوثوق بمن يجري المقادير . وهو القادر ان يبدل الابتلاء بالحمد لنعمة