خلاف باشاغا – الدبيبة.. انسداد سياسي في ليبيا ومخاوف من “سيناريو مرعب
اسفير نيوز __ وكالات
تصاعدت حدة اللهجة السياسية بين رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس الحكومة الليبية المكلف من مجلس النواب، فتحي باشاغا، بعد إصدار الأخير بيانا، الأربعاء، تحدث فيه عن “الجنح للسلم” والدعوة إلى الابتعاد عن الاقتتال، وقال إنه بمثابة “إبراء ذمة” من قبله.
وفي مارس الماضي، دخلت الأزمة السياسية في ليبيا منعطفا جديدا، بعدما وافق البرلمان في الشرق على تعيين حكومة جديدة بقيادة وزير الداخلية الأسبق، فتحي باشاغا، في تحد واضح لحكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة في طرابلس.
وفي إطار رده على بيان باشاغا، قال الدبيبة في منشور على تويتر، الأربعاء: “إلى وزير الداخلية الأسبق، وفّر عليك إرسال الرسائل المتكررة والتهديدات بإشعال الحرب واستهداف المدنيين، لو كان لديك حرص على حياة الليبيين، فركز جهدك لدخول الانتخابات، ودع عنك أوهام الانقلابات العسكرية فقد ولى زمانها”.
وأضاف: “ملاحظة: لم أرد برسالة لأني مشغول.. بخدمة الليبيين”.
وكان باشاغا قد أصدر بيانا ناشد فيه الدبيبة بضرورة تسليم السلطة سلميا، وذلك “تجسيدا لمعاني الديمقراطية وترسيخا لأسس الدولة المدنية”.
ويرى مراقبون أن تصاعد حدة اللهجة السياسية بين رئيسي الحكومتين ينذر بحرب ومواجهة عسكرية مباشرة على الأرض بين الميليشيات الموالية لكلا الطرفين.
وفي هذا الإطار، قال المحلل السياسي رمزي رميح، إن “بيان باشاغا كان إبراء ذمة، وبمثابة إنذار أخير، ورد الدبيبة كان تهكمي”.
وأضاف في حديثه لموقع “الحرة” أن هناك “مؤشرات على أنه في أي لحظة يمكن أن تحدث حرب، لأن الناطق الرسمي باسم حكومة باشاغا أكد أن الخيار العسكري غير مستبعد”.
وأشار رميح إلى أن الليبيين “لا يقبلون بأن يتمسك الدبيبة بالسلطة أو أن يحتمي بالميليشيات، ولا يقبلون أن يدخل باشاغا إلى طرابلس بقوة الميليشيات”.
الاحتكام للقوة
ويرى المحلل السياسي، حسين مفتاح، أن “المعطيات والمؤشرات تدل على الاحتكام للقوة في فض الاشتباك السياسي، والأرجح أن هذا الصراع السياسي أصبح أقرب ما يكون إلى صراع مسلح”.
وقال مفتاح في حديثه لموقع “الحرة” إنه “إذا حدث ذلك في العاصمة طرابلس، فسيكون سيناريو مرعب، وستكون هناك حرب كارثية أقوى من أي عمليات عسكرية حصلت سابقا، وذلك بالنظر إلى المعطيات من حيث المجموعات المسلحة وخارطة انتشارها، والإمكانيات الموجود لدى كلا الطرفين”.
وأضاف أن “رسالة باشاغا، بقدر ما حملته من مطالبات تبدو سلمية، فقد حملت تهديدا مبطنا للدبيبة، فعندما يتحدث باشاغا عن إبراء الذمة وتنصله من أي نتائج محتملة لأي خطوة يمكن أن يتخذها، أعتقد أنه مستعد الآن بشكل كامل للدخول إلى طرابلس ولو بالقوة”.
ولفت إلى “وجود تحشيدات عسكرية غير مسبوقة لدى الميليشيات الموالية للطرفين (…) والمشهد أصبح يسوء يوما بعد آخر”.
وناشد باشاغا، الأربعاء، مجددا، الدبيبة، بضرورة تسليم السلطة سلميا، بعد يوم من تحذيره أن “من سيرفع السلاح على الحكومة الليبية سيلاحقه القانون ويحاكم”.
وقال باشاغا في خطاب وجهه للدبيبة الذي وصفه برئيس الوزراء السابق، “أناشد فيكم الأخلاق بصدق ودون نفاق وأستحضر فيكم المواطن الصالح الأمين على دماء الليبيين أن تجنحوا للسلم بعزة وشرف”.
ولا يزال باشاغا يصر على استلام السلطة التنفيذية في طرابلس، وسط رفض واضح من الدبيبة ومؤيديه.
وكانت حكومة باشاغا توجهت، ببيان الثلاثاء، إلى من وصفتهم برجال ليبيا الشرفاء تطالبهم بأن يكونوا جنودا للوطن معتبرة أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية “غير شرعية وانتهت مدتها”.
وعبرت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا، الثلاثاء، عن قلقها العميق إزاء ما وصفتها بأنها تعبئة مستمرة للقوات، وتهديدات باستخدام القوة لحل الأزمة السياسية في البلاد.
ما هو البديل؟
وعن البدائل الناجحة بمواجهة الصدام العسكري، قال رميح إن “البديل المنطقي والعقلاني هو أن تقام انتخابات رئاسية وبرلمانية تحت إشراف المفوضية العليا للانتخابات، والمجلس الأعلى للقضاء، وإشراف أممي ودولي وإقليمي ومحلي”.
ووقعت ليبيا في مأزق منذ شهور بعد أن اختار البرلمان، الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له، رئيس وزراء جديد، رغم رفض الدبيبة التنازل عن السلطة، مما أدى إلى مواجهة بين الفصائل المسلحة التي تدعم كل جانب.
وحدثت بالفعل اشتباكات محدودة بين القوات المتناحرة في العاصمة، مما زاد من احتمال اندلاع اشتباكات أوسع، وعودة الحرب بعد عامين من السلام النسبي.
وتم تنصيب الدبيبة العام الماضي من خلال عملية تدعمها الأمم المتحدة لرئاسة حكومة الوحدة الوطنية والإشراف على الانتخابات التي كان من المقرر إجراؤها في ديسمبر الماضي.
وبعد انهيار العملية الانتخابية، مع رفض الفصائل المتناحرة الاتفاق على القواعد، قال البرلمان المتمركز في الشرق، إن ولاية الدبيبة انتهت، وعين فتحي باشاغا لرئاسة الحكومة الجديدة.
لكن الدبيبة وبعض الفصائل الرئيسية في شمال غرب ليبيا رفضوا حق البرلمان في استبداله، وقال إنه لن يستقيل إلا بعد الانتخابات العامة.
مسار الانتخابات
وفي حال فشل الحلول السلمية والذهاب نحو إجراء انتخابات، يرى رميح أن سيناريو المواجهة العسكرية قائم، ويقول إنه “إذا تهور أحد الطرفين، فالحرب ستقوم، وستكون كارثية، وسيدفع الثمن أهل طرابلس الأبرياء”، مشيرا إلى أن المجتمع الدولي والليبيين لا يريدون الحرب.
ولفت رميح إلى أن إمكانية إقامة انتخابات برلمانية ورئاسية في مكانين مختلفين (منطقة باشاغا ومنطقة الدبيبة) قائمة، وقال إن “هذا العرض تبناه السفير الأميركي في ليبيا”.
وفي أواخر يونيو الماضي، قال السفير الأميركي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، إنه قد يتسنى إجراء انتخابات عامة دون شرط حل الأزمة بين الحكومتين المتنافستين، وأن آلية للإشراف على الإنفاق يمكن أن تساعد في الحكم لفترة مؤقتة.
وقال نورلاند في مقابلة مع رويترز إنه “توجد سبل للمضي قدما بعيدا عن وجود حكومة ليبية واحدة في السلطة”.
وأوضح أنه يمكن للفصائل التي هيمنت على أجزاء مختلفة من البلاد أن تقود تلك المناطق بشكل منفصل نحو انتخابات عامة.
وقال: “واقع المشهد السياسي الليبي هو أنه لا يمكن لأي طرف أن ينفرد بالنتيجة. والصيغة الوحيدة التي ستنجح، هي أن تجتمع الأطراف الرئيسية وتتفاوض على حل وسط”.
انسداد سياسي
وبعيدا عن الدعوة إلى إجراء الانتخابات والتفاوض لحل الخلافات، قال مفتاح إن “هناك انسداد سياسي مطلق، ولا يوجد أي أفق يؤشر إلى وجود حل سياسي بين الطرفين، ويترافق ذلك مع تخلي المجتمع الدولي عن ليبيا، خاصة بعد الانسحاب المفاجئ للمبعوثة الأممية ستيفاني وليامز”.
وأضاف: “يبدو أن السيدة ستيفاني قد يئست من التعامل مع الأطراف الليبية (…)”، مشيرا إلى أن الأمور متجهة نحو التصعيد، وكل المعطيات تؤشر إلى المواجهة المسلحة.
وفي أواخر يوليو الماضي، صوت مجلس الأمن الدولي، على تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ولكن بإصرار روسيا لمدة ثلاثة أشهر فقط بدلا من تفويض يستمر عاما.
وامتنع أعضاء المجلس الأفارقة الثلاثة عن التصويت احتجاجا على عرقلة روسيا للتمديد الأطول الذي يقولون إنه ضروري لمساعدة الدولة المنقسمة على الانتقال إلى الانتخابات والاستقرار.
وكرر نائب مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة، ديمتري بوليانسكي، موقف موسكو بأن بعثة الأمم المتحدة يجب أن تحصل على ممثل خاص جديد قبل أن يكون لها تفويض أطول.
وبموافقة 12 من الأعضاء وامتناع غابون وكينيا وغانا عن التصويت، قرر مجلس الأمن الدولي تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل) لمدة ثلاثة أشهر، أي حتى نهاية أكتوبر 2022
الحرة دبي