Site icon اسفير نيوز

كوريا الشمالية تتبنى “الضربة النووية الوقائية”: تصعيد يهدّد سلام آسيا

بعد سنوات وعقود من التجارب الصاروخية النووية، أقرّت كوريا الشمالية، أول من أمس الخميس، قانوناً يخوّلها “تنفيذ ضربة نووية وقائية”، في إعلان رسمي على تحوّلها لدولة نووية ضمن مفهوم عملاني متحرك، لا يقتصر على الردّ على هجوم، بل المبادرة إليه لأغراض دفاعية، وفي إشارة أيضاً على رفعها سقوف التفاوض في المستقبل، سواء بما يتعلق بملفات شبه الجزيرة الكورية والشرق الآسيوي أو في إطار العلاقات الدولية، وخصوصاً مع الولايات المتحدة.

 

ومن شأن خطوة بيونغ يانغ إنهاء مسار طويل من الدبلوماسية العالقة بين العقوبات المفروضة على نظامها وبين الحاجة إلى دمجها في المجتمع الدولي وفق تنازلات محددة، تبدأ بالتخلّي عن برنامجها النووي.

 

ومن المفترض أن تدفع خطوة كوريا الشمالية إلى تمتين موقف حلفائها من جهة، خصوصاً روسيا التي رحّبت بالقانون الجديد، وإلى تشدّد خصومها من جهة أخرى.

 

الضربة الوقائية والضربة الاستباقية

ومفهوم “الضربة الوقائية” مختلف عن “الضربة الاستباقية”، على الرغم من دمج البعض المفهومين. و”الضربة الوقائية” تعني شنّ حرب وقائية لدحض التهديد المحتمل للطرف المستهدف، عندما لا يكون هجوم ذلك الطرف وشيكاً أو معروفاً بالتخطيط له. باختصار، تُشن حرب وقائية تحسباً للعدوان الفوري من قبل طرف آخر.

 

أما “الضربة الاستباقية” فهي حرب تبدأ في محاولة لصد هجوم وشيك أو غزو متوقع، أو لاكتساب ميزة استراتيجية في حرب وشيكة، يُقال إنه لا مفرّ منها.

 

والخطوة عملياً تعني التحوّل من الردِ على هجوم فعلي إلى المبادرة بالهجوم لمنع هجوم محتمل، خصوصاً إذا تمكن المبادرون بالضربة الاستباقية من اكتشاف نيات مبكرة حول هجوم ما ينويه خصمهم.

 

وبالتالي، إذا كانت “الضربة الوقائية” تعتمد على النيات المحتملة لدى الخصم، فإن “الضربة الاستباقية” تتمّ لمباغتة الخصم قبل المبادرة ببدء الحرب.

 

وأمس، ذكرت وسائل الإعلام الرسمية في بيونغ يانغ أن كوريا الشمالية تبنّت، أول من أمس الخميس، قانوناً يخولها تنفيذ “ضربة نووية وقائية”، ويعلن أن وضع البلاد بوصفها قوة نووية هو أمر “لا رجوع فيه”.

 

وينصّ القانون على أنه “إذا كان نظام القيادة والسيطرة للقوة النووية الوطنية في خطر التعرض لهجوم من قوات معادية، فإن الضربة النووية تتم في شكل تلقائي وفوري”.

 

ويحدّد القانون الشروط التي قد تميل فيها كوريا الشمالية إلى استخدام أسلحتها النووية، بما في ذلك عندما تقرر أن قيادتها تواجه هجوماً وشيكاً “نووياً أو غير نووي من قبل قوى معادية”.

 

ويُلزم القانون جيش كوريا الشمالية بتنفيذ ضربات نووية “تلقائياً” ضد قوات العدو، بما في ذلك “نقطة انطلاقها في الاستفزاز والقيادة”. ونقلت الوكالة عن زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ ـ أون قوله إنه بهذا النص الجديد “أصبح وضع بلدنا بوصفه دولة تمتلك السلاح النووي أمراً لا رجوع فيه”.

 

وقال كيم في خطاب ألقاه أمام البرلمان الكوري الشمالي الخميس، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية: “إن التخلي عن الأسلحة النووية غير وارد على الإطلاق بالنسبة إلينا، ولا يمكن أن يكون هناك نزع للسلاح النووي أو تفاوض”.

 

وشدّد على أن بلاده لن تتخلى أبداً عن الأسلحة النووية التي تحتاجها لمواجهة الولايات المتحدة، التي اتهمها بالضغط من أجل إضعاف دفاعات كوريا الشمالية ومن ثم انهيار حكومته في نهاية المطاف.

 

وقال كيم في الخطاب الذي نشرته وكالة الأنباء المركزية الكورية الشمالية الرسمية إن “غرض الولايات المتحدة ليس فقط إزالة قوتنا النووية نفسها، ولكن في النهاية إجبارنا على الاستسلام أو إضعاف حقوقنا في الدفاع عن النفس من خلال التخلي عن أسلحتنا النووية، حتى يتمكنوا من إسقاط حكومتنا في أي وقت”.

 

وأضاف: “دعوهم يعاقبوننا لمدة 100 يوم أو 1000 يوم أو 10 سنوات أو 100 عام، لن نتخلى أبداً عن حقوقنا في الدفاع عن النفس التي تحافظ على وجود بلدنا وسلامة شعبنا فقط من أجل التخفيف المؤقت للصعوبات التي نمر بها الآن”.

 

كما انتقد كيم كوريا الجنوبية بشأن خططها لتوسيع قدراتها الهجومية التقليدية وإحياء التدريبات العسكرية واسعة النطاق مع الولايات المتحدة لمواجهة التهديدات المتزايدة لكوريا الشمالية، ووصفها بأنها عمل عسكري “خطير” يثير التوترات.

 

بدورها، أفادت وكالة “يونهاب” للأنباء الكورية الجنوبية بأن كوريا الشمالية أقامت حدثاً ضخماً للاحتفال بالذكرى السنوية لتأسيس الدولة، فيما اعتبر محاولة لتعزيز الوحدة في أعقاب الفيضانات الغزيرة والانتصار المعلن على فيروس كورونا.

 

ونقلت الوكالة عن وسائل الإعلام الرسمية الكورية الشمالية: “أقيمت الاحتفالات بالذكرى الـ74 لتأسيس كوريا الشمالية بروعة وجلال مساء الخميس عند سفح تل مانسو في بيونغ يانغ، حيث يقف تمثالا كيم إيل-سونغ وكيم جونغ-إيل، الرائدين والزعيمين لقضية بناء دولة اشتراكية”.

 

في موسكو، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أنها “تراقب عن كثب” أي نشاط عسكري في شبه الجزيرة الكورية، في أعقاب الإعلان الكوري الشمالي، مشدّدة على أن هذا الإعلان “هو حق لها”، حسب ما ذكرت وكالة الإعلام الروسية.

 

ونقلت الوكالة عن الوزارة اعتبارها أن “التحركات الأميركية الأخيرة” جعلت من الصعب إقناع كوريا الشمالية بأنه من الممكن ضمان أمنها عبر السبل السياسية لا العسكرية، واتهمت واشنطن بزعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.

 

خطوة متوقعة لبيونغ يانغ

وفي تعليقه على التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية، قال الباحث في الشأن الكوري بجامعة تايبيه الوطنية فيكتور وانغ، في حديث مع “العربي الجديد”، إنها خطوة متوقعة من بيونغ يانغ، التي حذرت في وقت سابق من الأنشطة العسكرية المشتركة بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

 

وأضاف أن الإعلان الجديد يأتي بعد أيام من انطلاق تدريبات عسكرية مشتركة بين سيول وواشنطن في أغسطس/آب الماضي، هي الأكبر بينهما منذ حوالي خمس سنوات.

 

وكانت بيونغ يانغ قد سعت خلال العقود الماضية إلى الاستفادة من محادثات نزع السلاح النووي لتقليص التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، وهو الأمر الذي وافق عليه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، خلال قممه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، في عام 2018.

 

وأضاف فيكتور وانغ أن أحدد أسباب التوجه الكوري الشمالي إلى تبني سياسة تنفيذ ضربات نووية وقائية، هو إعادة تفعيل استراتيجية “سلسلة القتل” الكورية الجنوبية لمواجهة التهديد النووي الكوري الشمالي، بعد إعلان سيول، بعد أن تولى الرئيس الجديد يون سيوك يول منصبه في مايو/أيار الماضي، أنها ستعود إلى استراتيجيتها العسكرية التي مضى عليها عقد من الزمن والتي تتضمن شن ضربات احترازية ضد جارتها الشمالية في حالة استشعار وقوع هجوم عسكري وشيك عليها.

 

وكانت كوريا الجنوبية قد طرحت استراتيجية “سلسلة القتل” لأول مرة في عام 2010، للتعامل مع التهديدات النووية المتزايدة لكوريا الشمالية آنذاك.

 

من جهته، قال محرر الشؤون العسكرية في صحيفة “كانتون” المحلية لياو ليانغ، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن الصين تتابع عن كثب التطورات الأخيرة في شبه الجزيرة الكورية، وسط مخاوف من تؤدي الخطوة الكورية الشمالية إلى سباق تسلح نووي في المنطقة، وعدم استقرار إقليمي.

 

وأضاف أن بكين تتفهم موقف بيونغ يانغ، ولطالما دعت واشنطن إلى أن تأخذ بعين الاعتبار المخاوف الأمنية لكوريا الشمالية التي يمثلها التحالف الثلاثي في المنطقة (الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية) والذي يستهدف في المقام الأول نظام كيم جونغ أون.

 

وعن ردة فعل الصين إزاء أي صدام عسكري أو هجوم نووي محتمل، قال لياو ليانغ إن بكين تدرك أن الخطوة الأخيرة هي مجرد تنصيب علني لقدرات كوريا الشمالية النووية، ومحاولة من بيونغ يانغ للفت انتباه الإدارة الأميركية، المنهمكة في أتون الحرب الروسية الأوكرانية، إلى مدى الخطر الذي تمثله إعادة تفعيل استراتيجية “سلسلة القتل” الكورية الجنوبية على المنطقة.

 

وأضاف أنه في ما يتعلق بالتهديد الكوري الجنوبي، فإن الصين تعلم أن كوريا الجنوبية ليست دولة مسلحة نووياً، على الرغم من أنها تحت حماية الولايات المتحدة، كما أن صواريخها لا يمكن أن تصل إلى البر الرئيسي الصيني، لأن أياً منها لا يتجاوز مداه 800 كيلومتر.

 

قدرات كوريا الجنوبية

ولفت إلى أن الاستراتيجية العسكرية لكوريا الجنوبية تعتمد على قدرات تقليدية، وإن كانت متقدمة، لكنها ليست منطقية لردع قوة نووية. وأشار إلى أن قدرات سيول العسكرية المحدودة، تحديداً في ما يتعلق باستهداف مراكز حيوية عالية القيمة، قد تحول دون انخراط الصين في أي تصعيد محتمل في شبه الجزيرة الكورية.

 

وشدد لياو ليانغ، في نفس الوقت، على أن الرد الصيني يتوقف على حجم التهديد، كما حدث عام 2017، عندما نشرت كوريا الجنوبية نظام “ثاد” الدفاعي، ما دفع بكين آنذاك إلى شن حرب اقتصادية على سيول أدت إلى تكبدها خسائر فادحة، خصوصاً أن الصين هي الشريك التجاري الأكبر لكوريا الجنوبية.

 

كما لفت إلى أن الصين ردت بغضب عندما رفعت الولايات المتحدة القيود المفروضة على نطاقات الصواريخ الكورية الجنوبية العام الماضي.

 

وكانت تقارير قد أفادت بأن سيول تطور صاروخاً يمكنه حمل أكبر رأس حربي تقليدي في العالم يصل وزنه إلى 8 أطنان. ويأتي إعلان كوريا الشمالية وسط توتر العلاقات بين الكوريتين، إذ تتهم بيونغ يانغ سيول بالمسؤولية عن تفشي وباء كورونا على أراضيها وتهدد جارتها بالانتقام.

 

كما رفض الشمال عروضاً من الجنوب تتضمن حزمة مساعدات كبيرة تشمل الغذاء والطاقة ومساعدة لتحديث البنية التحتية، في مقابل نزع السلاح النووي. لكن كوريا الشمالية رفضت العرض ووصفته بأنه “ذروة السخافة”. كما رفض الشمال عودة لقاءات لم شمل للعائلات التي تشتتت بسبب الحرب الكورية (1950 ـ 1953).

 

ولم تكترث بيونغ يانغ بإعلان الرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول، الشهر الماضي، أن حكومته ليست لديها خطط للتزود بقوة ردع نووي.

 

وبعيداً عن شبه الجزيرة الكورية، تصبّ خطوة كوريا الشمالية في سياق التصعيد العالمي، بدءاً من ارتفاع احتمال الحرب بين الصين وتايوان، والتي زخّمتها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي في الكونغرس نانسي بيلوسي، يومي 2 و3 أغسطس الماضي.

 

وتلى الزيارة قيام بكين بأكبر مناورات لها حول الجزيرة، فضلاً عن إعلان واشنطن عن صفقة أسلحة جديدة بقيمة 1.1 مليار دولار مع تايبيه، تشمل 60 صاروخاً من طراز “هاربون” قادراً على إغراق سفن حربية (قيمتها 355 مليون دولار)، و100 صاروخ قصير المدى من طراز “سايد ويندر” (قيمتها 85.6 مليون دولار) قادر على اعتراض صواريخ أو طائرات من دون طيار، وعقد صيانة لنظام الرادارت التايواني بقيمة 665 مليوناً، حسب ما أوضحت وزارة الخارجية الأميركية في 3 سبتمبر/أيلول الحالي.

 

ويُمكن تصنيف الإعلان الكوري الشمالي أيضاً في إطار الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في 24 فبراير/شباط الماضي، ولا يبدو أن نهايتها قريبة، في ظلّ ترجيح الجيش الأوكراني استمرارها إلى ما بعد نهاية العام الحالي، فضلاً عن نجاحه في تحرير مناطق عدة في جنوب البلاد وشرقها في الأيام الأخيرة.

 

(العربي الجديد، رويترز، أسوشييتد برس، فرانس برس)

Exit mobile version