Site icon اسفير نيوز

تسديد ديون مصر.. المشهد الحالي وسيناريوهات التحرك

تعالت أصوات مخاوف وتحذيرات من عدم تمكن مصر من تسديد أكثر من 26 مليار دولار كديون حتى نهاية المقبل، في ظل أزمة اقتصادية تمر بها البلاد وطول مدة التفاوض مع صندوق النقد للحصول على قرض جديد، مع انخفاض في الاحتياطي النقدي الأجنبي.

ونشرت صحيفة “البورصة” في مصر، نهاية الشهر الماضي، الجدول الكامل لسداد الديون الخارجية لمصر حتى عام 2038، أظهر، على سبيل المثال، أنه يتعين على مصر سداد 8.57 مليار دولار خلال النصف الثاني من العام الحالي. وفي 2023، يجب سداد 9.33 مليار دولار في النصف الأول من هذا النوع من الديون، و8.32 مليار دولار في النصف الثاني، وفي 2024، يجب سداد 10.9 مليار دولار في النصف الأول و13.3 مليار دولار في النصف الثاني من العام.

وقال الخبير الاقتصادي وأستاذ التمويل، مستشار وزير التموين والتجارة في مصر، مدحت نافع، في حديثه مع موقع “الحرة”، إن الدولة نفسها لم تصرح بالتزاماتها الخارجية فيما يتعلق بالسنة المقبلة، لكن تقريرا من “بنك أوف أميركا” حدد أن هناك فجوة تمويلية خارجية لمصر تبلغ 60 مليار دولار بالنسبة لعام 2022-2023، بما فيها أقساط الديون الخارجية، التي تبلغ نحو نصف هذا الرقم.

وأوضح أن الفجوة التمويلية تعني احتياجات مصر من الدولار لتغطية فجوة الاستيراد من السلع والخدمات، وهو ما يسمى ميزان الحسابات الجارية من المعاملات الجارية والمدفوعات، فضلا عن أقساط الديون.

ويعزو الخبير الاقتصادي المصرفي، طارق إسماعيل، في حديثه مع موقع “الحرة”، مخاوف الناس من الديون لأنهم ينظرون إلى رقم الدين كرقم مجرد، ويقارنون بين الديون أيام الرئيس الراحل محمد حسني مبارك، التي كانت أقل من 35 مليار دولار، وبينها حاليا بعدما بلغت نحو 157 مليار دولار، وهذه النظرة خاطئة”.

لكن العبرة بعدد من المؤشرات، منها مقارنة الدين بحجم الناتج المحلي ومقارنته بالدول الأخرى، بحسب إسماعيل.

وأشارت تقديرات وكالة “موديز”  إلى أن حجم الدين المصري كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، قد يصل إلى 93.5 في المئة خلال السنة المالية 2022.

ويقول إسماعيل: “لو نظرنا إلى دول عديدة أخرى، سنرى أنها تتجاوز هذه النسبة، 93 في المئة، بل إنها في بعض الدول تتجاوز 150 في المئة، بالإضافة إلى أن هذا الرقم ليس كله واجب السداد اليوم، بل أغلبها قروض طويلة الأجل تصل إلى 20 و30 عاما”.

وأدت المخاوف بشأن مستويات ديون مصر إلى انخفاض بعض سنداتها إلى أقل من نصف قيمتها الاسمية في يوليو،  رغم ارتفاعها نوعا ما الشهر الماضي، مع تحسن الإقبال العالمي على الأصول ذات المخاطر العالية، لكنها عاودت الانخفاض بعد استقالة محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، في ظل شكاوى عديدة من إدارته للأزمة.

“قرارات خاطئة”

ويقول إسماعيل، “تم اتخاذ الكثير من القرارات الخاطئة في عهد عامر، لكن الحكومة تحاول إصلاحها حاليا”.

على سبيل المثال، بحسب إسماعيل، حاول عامر تخفيض الطلب على العملة بقرار خاطئ، مما أثر على حركة الصناعة في الداخل وأوقفها في كثير من الأحيان، لأن الشركات لم تستطع توفير العملة الأجنبية كاملة قبل استيراد المواد الخام، بل أدى قراره إلى العكس وزاد الطلب على العملة الأجنبية”.

وتراجعت مصر عن قرار “فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد”، والعودة إلى النظام القديم من خلال مستندات التحصيل، بعد شكاوى من التجار والمستوردين والمصنعين، “وهو ما قد يكون قد تسبب في وجود قوائم انتظار في الجمارك، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على الدولار في الفترة الأخيرة”، بحسب نافع.

ويرى نافع أن هذا القرار كان يهدف إلى إحلال محلي بدلا من الواردات، “لكن كان يجب دراسة فجوة الطلب في السوق، وكيف سيتم التعامل مع هذه الفجوة، لأنه ليس كل ما نستورده نستطيع أن نستغني عنه، هذا عودة للمدرسة القديمة التي ظلت تعمل بها مصر حتى الثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت هناك الكثير من السلع الممنوع استيرادها من الخارج”.

“المشكلة الحقيقية”

مشكلة مصر الحقيقية التي تواجهها حاليا، بحسب إسماعيل، هو انخفاض مصادر العملة الأجنبية، “خاصة بعد خروج الأموال الساخنة كلها تقريبا من صناديق الاستثمارات بعد أزمة كورونا، وبعد رفع البنك المركزي الأميركي الفائدة”.

وتأثر الاقتصاد المصري بخروج رؤوس الأموال الأجنبية، وتباطؤ معدلات الاستثمار في القطاع الخاص وارتفاع فائدة الاقتراض السيادي.

وأضاف إسماعيل موضحا: “أنا كمستثمر هل سأترك سوقا مغريا مثل الولايات المتحدة وسآتي إلى مصر؟ هذا غير ممكن بالنسبة لمن يريدون أرباحا سريعة”.

وكان وزير المالية المصري، محمد معيط، قال في يونيو الماضي، إن الحكومة لن تعتمد في تمويل ميزانيتها في المستقبل على الأموال الساخنة، مضيفا أن نحو 15 مليار دولار غادرت مصر أثناء أزمة الأسواق الناشئة في 2018، وما يقرب من 20 مليار دولار غادرت البلاد عند تفشي جائحة كوفيد-19 في 2020.

وقال لرويترز نهاية الشهر الماضي، إن الاعتماد سيكون على تنمية الأنشطة الاقتصادية، لاسيما الزراعة والصناعة والتصدير، لكن إذا جاءت الأموال الساخنة “فأهلا وسهلا بها”.

ومع عدم انتظار رؤوس أموال ساخنة ستأتي من الخارج في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية والحرب الروسية على أوكرانيا، بحسب إسماعيل “تسعى الحكومة المصرية إلى معالجة الأزمة من ناحيتين، هما خفض الطلب على الدولار وزيادة الموارد”.

ويقول نافع لموقع “الحرة” إن مصر لديها مصادر دولارية مستقرة، أهمها تحويلات العاملين في الخارج التي بلغت ما يقرب من 32 مليار دولار سنويا، فضلا عن إيرادات قناة السويس وكذلك قطاع السياحة، فضلا عن أن القاهرة تحاول حاليا جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية حتى تغطي احتمالية الفجوات الموجودة في التمويل”.

“بيع أصول حكومية”

ويقول إسماعيل إن “من ناحية توفير بعض الموارد، تعمل الحكومة على عدد من المسارات منها تشجيع المصريين العاملين في الخارج لزيادة التحويلات بالعملة الصعبة، وبيع بعض الأصول الحكومية”.

وقال: “مؤخرا على سبيل المثال، هناك أخبار عن زيادة رأس مال في شركة مصر للألومنيوم بـ200 مليون دولار من خلال صندوق استثمار عربي، وهناك أنباء حاليا عن أن قطر ستشتري نسبة من حصة شركة فودافون المملوكة للمصرية للاتصالات”.

وأعلنت شركة مصر للألومنيوم، الأحد، سعيها لطرح 65 في المئة من قيمة زيادة رأس مالها 200 مليون دولار”، لصالح أحد الصناديق السيادية العربية، بهدف تطوير الشركة والحفاظ على طاقتها الإنتاجية الحالية، وفقا لإفصاح من البورصة المصرية.

كما استحوذت الشركة السعودية المصرية للاستثمار، وهي شركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، على حصص في أربع شركات مصرية مقابل 1.3 مليار دولار الشهر الماضي.

كما استحوذت شركات إماراتية حكومية على حصص في شركات وبنوك مصرية كبرى، خلال الفترة القليلة الماضية.

وأضاف إسماعيل أن “هناك أنباء حاليا عن أن البنك المركزي قد يتجه إلى أن يدخل الروبل الروسي كإحدى العملات التي يتم التعامل بها في البنك المركزي، حتى الآن هذا غير معمول به وليس هناك بيان رسمي صدر بهذا الأمر، لكنه لو صدر فسيكون الهدف خفض الضغط على الدولار وسيكون الأمر مؤقتا حتى تمر الأزمة بسلام”.

وتعكف مصر حاليا على خفض فاتورة وارداتها، مع السعي في نفس الوقت لرفع صادراتها لزيادة مواردها من العملة الصعبة.

وفي هذا الإطار، قال رئيس الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وليد جمال الدين، نهاية الشهر الماضي، إن الهيئة تستهدف خلال الفترة المقبلة “توطين” 15 من القطاعات التي تعتمد مصر فيها عادة على الاستيراد.

مصير سريلانكا

وتوقع تقرير سابق لصحيفة “فاينينشال تايمز”، مواجهة عدة دول نامية لمصير يشبه لما حدث في سريلانكا بسبب “المشكلات الاقتصادية والديون المتراكمة”، وبين تلك الدول مصر.

وتحدث التقرير عن أن تلك الدول “مثقلة بالديون وتجد نفسها مضطرة للاختيار بين الدفع للدائنين أو توفير الغذاء والوقود لشعوبها”.

ولأول مرة منذ عام 2013، خفضت وكالة “موديز” لخدمات المستثمرين نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى سلبية، محذرة من أن “البلاد لا تزال معرضة للخطر”.

ويقول نافع: “نعم تغيرت النظرة الاقتصادية، وهذا منطقي باعتبار أن التصنيفات الائتمانية في معظم الدول تغيرت بسبب الأزمة الاقتصادية الناتجة عن وباء كورونا والحرب في أوكرانيا، لكن ليس هناك شيء واضح يقول إن هناك بوادر تعثر في سداد الديون”.

ولا يعتقد إسماعيل أن الوضع في مصر سيصل إلى ما وصلت إليه سريلانكا، “في تصوري أن مصر ستعمل على عدة سيناريوهات هي خفض الطلب على العملة الصعبة، وزيادة الموارد الدولارية من خلال الحصول على قروض جديدة، وبيع أصول حكومية، والبحث عن دعم من الأشقاء العرب خاصة، وإعادة جدولة سداد الديون”.

ويشير إسماعيل إلى أنه “عندما تم تغيير وزير السياحة الشهر الماضي، تم اختيار رجل اقتصادي، ليتعامل مع الملف كاقتصاد ومحاولة لزيادة مساهمة السياحة في إجمالي الناتج المحلي الإجمالي بما يتوافق مع المقومات السياحية المذهلة التي تمتلكها مصر”.

وتولى أحمد عيسى منصب وزير السياحة والآثار، خلفا لخالد العناني، حيث تولى الأول منصب الرئيس التنفيذي لقطاع التجزئة المصرفية في البنك التجاري الدولي منذ 2016.

“إعادة جدولة سداد الديون”

وأضاف إسماعيل أنه “سيكون هناك سعي حثيث من أجل إعادة جولة سداد الديون على اعتبار أن العالم كله وليس مصر فقط يمر بأزمة اقتصادية خانقة بسبب توابع جائحة كورونا والحرب المستمرة على أوكرانيا”.

ويقول نافع إن “إعادة الجدولة أمر ممكن جدا، لأن هيكل الدين في مصر لا يثير مخاوف جدية كبيرة، على اعتبار أنه لا تزال النسبة الأكبر فيه طويلة الأجل، ومعظمها من مؤسسات تمويل وليس بنوك تجارية، والأولى تكون مرنة أكثر في مسائل مثل إعادة الجدولة”.

وبحسب صحيفة “البورصة” فإن عام 2026، سيشهد سداد وديعة سعودية بقيمة 5.3 مليار دولار، وخلال السنوات من 2022 وحتى 2026 ستدفع مصر فوائد عليها بقيمة 1.28 مليار دولار، فيما تسدد مصر وديعة الإمارات على شرائح صغيرة كان من المفترض أن تبدأ بـ667 مليون دولار في النصف الأول من 2022، ونحو 664 مليون دولار في النصف الثاني منه، وفي 2023، يتعين سداد 1.667 مليار دولار، وفي 2024 مليار دولار وفي 2025 نحو 333 مليون دولار وفي 2026 نحو 1.333 مليون دولار.

لكن إسماعيل يرى أن “العرب سيكونوا أول المستجيبين لإعادة جدولة الديون”.

وتضررت مصر، التي تعد أحد أكبر مستوردي القمح في العالم، بشدة من جراء ارتفاع أسعار النفط والسلع، وانخفاض أعداد السائحين القادمين من روسيا وأوكرانيا، مما أدى إلى زيادة الضغط على البلاد ودفعها لطلب مساعدة صندوق النقد الدولي.

وأعلن صندوق النقد الدولي في مارس أن مصر طلبت برنامج دعم ماليا جديدا، لكنه قال في يوليو إن الدولة بحاجة لإحراز “تقدم حاسم” في الإصلاحات المالية والهيكلية.

وكانت مصر حصلت سابقا على قرض قيمته 12 مليار دولار من الصندوق بموجب اتفاق تم توقيعه نهاية 2016، وقرضين آخرين في 2020 بقيمة 5.4 مليار دولار لتطبيق برنامج اقتصادي، و2.8 مليار دولار لمواجهة وباء كوفيد-19.

وكتبت شركة “كابيتال ايكونوميكس” للأبحاث في لندن في تقرير، الشهر الماضي، أن “طول أمد المحادثات مع صندوق النقد يدل على أن بعض المسؤولين يترددون في متابعة مطالبه ويفضلون الاعتماد على الدعم المقدم من اقتصادات الخليج الغنية بالنفط”.

وذكرت بلومبيرغ إن مصر تسعى لجمع 41 مليار دولار لسداد عجز الحساب الجاري والديون المستحقة بنهاية 2023.

كما حصلت مصر على تمويل من دول الخليج، حيث تعهدت السعودية والإمارات وقطر بأكثر من 22 مليار دولار من الودائع والاستثمارات في اقتصاد البلاد المتعثر.

ووفقا للحكومة المصرية فقد تأثر الاقتصاد المصري بفعل تداعيات الحرب على أوكرانيا، إذ تستورد مصر أكثر من 42 في المئة من الحبوب التي تحتاجها من روسيا وأوكرانيا، كما ان 31 في المئة من القطاع السياحي المصري يعتمد على مواطني الدولتين.

ويقول إسماعيل إن “هناك أنباء عن أن الرئيس المصري سيزور الدوحة قريبا، وهو ما سيكون له تأثير إيجابي كبير على الاقتصاد المصري ودخول استثمارات قطرية أكثر

Exit mobile version