¤ كتب ياسر عرمان امس مقالا مطولا موسوما ب
(اتفاق جوبا .. مأزق الانقلاب والتطبيق والرفض الجماهيري، اوجه الشبه والاختلاف مع اتفاق سلام دولة كولمبيا).. لفت نظري ثلاثة نقاط مهمة الاولى صب جام غضبه على رفاقه بالحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا وقال انها تحالفت مع المركز القديم ضد – ما اسماها – بالثورة.. مذكر قادتها بمعاني الديمقراطية والنضال.. والثانية مقارنة بين اتفاقية جوبا، وسلام نيفاشا مع تجديد مناداته بالسودان الجديد والثالثة استدعائه لسلام الفرقاء في كولمبيا
¤ اعتقدت ان ياسر الذي سيحتفل الشهر المقبل بذكرى ميلاده ال (61) متعه الله بالصحة والعافية دخل او في مرحلة مراجعات لتجربته الكبيرة – اتفقنا او اختلفنا حولها – في العمل السياسي في مرحلتي الحرب والسلم .. لكنه لا يزال مصرا على تصحيح كراسة الاخرين متحاشيا التدقيق في دفاتره.
¤ لم تقف بعض الحركات الى جانب المنظومة العسكرية الا بعد ان تسبب ياسر نفسه في المفاصلة بينها وقحت.. هو مهندس الاعلان السياسي (اتفاق قاعة الصداقة).. وماكانت المؤسسة العسكرية لتجرؤ على فض الشراكة مع قحت واطاحة قادتها ورئيس الوزراء لو لم تعلن تلك الحركات ميلاد (التوافق الوطني).. الذي توجته باعتصام القصر.
¤ المحفز الاخر لانحياز الحركات للمنظومة العسكرية، ليقينها انها الضامن الوحيد لانفاذ الاتفاق.. ويعلم عرمان سعي تيارات داخل قحت لاجهاض الاتفاق ولاحقا اطلاق الدعوة لالغائه.. وحسنا ان وقف هو ضد تلك الدعوة في مقالته وإن طالب بمراجعته.. وربما دافعه لذلك ان تذكرة دخوله المسرح السياسي جاءت من نافذة جوبا.
¤ اما بشان عبارة السودان الجديد التي تجري على لسان وقلم عرمان.. فان ذلك المشروع قبر مع صاحبه جون قرنق.. والذي لم يكن جادا في تنفيذ الشعارات التي رفعها.. لم تكن الحركة الشعبية ديمقراطية داخل اجهزتها .. ولم تخضع مؤسساتها للانتخابات.. قد يسارع عرمان للقول ان الحركة كانت تناضل.. ونقول ان حركة حماس ظلت تقاتل في اسرائيل وتنتخب مؤسساتها.. وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية.
¤ ولم تراع الحركة الشعبية في تركيبتها التنوع.. كان وجود عرمان في داخلها ترميز تضليلي وهامشي.. لم يختاره قرنق ، او واحدا من الراحلين منصور خالد ،داؤود بولاد او حتى عبد العزيز الحلو نائبا له.. حتى العدالة لم تجد مكانا في الحركة التي لا يزال عرمان يتمسك باسمها في كل فصيل جديد متشظي منها.
¤ تمرد ابناء النوير والشلك على قرنق رفضا لهيمنة الدينكا.. وتكرر السيناريو حتى بعد الانفصال بصراع (سلفاكير/مشار) الذي اطفأ نيرانه المشير البشير.. كما لاحظت كثيرا ان عرمان يشبه قرنق بالامام محمد احمد المهدي.. وهو تشبيه ليس في محله.. وفيه انتقاص للمهدي.
¤ وحد المهدي السودانيين.. بينما مشروع قرنق فرق الجنوبيين دعك من توحيد كل اهل السودان.. والمهدي الذي ينحدر من الشمال جاء بعبد الله التعايشي من دارفور نائبا.. بينما قرنق ابن دينكا بور اختار ميارديت ابن دينكا قوقريال.. ويعلم عرمان لماذا فعل قرنق ذلك.
¤ كل الكبار مصابون بعقدة (الانداد).. لا احد يرغب في منافسين.. حتى الشيخ الراحل حسن الترابي اعظم الساسة السودانيين لم يسلم من ذلك الداء.. جاء بالشاب علي عثمان ، ليقطع الطريق امام الشيوخ امثال الراحل يس عمر الامام وعلى الحاج وغيرهم.
¤ وفي مقارنته بين اتفاقيتي جوبا ونيفاشا.. كتب عرمان : (ان القوميين الجنوبيين لايهتمون بالتحول الديمقراطي قدر اهتمامهم بحق تقرير المصير وتواطؤ المؤتمر الوطني الذي كان الحفاظ على مركز السلطة في الخرطوم بالنسبة له اكثر اهمية من وحدة السودان).
¤ بالطبع حديث عرمان غير صحيح البتة.. اتفاقية نيفاشا صممت على الانفصال.. والامثلة كثيرة ، وجوب خروج القوات المسلحة من الجنوب .. (عاوزين جيشنا برانا في الجنوب والقرار لنا وحدنا في الجنوب).. وافتعال ازمة ابيي.
¤ كذلك تركيز نيفاشا على الجنوب وقليل منها للمنطقتين واغفال تام لدارفور وبقية السودان.. وحسنا تناولت اتفاقية جوبا كل المناطق فيما عرف بالمسارات التي للمفارقة يعارضها عرمان.. وبالمناسبة ان جون قرنق غير مؤتمن في تحالفاته ولم يكن يحمل مشروع كل اهل السودان .. ولذلك غدر بالتجمع الوطني وذهب لتوقيع اتفاق ثنائي مع الحكومة.
¤ كان المؤتمر الوطني حريصا على الوحدة بعكس قرنق وجماعته.. حينما اقترح نائب الرئيس على عثمان فترة انتقالية عشر سنوات.. كانت حجته ان معالجة الجراحات منذ تمرد 1955 يحتاج سنوات طويلة.
¤ بينما كان قرنق متعطشا للانفصال بالاصرار على عامين فقط.. كان دافعه لذلك السيطرة على البترول، لأن نحو 70% من بترول السودان كان ينتج في الجنوب.. جمع الوسطاء سنوات الطرفين وتمت قسمتها النصف .. فكانت الفترة الانتقالية ستة سنوات.
¤ ثم ان قوى غربية استعجلت اتفاق السلام نفسه.. لانها كانت ترى ثراء الخرطوم جراء تدفق البترول حتى ان الدولار كان يعادل جنيهين فقط .. وكان بالامكان تحديد الدولار بواحد جنية.. لكن الاقتصاديين رأوا ضرورة المحافظة على الميزة التنافسية للبضائع السودانية في الاسواق العالمية حتى لا تكون غالية.
¤ وكذلك توفر السلاح للخرطوم وكادت ان تسحق قرنق.. لولا وقوع احداث 11 سبتمبر 2001 التي جنى قرنق ثمارها.. رفعت واشنطن العصا وارعبت الانقاذ وكل العالم.. وتم ضغط الخرطوم في زمن قاتل.. فكان اتفاق ميشاكوس في 2002.
¤ وكان قرنق قد ضلل، الغرب الاوربي والامريكي بزعم انهم مسيحيين مضطهدين.. لذلك اوفدت الولايات المتحدة القس/ جون دانفورث للمفاوضات.. ويعلم عرمان ان السودان ليس فيه اصطهاد ديني.. بدليل ان الشريعة الاسلامية لم تكن مطبقة في الولايات الجنوبية.. وان الخرطوم استقبلت، البابا يوحنا بولس الثاني ايام الانقاذ.. وبهذة المناسبة أسال عرمان كيف كان سيحكم قرنق بلد اكثر من 80% من مواطنيه مسلمين ؟.
¤ وحتى لا يصرخ عرمان لذلك ندعو (لوطن بلا تمييز) فان الاسلاميين في دستور 1998 (التوالي) لم يشترطوا ديانة بعينها لمرشح الرئاسة.. ومع ذلك يظل تساؤلنا قائما.
¤ قد يكون قرنق وانصاره ذهلوا او خدعوا – سيان- بضخامة الاستقبال الذي حظى به عند قدومه.. وكان وراء ذلك عاملين، الاول ان السودانيين (مع الجديد).. ودونكم الاحتفاء بمناوي في 2006 وبحمدوك الذي غادر غير ماسوفا عليه.. قرنق لم يتم تجريبه وامتحانه لينجح او يفشل.
¤ حشد المؤتمر الوطني انصاره، مودعا رسالتين في بريدي المجتمع الدولي (اثبات جديته في انفاذ الاتفاق) ، ومناهضو الاتفاق (تاكيد ان الغالبية مؤيدة ما انجز في نيفاشا).. تمنيت ان يكون عرمان امينا مع نفسه بان لا يحمل المؤتمر الوطني وزر الانفصال.
*سبب اخير*
نتناول غدا باذن الله مقارنة عرمان المخلة لاتفاق سلام جوبا باتفاقية السلام في كولمبيا .. وكيف اضاع عرمان على نفسه فرصة ان يكون رئيسا للبلاد.