بعد أن تقزمت الإرادة الوطنية وشح الزاد فكرا ومادة أصبحنا كسودانيين نقتات من موائد الآخرين الفكرية ونحاول هضمها في معدة متقرحة لا يمكن أن تهضم البتة غير الذي لها من حصاد ثمار عقول وأيادي وطنية خالصة .
إن العمق الفكري وصميم الميل الذهني للمجموعات التي تتبني الصراع وخطابات الكراهية السائدة في السودان اليوم وغدا فيما أراه وفقا لمنظوري الخاص هو أنها تتكئ علي مشاريع هوياتية إما قومية عروبية أو عموم أفريقانية وكلاهما مشروعان عنصريان بغيضان إذا ما ماحاولنا إسقاطهما علي بيئات المجتمع السوداني المتعددة والمتنوعة والمتصاهرة والمتداخلة من جهة أخري.
فلا القومية العربية في مهدها وفي أوج اعتداد أهلها بها أثمرت خيرا وأحدثت طفرة بل أزمت أوضاع شعوبها وتمزقت وفشلت حتي تلك النسخ التي صدروها لدول وشعوب أخري كبلادنا علي الرغم من محاولات من تبنوها خلق تمظهرات جديدة لها ولكنها كسابقاتها كسيحة الرؤي لأنها اعتمدت العرق كمنصة إنطلاقة فبانت غريبة وأي محاولة لنسخها كما هي حيث ولدت وطبقت وأنجبت من قادة فيه سذاجة وربما جهل بطبيعة المشروع وماأفرزه وسط شعوب جرب في بيئاتها الإجتماعية والسياسية والثقافية.
فالمشروعان لأنهما غريبان في بنيتهما النظرية والتطبيقية عن واقع المجتمع السوداني ويستندان علي خطاب اثني عنصري كريه والنظر من خلالهما لمستقبل السودان مظلم تماما وانشطاري دموي في نهاياته لأن وحدة الوجدان بين مكونات المجتمع هشة لاترقي أن تكون عاصما لوحدة يتم بها تجاوز سوء المآلات المحتملة .
ياتري هل صعد القادة العروبيون بشعوبهم إلي القمر وامتلكوا النووي وعالجوا قضايا التباين والتنوع وتجنبوا الصراعات وبلغوا مصاف الدول المتقدمة في التنمية والعمران؟ أم هل نجا القادة الأفروعموميون بشعوبهم وبلدانهم من أتون الفقر والجوع والأمراض ونمت بمعزل عمن استهدفت الفكرة وجودهم؟
صحيح إن الدعوات إلي الإنفصال لا تزال ناعمة وخجولة تارة من الحلو وتارة من عمسيبي النهر والبحر وتارة من بعض ناشطي دارفور إلا أن السودان الآن أكثر قابلية لإنشقاقات متعددة أكثر من أي وقت مضي بعد أن أصبح الخواجه ضيفا خفيفا علي كل ملفات السودانيين الإجتماعية والسياسية دون أي حرج .
وخطورة هذه الدعوات في أنها تتمدد وتتكاثر يوما بعد يوم من خلال خطابات كراهية يغذي بعضها الآخر وبدأ مناصروها يزدادون وأخشي في ظل التردي الأمني والإقتصادي وتبادل خطابات الكراهية والصراع السياسي الحاد أن يحبذ ضيقي الأفق في كل جانب الاستقرار المجهول والمأمول بعد الانفصال علي المصير المشترك ووحدة لم نعمل لها مخلصين.
أيها السودانيون إن التاريخ الذي تتغذي منه خطابات الكراهية التي تتداولونها اليوم لم تكتبوا فيه حرفا واحدا إنما نقله لكم الأجنبي صاحب الأجندة المشبوهة ومانقل لكم شفاهة بواسطة أجداد غلبت عليهم أنا القبيلة وتحيزاتها فإنه مشكوك فيه .
يجب أن تعلموا أننا في واقع زماني وحضاري جديد يجب أن نصيغ فيه معادلة قائمة علي المشتركات الماثلة وتعزيزها بالقدر الذي يمكننا من بناء مستقبل واعد ومستقر لأجيال آتية لا ذنب لها فيما اقترفت أيادينا من فشل وتخلف .
أري أن المطلوبات العاجلة قبل تأخر وتعقيد الظروف الزمانيةوالاجتماعية وتمدد أيادي الخارج أكثر مما هي متمددة ومنداحة تتمثل في تواضع كل القوي السياسية واستشعار مسؤولياتها والجلوس حول طاولة واحدة و التوافق الوطني السريع حول مشروع وطني سوداني خالص يراعي التعدد والتنوع في الاعراق والمعتقدات نوجد من خلاله أرضية صالحة للتعايش السلمي بين جميع المكونات يعلي فيه من شأن الوطن لا العرق ولا اللون ولا الجهة مشروع سوداني يشبه واقعنا الإجتماعي والثقافي .