اسفير نيوز
شهدت الأيام الأخيرة زخماً في السودان بقرب التوصل إلى تسوية سياسية بين الجيش وقوى تحالف الحرية والتغيير – المجلس المركزي، والتي شاركت في السلطة الانتقالية عبر حكومتي حمدوك الأولى والثانية والشراكة في مجلس السيادة، وتعتبر أهم منابر القوى السياسية التي شاركت في ثورة (30) ديسمبر.
ويعود هذا الزخم إلى مبادرة طرحتها اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانية، في شكل دستور انتقالي، يلبي مطالب القوى الثورية، وينحّي العسكريين عن إدارة شؤون البلاد، بما فيها ترؤس الدولة والقيادة العليا للقوات المسلحة، ويفرض إجراء إصلاحات هيكلية في الجيش. وهي مطالب دأب المدنيون على طرحها، لكنها لا تلقى قبولاً من الجيش، الذي يدرك افتقاد كل القوى السياسية خلال الفترة الانتقالية إلى التفويض الشعبي لتناول مثل هذه القضايا الكبيرة، فضلاً عن عدم ثقته بها.
الحل السياسي للحرية والتغيير
وعقب ورشة سياسية لمدة أسبوع بمشاركة قوى سياسية في نقابة المحامين، أعلنت اللجنة التيسيرية للنقابة عن مشروع الدستور الانتقالي، في (11) أيلول (سبتمبر) الماضي. وجاء في (12) باباً و(76) مادة، تتحدّث عن طبيعة الدولة، وسيادة القانون، وحكم القانون، ووثيقة الحقوق والحريات الأساسية، ومهام الفترة الانتقالية، وهياكل السلطة الانتقالية، تكوينها، واختصاصاتها، والفصل بين السلطات، والمفوضيات المستقلة، ونظام الحكم الفيدرالي.
وأعطت المبادرة القوى الموقعة على مشروع الدستور الحق في تشكيل مؤسسات الحكم الانتقالي، بما فيها مجلس السيادة والحكومة والمجلس التشريعي، والأخير الذي أسندت إليه الوظيفة التشريعية كاملةً سيتم تشكيله بناء على المحاصصة.
حليمة البشير: ضرورة توسيع دائرة المشاركة السياسية
وحظي مشروع الدستور الانتقالي بترحيب دولي وأممي كبير، وتأييد من أحزاب من معسكر الثورة منها الحرية والتغيير – المجلس المركزي، ورفضته أحزاب سياسية بعضها من قوى الثورة والإسلاميين ومبادرة نداء أهل السودان، بجانب قوى سلام جوبا، التي رفضت المشروع باعتباره ينص على مراجعة سلام جوبا.
وفي حين رحب نائب رئيس مجلس السيادة، قائد الدعم السريع، الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي) بمشروع الدستور، لم يصدر موقف رسمي عن رئيس المجلس، القائد العام، عبد الفتاح البرهان. وفيما يبدو رداً غير مباشر من البرهان، صرح مستشاره الإعلامي، الطاهر أبو هاجة أنّهم “ملتزمون بأنّ حكومة ما تبقى من الفترة الانتقالية حكومة كفاءات لا تخضع للمحاصصة السياسية ومتوافق عليها من كل السودانيين” وأكد على ألا مجال لحكم الفترة الانتقالية “بوضع اليد، والفهلوة السياسية، فالقوات المسلحة مسؤولة بنص قانونها ودستور البلاد عن حماية أمن واستقرار هذا البلد”.
قوى الانتقال الديمقراطي التي شاركت في التوقيع على مشروع الدستور الانتقالي فحقها من السلطة هو التشاور معها في تشكيل الحكومة الانتقالية فقط بحسب رؤية الحرية والتغيير السياسية
وبالتزامن مع ذلك، رعت الآلية الثلاثية التي تضم؛ البعثة الأممية، والاتحاد الأفريقي، وهيئة الإيقاد، مفاوضات غير مباشرة بين الجيش وتحالف الحرية والتغيير – المجلس المركزي، وهو الأمر الذي جلب انتقادات واسعة على التحالف، خصوصاً من القوى الثورية الأشد جذرية، مثل لجان المقاومة والحزب الشيوعي وحزب البعث الاشتراكي.
ودفع ذلك تحالف الحرية والتغيير إلى توضيح موقفه، بإعلان رفض أي تسوية مع المكون العسكري، والدعوة إلى المظاهرات التي شهدتها البلاد في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، وغيرها من الفعاليات. وسبق ذلك، إعلان التحالف عن رؤية سياسية بتاريخ 17 من الشهر الجاري، بعنوان “رؤية الحرية والتغيير حول أسس ومبادئ الحل السياسي المفضي إلى إنهاء الانقلاب”.
فضلاً عن ذلك، لم تشارك الحركات المسلحة غير الموقعة على سلام دارفور في التوقيع على مشروع الدستور، كما أنّه لن يلقى قبولاً من الإدارات الأهلية للبجا في شرق البلاد.
وتقول نائبة الأمين العام لحزب الأمة القومي، حليمة البشير: “الرؤية المقدمة من تحالف الحرية والتغيير قامت فكرتها على توسيع دائرة المشاركة السياسية، حتى يتسنى لنا بناء أكبر كتلة مدنية، ولذلك جاءت المشاركة في ثلاث مراحل، أولها قوى الثورة الحية وهي؛ الأحزاب السياسية الداعية للتحول المدني الديمقراطي ولجان المقاومة وأجسام مدنية وقعت على إعلان الحرية والتغيير ولم تُمثّل فيه، وقوى بما فيها الطرق الصوفية والكيانات الدينية والمبادرات الداعمة للتحول الديمقراطي”.
محمد ود الفول: ستتشكل السلطة التنفيذية من تكنوقراط
وأضافت لـ”حفريات”: “المرحلة الثانية، القوى الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، وهنا الرؤية تشمل نداء السودان وتطوير عملية السلام حتى تكون كاملة وشاملة، تخاطب جذور الأزمة السودانية من من خلال مراجعة الاتفاق بموافقة الأطراف بالتوافق، وحتى يستكمل السلام برؤية قومية بتوقيع عبد الواحد والحلو”.
والمرحلة الثالثة تشمل “شركاء في هذا الوطن يتم التشاور معهم، وهم الحزب الاتحادي الأصل والمؤتمر الشعبي وأنصار السنة، ولذلك الجميع مشارك في وضع الدستور الانتقالي، وهذه هي الرؤية والأساس التي تمكن الجميع من دعم التحول المدني الديمقراطي، وصولاً لانتخابات حرة ونزيهة”.
وكانت رؤية الحرية والتغيير نصت على: “قوى الثورة المناهضة لانقلاب 25 أكتوبر ويكون لها حق اختيار رئيس الوزراء ورأس الدولة (مجلس السيادة)، وتشمل الحرية والتغيير والقوى السياسية وحركات الكفاح المسلح ولجان المقاومة وتجمع المهنيين والأجسام النقابية والمجتمع المدني الديمقراطي”.
أما قوى الانتقال الديمقراطي التي شاركت في التوقيع على مشروع الدستور الانتقالي فحقها من السلطة هو التشاور معها في تشكيل الحكومة الانتقالية فقط، فضلاً عن تبني مشروع الدستور الانتقالي، وهو ما يعني استلام الحرية والتغيير السلطة عملياً بشراكة بسيطة مع الكفاح المسلح، الذين دعموا إجراءات 25 أكتوبر رفضاً لهيمنة المجلس المركزي للحرية والتغيير على السلطة”.
مواقف سياسية
ومن جانبه، قال الناشط السياسي السوداني، محمد عبد الله ود الفول: “حتى الآن العسكر على التزامهم بتسليم السلطة للمدنيين، وليس الحرية والتغيير. وحال توقيع اتفاق ستكون الحرية والتغيير جزءاً من الحكومة والبرلمان، بينما ستتشكل السلطة التنفيذية من تكنوقراط، لا علاقة لهم بالأحزاب السياسية”.
وأضاف لـ”حفريات”: القوى التي ستشارك في المعادلة القادمة هى التى ستوقع على مشروع الدستور الانتقالي الذي تقدم به المحامون السودانيون، وتؤكد التزامها بدعم أهداف الثورة السودانية”.
د. محمد تورشين: التسوية السياسية أمر بعيد
ويرى الأكاديمي والمحلل السياسي، محمد تورشين، أنّ الحديث عن تسليم السلطة لقوى الحرية والتغيير منفردة أمر مستبعد. وأضاف أنّ “العسكريين منذ الوهلة الأولى يتحدثون بشكل مختلف، عبر ضرورة إجماع القوى الثورية التي صنعت الثورة وهذا أمر مستبعد؛ باعتبار الحرية والتغيير منقسمة بشأن الدستور الانتقالي، بعد رفض قوى اتفاق جوبا والحركات التي لم توقع على الاتفاق للمشروع، والمطالبة بحوار حقيقي يفرز وثيقة دستورية تعالج قضايا السودان بشكل جذري”.
وأكد الأكاديمي السوداني، أنّ “الجيش لن يسلم السلطة للحرية والتغيير؛ باعتبار أنّ الفاعلين على الأرض وهم لجان المقاومة لن يكفوا عن الاحتجاج”. وأشار إلى وجود انقسام داخل الحرية والتغيير – المجلس المركزي نفسه حول المفاوضات مع الجيش.
السياسية السودانية حليمة البشير لـ”حفريات”: الحرية والتغيير لديها قضايا أساسية لا يمكن التنازل عنها، وهي تمثل مطالب الشعب السوداني، وتتمثل في إنهاء الانقلاب
وأفاد بأنّ القوى السياسية لن تقبل بأن يتسلم الحرية والتغيير – المجلس المركزي السلطة منفرداً، وقال: “الفاعلون ممثلون في لجان المقاومة وغيرها يرفضون الاتفاق”. وتوقع الأكاديمي السوداني أنّ “أي اتفاق سيكون مدخلاً لمزيد من الاحتجاجات والمظاهرات، وبالتالي تترجم ذلك قوى الحرية والتغيير بالتمسك برفض أي تسوية جزئية، سواء من قبل الأحزاب الراغبة في التسوية مثل حزب الأمة وحزب المؤتمر السوداني، أو الرافضة مثل حزب البعث”.
وشدد على أنّ “التسوية السياسية أمر بعيد، ما لم تحدث تدخلات وتجبر الأطراف الفاعلة للتوقيع، لكنّ المؤشرات تؤكد أنّ هذه التسوية التي طرحت كمبادرة تسببت في تعقيد المشهد وزيادة الخلافات”.
المربع صفر
وأكدت نائبة الأمين العام لحزب الأمة القومي، حليمة البشير، أنّ “الحرية والتغيير لديها قضايا أساسية لا يمكن التنازل عنها، وهي تمثل مطالب الشعب السوداني، وتتمثل في إنهاء الإنقلاب وخروج المؤسسة العسكرية من السياسية وتأسيس سلطة مدنية كاملة وتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق الشعب السوداني، بجانب إصلاح المؤسسات العسكرية ودمج الجيوش المتعددة في جيش قومي موحد”.
وشددت على أنّ هذه “القضايا أساسية لا يمكن التنازل عنها، ولن يكون هنالك حل سياسي دون الاستجابة إليها كاملةً مهما كانت منصة التفاوض، فهي قضايا يجب إنفاذها كاملةً للموافقة على أي عملية سياسية”.
وأشارت إلى أنّ الآلية الثلاثية رحبت بالرؤية المقدمة من الحرية والتغيير، ورحبت بنتائج النقاشات غير الرسمية بين العسكريين وقوى الحرية والتغيير، واعتبرتها خطوة متقدمة باتجاه حلحلة الأزمة الراهنة، وهي أيضاً لم تكن بعيدة عن هذه النقاشات باعتبار أنّ الآلية الثلاثية والرباعية الدولية هما المسهلان لتلك النقاشات بين الطرفين.
ومن جانبه، قال عضو حزب الأمة السوداني، محمد عصام المشرف: “لن يستطيع العسكر تسليم السلطة لتحالف الحرية والتغيير، فهذا يعني إعادة إحياء الشراكة، وهو وضع لا يمكن الرجوع إليه”. وأضاف أنّ أي اتجاه لشراكة ومحاصصات سيكون “نهاية ثانية لقحت”، وأكد أنّه “غير مقبول من مجموع السودانيين وسيكون هناك اصطفاف ضده، وهو لا يخدم عملية الانتقال الديمقراطي بل سيعقد المشهد المضطرب أصلاً”.
محمد المشرف: لم تعد الآلية الثلاثية ذات مصداقية
وحول دور الآلية الثلاثية، قال السياسي السوداني لـ”حفريات”، لم تعد الآلية ذات مصداقية، بعد فضيحة تزوير المبعوث فولكر”. وفي السياق نفسه، أوضح أنّ “الحركات المسلحة همها المناصب، لا تحقيق السلام، وموقعها في التحول الديمقراطي يبدأ بتحولها من ميليشيات قبلية إلى منظومات مدنية”.
وأفاد بأنّ “الشباب طموحة لسودان أفضل، لكنهم يفتقدون الطريق. ويحتاج السودان إلى اتفاق سياسي بين القوى المدنية لاستكمال الانتقال الديمقراطي، وصولاً للتحول الديمقراطي قبل أي اتفاق مع العسكريين، وإلا سنكون نعيد تجريب المجرب”. واتهم السياسي السوداني، التدخل الدولي بعرقلة الانتقال الديمقراطي.
ويعيش السودان أزمة سياسية منذ أطاح الجيش بقوى الحرية والتغيير من السلطة، وألغى الشراكة مع الحرية والتغيير في الوثيقة الانتقالية، وأقال حكومة حمدوك الثانية، وذلك ضمن ما اعتبره الجيش إجراءات تصحيحية في (25) تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بينما اعتبرته قوى الثورة انقلاباً.
حفريات