اسفير نيوز
تقرير: محمد جمال قندول
أثار تطواف السفير الامريكي جون غودفري بشرق البلاد حفيظة قوى سياسية ومدنية ازاء تحرك الرجل دون تقيد بالاعراف الدبلوماسية، مما يطرح حزمة تساؤلات عن مغزى وجوده هنالك ولقاءاته بقيادات اهلية ومجتمعية بالقضارف وكسلا، مع زيارة اخرى مرتقبة لولاية الجزيرة.
وامس الاول حملت وسائل الاعلام تفاصيل جولات المسؤول الدبلوماسي الذي لم يمض على تقلده مهامه بالخرطوم سوى شهرين، بانها تأتي في اطار تبشيره بالتسوية المرتقبة بين المكون العسكري والمجلس المركزي وقوى سياسية اخرى، وتحييد لقيادات الاقليم على غرار الناظر ترك وآخرين كان لهم دور في انهيار الشراكة الاولى.
وفي ظل انسداد الافق السياسي وحالة العبث التي ضربت مرافق الدولة في ظل فراغ دستوري دام عاماً، كانت واضحة تحركات بعض السفراء بشكل أثار ومازال جدلاً واسعاً حول دوافع تحركاتهم التي اندرجت جميعها في الاطار السياسي بمقابلة النخب السياسية ورموز الادارات الاهلية والمجتمعية بشكل علني في ظل حالة صمت حكومي.
ماذا قال السفير الأمريكي لقيادات الشرق؟
ووصل السفير الامريكي جون غودفري لولاية كسلا صباح (الاحد) الماضي، حيث التقى القيادات الاهلية وناظر الهدندوة محمد الامين ترك، كما التقى ناظر عموم قبائل البني عامر علي ابراهيم دقلل وقيادات اهلية ومجتمعية وشبابية باحدى قاعات الولاية، بجانب مقابلته زعيم السجادة الختمية بكسلا عبد الله الحسن الميرغني، ثم غادر كسلا الى القضارف.
وكشف القيادي بشرق السودان والخبير القانوني د. عبد الله درف الذي كان ضمن وفد البني عامر تفاصيل لقائهم مع السفير الامريكي، وقال لــ (الانتباهة) ان جون غودفري تلقى تنويراً عن اسباب الاقتتال القبلي الذي حدث بكسلا خلال السنوات الثلاث الاخيرة، حيث كان سببه انتشار خطاب الكراهية والاقصاء ورفض الآخر، واضاف درف أن سفير الولايات المتحدة لم يعر اي اهتمام لما ذكرناه، وركز على ضرورة الانتقال الديمقراطي وتشكيل حكومة مدنية، لأن ذلك سيتيح للسودان كثيراً من المساعدات التي حجبت جراء عدم وجود حكومة مدنية.
ويواصل درف في افاداته ويقول ان جون غودفري اشار في معرض حديثه عن التحول الديمقراطي الى ان هنالك مخاوف من البعض على حد تعبيره من ان الانتخابات ستعيد الاسلاميين مرة أخرى، واردف محدثي قائلاً: (عقبت على هذه العبارة وقلت له إن حجة تأجيل الانتخابات لأنها ستأتي الاسلاميين مسألة خطيرة وتتعارض مع المواثيق الدولية التي تمنع التمييز على الاساس الفكري او السياسي، كما انني أشرت له بأن الاسلاميين سودانيين ويحق لهم عرض افكارهم ورؤاهم على الشعب السوداني، واذا عادوا بانتخابات نزيهة فهذا خيار الشعب السوداني ويجب احترامه, وفي ما يتعلق بالوضع السياسي أكدنا له اننا مع وحدة السودان وضد اي مشروع يسعى لتفتيت البلاد، ونحن مع وفاق شامل لا يقصي احداً، وانتهى الاجتماع على هذا الامر).
ويرى محدثي د. عبد الله ان زيارات السفير تأتي بشكل مباشر بالتبشير وتسويق التسوية المرتقبة، معتبراً أن ذلك تدخلاً في الشوؤن الخاصة بالسودان بشكل مباشر وغير مقبول.
تحرك السفارات
وفي ذات السياق رفضت قيادات الإدارات الأهلية بشرق السودان في بيان من نظار وشيوخ وعمد، طرح السفير الإمريكي وتسويقه مشروع التسوية والحكم العلماني المدني في السودان، وجاء ذلك خلال زيارته ولقائه أهل الشرق الذين أوضحوا رؤيتهم نحو توصيف المشروع المطروح لحكم البلاد، معتبرين أنه اورد البلاد الهلاك زهاء ثلاث سنوات ماضية، وخلف حالة من الصراع والإقصاء وهدم قيماً مجتمعية لامست الاخلاق والدين، كما أكدوا أنهم ضد التدخل الأجنبي في شؤون البلاد.
ويذهب الخبير والمحلل السياسي الكباشي البكري الى ان سلوك السفير الامريكي جون غودفري يتنافى مع الاعراف الدبلوماسية ويستبيح السيادة الوطنية بتحركاته في ولايات شرق السودان كسلا والقضارف والجزيرة، واصفا تدخلات سفير واشنطون السافرة في الشؤون الداخلية بأنها خرق للأعراف الدبلوماسية والقوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة المعتمدة.
ويشير البكري الى حالة العبث السياسي الذي افرز سمة مخجلة بالتدخلات الاجنبية في شؤون البلاد الداخلية، حيث اضحى الملف السوداني من شواغل جهات اجنبية واقليمية في سبيل مصالح تخصها، بجانب تحرك السفارات بالبلاد حيث امتد نشاطها للعلن، الامر الذي استباح هيبة الدولة. ودعا الخبير والمحلل السياسي الى ضرورة وقف هذا العبث بتدخل واضح من وزارة الخارجية واستدعاء السفراء الذين يخرجون عن التقييد الدبلوماسي الموضوع من الدولة.
ولكن للسفير علي يوسف رأي مختلف عن سابقه، حيث قال لـ (الانتباهة) انه ووفقاً للاتفاقيات المبرمة للعلاقات الدبلوماسية بين الدول، فإن سلامة البعثات الدبلوماسية مسؤولية الدولة المضيفة، الامر الذي يعني أن تحركات السفراء تكون بمعرفة السلطات المضيفة، ويسترسل يوسف قائلاً: (بما ان السفير الامريكي يزور شرق السودان فإن ذلك لا يتم الا بإذن وموافقة السلطات المختصة، مما يعني انها راضية عن هذه التحركات، مع الاشارة الى ان الولايات المتحدة الامريكية مكون اساسي للآلية الرباعية التي تتبنى التسوية او الاتفاق بين المكونين العسكري والمدني).
استياء عام
وهناك حالة من الاستياء الشعبي العام جراء تداول المنصات صور عدد من السفراء وهم يطوفون في الولايات، بجانب اللقاءات التي تجمع الدبلوماسيين بقيادات الادارات الاهلية والطرق الصوفية.
وتمددت مساحات التحرك الاقليمية والدولية في البلاد بشكل بائن عقب اجراءات الخامس والعشرين من اكتوبر من العام الماضي، حينما أقدم قائد عام الجيش على فض الشراكة مع المكون المدني وتجميد بعض مواد الوثيقة الدستورية، الامر الذي ترتبت عليه ازمة سياسية فاقمت مشكلات البلاد في نواحٍ عديدة، وهو ما نتج عنه تشكيل آلية ثلاثية ضمت مبعوثي الامم المتحدة والاتحاد الافريقي والايقاد، غير انه وعلى مدار اشهر طويلة فشلت الجهود الدولية في احداث اختراق في الازمة. وبعد استلام السفير الامريكي الجديد جون غودفري مهامه بالخرطوم تشكلت آلية رباعية ضمت سفراء المملكة العربية السعودية والامارات وبريطانيا وواشنطون لقيادة حوار بين فرقاء الازمة، وتواترت تسريبات عن وصول مساعيهم لتسوية مرتقبة، غير ان الاتفاق السياسي الجديد تطلب تسويقاً واخراجاً، وهو ما جعل السفير الامريكي يغادر الخرطوم صوب الشرق، كما سيزور الجزيرة وسط انباء عن زيارة سفير النرويج لكردفان لذات السبب، فيما انخرطت الآلية الثلاثية في لقاءات مع القوى السياسية المختلفة لالحاقهم بالتسوية المحتملة.
مطالب مشروعة
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي خالد الإعيسر علق بدوره على معرض الطرح، وقال لـ (الانتباهة): (إن وجود السفراء في شرق البلاد وغربها أو في أية رقعة جغرافية سودانية خارج إطار التنسيق مع الدولة والسلطات المعنية في وزارة الخارجية، يشي بتدخلات في الشأن الوطني ويعد خروجاً كبيراً عن الأعراف الدبلوماسية وعدم احترام للسيادة الوطنية)، مشيراً إلى أن الوضع الماثل يعكس أن السفراء يسرحون ويمرحون في البلاد طولاً وعرضاً، غير مكترثين لهيبة واستقلالية الدولة، وهذا الأمر يتطلب حسماً صارماً من السلطات في الخرطوم، حتى لا تصبح البلاد لقمة سائغة وسهلة البلع لمن يريدون تمرير أجندتهم، في ظل هذه الهشاشة والسيولة والفوضى الضاربة بأطنابها أربعة أعوام على أرض السودان البلد الحر المستقل.
تحركات مشروعة
وبدورها وصفت القيادية بالمجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير عبلة كرار هجوم البعض على تحركات السفير الامريكي بالغريب، خاصة ان الرجل سفير لدولة مهمة وجاء للبلاد بعد فترة طويلة جداً وبعد انقطاع دام عشرات السنوات من العزلة عن المجتمع الدولي نتيجة لسياسات النظام المباد، وان جون غودفري يحق له التحرك الى مكان ومقابلة كل الفاعلين السياسيين والتباحث مع كل الاطراف الموجودة، وأضافت قائلة: (مسألة الارتهان والركون للعمالة ادعاءات يروج لها النظام البائد بالتأكيد، وقطعاً هي ليست عمالة ولكنها علاقات دبلوماسية طبيعية).
وتابعت عبلة قائلة: (ان شرق السودان من الاقاليم المهمة وعانى من توترات اثناء فترة الانتقال)، مشيرة الى ان الحراك الكبير للاقليم ساهم بشكل او بآخر في اجهاض الانتقال بقطع الطريق القومي واغلاق الميناء، معترفة بوجود حراك سياسي ومطالب مشروعة وقضايا عادلة، ولكنها عادت وقالت ان من قاموا باغلاق الطريق يعبرون عن رؤية سياسية لديها ارتباط باجندة الانقلاب، وان السفير الامريكي عندما اتجه لشرق البلاد كان ذلك لهذه الاسباب وليس من أجل التسوية، وانما للاطلاع على المطالب المشروعة والقضايا الحقيقية لفهم اكثر وأعمق لهذه القضايا.
استدعاء الخارجية
ورغم تحرك عدد من السفراء في اطار العملية السياسية بالبلاد، غير ان سفير واشنطون يثير جدلاً واسعاً، حيث انه فور تقلده مهامه التقى أسر الشهداء وانخرط في عدد من اللقاءات السياسية، كما انه زار ولاية شمال دارفور، واطلق تصريحات مثيرة للجدل حينما حذر الحكومة السودانية من مغبة انشاء قاعدة روسية، تلك التصريحات التي استفزت موسكو التي لم تمهلها (24) ساعة وردت ببيان ناري جعل من الخرطوم ساحة للنزاع الدولي بين امريكا وروسيا. ونتيجة لتلك التصريحات استدعت الخارجية الرجل.
واستدعاؤءه خلف تساؤلات حول مدى نجاح الدبلوماسي الامريكي في مهمته بالخرطوم، في ظل انباء وتسريبات بأنه غير راغب في الاستمرار، وان هناك اتجاهاً من واشنطون لنقله قريباً.
وتمارس بدورها وزارة الخارجية صمتاً مبهماً جراء التصريحات التي تصدر عن بعض السفراء في قضايا داخلية، فضلاً عن عدم تعليقها على اللقاءات المتعددة لدبلوماسيي دول عربية واوربية مع قيادات مجتمعية وسياسية.
وصمت الدولة في حد ذاته كان مادة للتداول في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت رافداً اساسياً لتشكيل الرأي العام، فصور السفير الامريكي بأحد مقاهي كسلا جعلت التعليقات الساخرة تنساب اكثر من الموضوعية منها على شاكلة (البلد في السهلة) و (البلد راحت في حق الله) و (هيبة الدولة ضائعة) وغيرها.
الانتباهة