اسفير نيوز
تقرير: محمد جمال قندول
على مر التاريخ السياسي الحديث خاصة في منعطفات الانتقالات السياسية يتموضع جهاز الأمن في دائرة جدلية التصفية والهيكلة، ففي انتفاضة أبريل 1985م اختار السياسيون خيار الحل واعتقال عناصره، وهناك مقالات وكتب ومساجلات يحفظها الأرشيف والمكتبات شاهدة على قرار الحل.
وظل جهاز الامن والمخابرات الوطني واحداً من محاور الصراع السياسي الدائر بالسودان منذ تغيير نظام البشير، لذلك كان احد اكثر الاجهزة الرسمية التي شهدت تغييرات على مستوى الادارة العليا، واصبح ضمن نقاط النقاش حول قضايا الحل السياسي والبحث المستمر عن الاجابة عن السؤال المحوري لمن تتبع المؤسسة الامنية؟.. هل لرئيس الوزراء ام للمجلس السيادي؟
وخلال السنوات الثلاث الماضية شهدت القيادة العليا للجهاز عدداً من التغييرات، حيث كان اول مدير لها الفريق اول ابو بكر دمبلاب بعد ان تحول لمسمى جديد (جهاز المخابرات العامة)، وتنحصر مهامه بحسب ما ورد بالوثيقة الدستورية في جمع وتحليل المعلومات، ثم خلفه الفريق اول جمال عبد المجيد.. والاثنان لم يمكثا طويلاً في رئاسة الجهاز ليخلفهما الفريق اول احمد ابراهيم مفضل، وبرز حينها ضمن الضباط الذين تدرجوا في عدد من الادارات والوحدات بالجهاز، ومازالت شخصية الاخيرة غير معروفة للكثيرين. وفي هذه المساحة آثرنا ان نسلط الضوء على بعض جوانب من شخصية الرجل الذي يدير المؤسسة الامنية في ظل ظروف بالغة التعقيد سياسياً وامنياً واقتصادياً.
الوثيقة الدستورية
في الانتقال الجاري طالبت قوى الحرية والتغيير بوضع جهاز الأمن ضمن أولويات ومهام الانتقال ما بين نداءات الحل والهيكلة، الأمر الذي حسم بإعادة هيكلته وتقليص مهامه وحبسه في نطاق جمع وتحليل المعلومات، وخلال الفترة الانتقالية تعاقب على رئاسته ثلاثة مديرين وهيئة قيادة، ويبدو أن جهاز المخابرات العامة أول مؤسسات الدولة السودانية استجابة للانتقال والعمل بالوثيقة الدستورية، حتى بدا لا يثير جدلاً في منعطفات الانتقال الحرجة.
وفي نوفمبر 2021م تولى الفريق أول أحمد إبراهيم مفضل رئاسة جهاز المخابرات العامة بعد ان كان يشغل منصب نائب المدير العام في حقبة رئاسة الفريق اول جمال عبد المجيد، وهو من مواليد الستينيات بولاية جنوب دارفور منطقة عد الفرسان، حيث درس جميع مراحله في تلك المنطقة حتى جلس لامتحان الشهادة السودانية عام 1980م.
وجود الفريق أول مفضل في كابينة قيادة الجهاز نائباً ومديراً إعاد الثقة لجهاز المخابرات من حيث مساهمته في حكومة د. حمدوك وتحدياتها، حيث اشاد رئيس الوزراء في اجتماع مجلسه باكاديمية الأمن العليا وكذلك في تنويره لضباط الجهاز والثناء على دور الجهاز في الحوار السوداني الامريكي واسناد الدبلوماسية السودانية.
وافلحت قيادة الفريق أول مفضل في وضع الجهاز ليلعب دوراً احترافياً ومهنياً في دعم الفترة الانتقالية ومعالجة التهديدات الداخلية والخارجية وفقاً للتفويض الدستوري وقرارات قيادة الحكومة السيادية والتنفيذية، كما نشط الجهاز في تفكيك الخلايا الإرهابية ومكافحة الأنشطة التخريبية مثل تهريب البشر، المخدرات والجريمة العابرة.
التدخلات الخارجية
عمل الفريق مفضل في ظل أجندة انتقال بالغة التعقيد، ويرى مراقبون أن السيولة الأمنية وتجدد الصراعات القبلية والجهوية إضافة الى التدخلات الخارجية وتهديد بقاء الدولة السودانية نفسها، يتطلب دعماً سياسياً من القوى السياسية والمدنية واعادة الثقة في احترافية الجهاز وقيامه بمهام الأمن القومي.
وشغل الجنرال احمد ابراهيم مفضل عدة مناصب ابرزها منصب مدير هيئة المخابرات الخارجية في جهاز الأمن والمخابرات الوطني، كما شغل في السابق منصب والي ولاية جنوب كردفان.
وفي رئاسة الجنرال مفضل شارك الجهاز في دعم المشروعات الصحية والتنموية والرياضية بداية من إسناد جهود إغاثة المتأثرين بالسيول والفيضانات، ودعم المستشفيات وتسخير إمكانات الجهاز لمجابهة الحميات والطوارئ الصحية.
ويرى محللون أمنيون أن فترة الفريق مفضل شهدت انتقال الجهاز الى داعم للحريات وحقوق الإنسان من خلال التدريب الاحترافي الداعم لاجندة الانتقال السياسي، وتنظر هذه الجهود في تقارير المؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، حيث ارتبطت هذه الملفات بتنميط الجهاز كمؤسسة قمعية حسب رؤية بعض المكونات السياسية ومنظمات المجتمع المدني الحقوقية في فترات سابقة.
وبالمقابل فإن الخبير السياسي الكباشي البكري يرى أن أجهزة المخابرات هي الصندوق الأسود لأسرار الدولة السودانية والأمين القائم على كل ما يمس السيادة الوطنية، بل ان قاعدة البيانات والمعلومات والاستراتيجيات التي هي رهينة هذا الجهاز تمثل حصيلة قومية يجب على الانظمة المتعاقبة بمختلف أوجه هذا التعاقب والاستخلاف الحفاظ عليها كثروة قومية لجهاز عريق ومهم في مسار تعاملات وتحولات الدولة السودانية.
واشار محدثي الى ان وضع هذا المرفق المهم في مضمار التشاكس وتصفية الحسابات الشخصية الضيقة مهدد للسيادة الوطنية بصورة مباشرة، مستشهداً بتجارب لدول من حولنا، وزاد قائلاً: (فاتورة تحجيم ادوار هذا الجهاز باهظة، وستدفع قيمتها كينونة الدولة السودانية في ظل أوضاع أمنية شديدة الهشاشة وانشطة متعددة ووتيرة متسارعة لكثير من الأحداث والتحولات والمتغيرات التي تتطلب ان تكون هذه المؤسسة في كامل عافيتها وعنفوانها وعينها المستيقظة)، مضيفاً ان مدير الجهاز يقود الجهاز في ظل ظروف استثنائية صعبة تجعل المؤسسة العسكرية مجابهة بتحديات عديدة.
وبعد أيام يكمل مفضل عامه الاول مديراً لجهاز المخابرات، حيث انقضى عام استطاع الرجل فيه أن يعبر بالمؤسسة الامنية من موجات الهجوم الممنهج الى منطقة هادئة، ولكن في انتظاره الكثير من التحديات في قادم المواعيد.