اسفير نيوز
الأناضول: ينظر العالم العربي برؤى مختلفة ومتباينة إلى السودان الزاخر بالموارد الطبيعية التي من شأنها أن تسدّ الفجوة الغذائية المتفاقمة. ومنذ سنوات طويلة لا تَمِلّ الحكومات السودانية المتعاقبة من تكرار الدعوات للمستثمرين العرب والأجانب للتوجّه للاستثمار في القطاع الزراعي، لتحقيق الأمن الغذائي العربي الذي تقدّر فجوته بنحو 35 مليار دولار حسب آخر إحصائيات متوافرة تعود لعام 2020. غير أن الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعاني منها السودان، تجعل من الاستثمار مهمة صعبة وقاسية على المستثمرين في بلد غير مستقر على الصعيدين.
فعلى الرغم من امتلاك السودان مقومات زراعية هي الأكبر في المنطقة العربية بواقع 175 مليون فدّان (4200 متر مربع) صالحة للزراعة، إلا أن المساحات المستغلة منها في القطاع لا تتعدى نسبتها الـ45 في المئة، وغالبيتها تُزرع بوسائل بدائية. وفي الوقت نفسه، يجد مزارعو السودان أنفسهم محاطين بعدد من المشكلات الرئيسية التي تحدّ من ارتفاع الإنتاج الزراعي. فمع تعاقب المواسم الزراعية (العروة الصيفية، العروة الشتوية)، تتجدد معوّقات الإنتاج الزراعي بالبلاد، والتي تشمل ارتفاع وتذبذب تكلفة الإنتاج الزراعي بسبب عدم استقرار قيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية.
ولهذا السبب يعاني السودان منذ سنوات من أزمات متجددة تتمثل في شُحّ الخبز والطحين والوقود وغاز الطهي، فضلاً عن تداعيات الإجراءات الاقتصادية التي طبقتها الحكومة بالتعاون مع «صندوق النقد الدولي» العام الماضي، بما فيها رفع الدعم عن المحروقات وتحرير العملة الوطنية.
يقول عمر محمد الحاج، المدير العام لشركة «تالا» الزراعية والذي يستثمر في شمال السودان، أن مشاكل القطاع الزراعي تتطابق في كلّ المواسم الزراعية وتعود ني نهاية الأمر إلى النقص المزمن في إيرادات الدولة الذي يؤثر بدوره على القطاع بشكل مباشر. ويضيف في حديث للأناضول «أهم الصعوبات التي تواجه الموسم الشتوي هو عدم مقدرة الدولة مالياً للصرف على البُنية الأساسية للزراعة التي تتمثل في تطهير قنوات الري وصيانة المضخّات والتحضير المبكر لاستيراد البذور والتقاوي (الشتلات النباتية) والأسمدة».
وأشار إلى أن «الأسمدة والتقاوي التي لا تصل في مواعيدها، بالإضافة لعدم تمويل المزارعين في التحضيرات وعدم توفير الحاصدات وأكياس المحصول، تفاقم مشكلات القطاع بصورة كبيرة».
ويتفق مع هذا الرأي منصور عبد الرازق، المزارع في ولاية الجزيرة وسط السودان، وقول أن هناك قصور كبير للجهود الحكومية لدعم القطاع الزراعي والمزارعين الوطنيين. ويبدي عبد الرازق استغرابه من مناداة الحكومة بصورة دورية للاستثمار في القطاع «المنهار»، على حدّ وصفه. ويضيف «هل من المنطقي أن يأتي المستثمر ليخسر أمواله ويذهب إلى قطاع لا تتوفر له أدنى مقوّمات البنى التحتية؟».
كما تلقي الأوضاع السياسية المتقلبة والمتوترة بثقلها على القطاع الزراعي في السودان.
ويقول عبد الرازق، «ألقت الأوضاع السياسية بظلال سلبية على الزراعة، في ظل توقف المنح والمعونات الدولية عقب استيلاء العسكر على السلطة، وتوقف الدول المانحة والداعمة للحكومة الانتقالية السابقة عن مواصلة تقديم الدعم المالي السودان، بسبب النقلاب. أما المزارع إدريس آدم من ولاية غرب دارفور، فيرى أن «مشاكل الموسم الشتوي تتلخص في ارتفاع تكلفة التمويل المصرفي للزراعة». وكشف آدم في حديثه عن تدنّي نسبة التمويل المخصص للزراعة مقارنة بالنسب الممنوحة للقطاعات الأخرى. وأعاب على «دولة تمتلك مثل هذه المقومات الزراعية التي لا تتوفر في الدول الأخرى، عدم تمكنها من استغلال هذه الموارد بسبب سوء إدارتها».
وأشار إلى أن «الدولة تمنح المستثمرين في القطاع الزراعي تسهيلات تضنّ (تبخل) بها على المزارعين، مما يسبّب حالة حنق واستياء في أوساطهم».
وطالب آدم بجلوس الدولة مع المزارعين لحلّ الإشكاليات حتى يستطيع السودان تحقيق مبادرة الأمن الغذائي العربي التي دعت إليها القمة العربية بالجزائر في فبراير/شباط الماضي.