اسفير نيوز
تقرير: محمد جمال قندول
يبدو انه من الصعوبة بمكان تحديد كيف يفكر رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان وماذا سيفعل حيال الازمة التي لم تفلح معها لا جهود وطنية ولا تحركات اقليمية ولا مساعي دولية في نزع فتيلها، فالجنرال اعاد خلط اوراق اللعبة السياسية مجدداً بتصريحاته على مدار ثلاثة ايام بولاية نهر النيل، بدأت بالخميس حينما اشترط تنفيذ الاطاري بدمج الدعم السريع والحركات المسلحة، كما لم تسلم قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي من راجمات (الجنرال) الذي مدد التساؤلات حول استمرار العملية السياسية الجارية بين العسكريين والمدنيين برمتها، فضلاً عن السيناريوهات المرتقبة حال فشل (الاطاري) وتفاقم الازمات المعيشية.
مراقبون لاحاديث البرهان طيلة الايام الثلاثة الماضية اجمعوا على ان مشهداً ما يتخلق، وأن هناك رسائل يود الرجل نقلها للداخل وتطمينات، بجانب رسائل للخارج الاقليمي والدولي، فيما لا يتوقع آخرون حدوث اية مفاجآت جراء احاديث الجنرال.
(1)
وللمرة الثالثة على التوالي في ثلاثة ايام أطل رئيس مجلس السيادة الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان أمس (السبت) متحدثاً من منطقة الكتياب بولاية نهر أمام حشد جماهيري بانهم لا يأتمرون لأحد الا بأمرة الشعب السوداني، مشيراً الى انهم قبلوا الاتفاق الاطاري لانه يعالج مشكلات على غرار اتفاق جوبا. وقال: (ليس لدينا حزب ولا نوالي أحداً ونأتمر بإمرة الشعب السوداني)، مضيفاً ان الاتفاق الإطاري إذا وجد الوطنيين يمكن ان يضعهم في الطريق الصحيح، واردف قائلاً: (نعمل على جمع أكبر كتلة حول الاتفاق الإطاري حتى لا تتكرر التجربة السابقة(. واضاف مخاطباً الحشود قائلاً: (عدونا الوحيد هو من يعادي شعب السودان، ولن ننجر إلى مواجهة مع حزب أو فئة أو مجموعة)، وقال انهم يدعمون أي حزب وطني يدعو إلى الوحدة والتداول السلمي للسلطة.
والمتابع لرسائل الفريق اول عبد الفتاح يلتمس ان آخر ثلاثة خطاباته تتطابق في مرتكزين، الاول ان الرجل على عكس ما يشيع بعض المراقبين بانه قد يطوي صفحة الاطاري الا انه يبرز تمسكه به، ولكن وفق شروط مسبقة يبدو انها كانت في الغرف المغلقة وبدأ رئيس مجلس السيادة في اخراجها، وهناك جزئية اخرى مهمة وهي تحذيراته للاحزاب بالابتعاد عن الجيش، وان القوات المسلحة تقف على مسافة واحدة من كل القوى السياسية، وان كانت هنالك ملاحظة اخرى تساءل كثيرون حولها، وهي اتخاذ الجنرال نهر النيل منصة لاطلاق رسائله وعدم انفتاحه على كل ولايات السودان .
(2)
ولتفكيك رسائل الجنرال خلال ظهوره الاخير، يذهب السفير العبيد المروح الى ان البرهان عبر حديثه الاخير بمنطقة الكتياب، اكد تمسكه بالاتفاق الاطاري باعتباره قد حدد القضايا التي ينبغي ان تكون محل البحث والاتفاق بين مختلف القوى السياسية. وتابع محدثي قائلاً ان الجنرال اكد ان الجيش ليس في خصومة مع احد، لا مع القوى السياسية ولا مع غيرها. وفي هذا يمكن الاشارة الى ما راج من حديث عن توتر العلاقة بين الجيش والدعم السريع، كما انه جدد التاكيد على حرص القوات المسلحة على توسيع القاعدة السياسية بالاتفاق الاطاري، بحيث يضمن مشاركة اكبر عدد ممكن من القوى الداعمة للانتقال. ويعتقد العبيد مروح ان فرص نجاح الاطاري مازالت قائمة، خاصة ان البرهان ظل في كل أحاديثه يشير الى تمسكه به كحل للازمة .
ويرى مراقبون ان البرهان اختصر مخاطباته الجماهيرية في ثلاث فئات، الاولى القوات المسلحة وروافدها، والثانية الخلاوى والحفظة، والاخيرة البرامج الاجتماعية المتعلقة بالزواج الجماعي، وهي الفعاليات التي لا تحمل الصبغة السياسية، وبالتالي مقصودة بان يطل الجنرال عبر هذه المنصات لتشكيل قاعدة اجتماعية قوية بعيدة عن الجماهير المرتبطة بالايديولوجية السياسية مثل المركز وما جاوره.
(3)
ومع كل صباح تتمدد معاناة السودانيين جراء ازمة اقتصادية طاحنة يتفق الكثيرون على انها نتاج الازمة السياسية المشتعلة لعام ويزيد، الأمر الذي خلق حالة من المزاج الشعبي السلبي. ومع تمدد مشكلات المعلمين ورقعة الاضرابات والموازنة الجديدة الضبابية للدولة اضحى البعض ينسج روايات متعددة عن امكانية نشوء مشهد جديد او امكانية ان يتجاوز البرهان القوى السياسية حال فشلها في التوصل لصيغة توافقية ويتجه لتشكيل حكومة تصريف مهام .
وهنا يعود السفير العبيد مروح الى ان السيناريوهات المرتقبة تخلو من اية مفاجآت، حيث قال ان مجلس السيادة ممثلاً في رئيسه ونائبه سيواصلون الانخراط في جهود تقريب الشقة ووجهات النظر بين كتلتي الحرية والتغيير (المركزي والديمقراطية)، كما لم يستبعد العبيد التواصل مع بقية القوى السياسية التي شاركت في ورشة القاهرة بغرض ضمها الى قاعدة الانتقال .
ويرى السفير العبيد انه من السابق لأوانه الحديث عن لجوء القوات المسلحة لتجاوز المكونات وتشكيل حكومة مدنية تحت اي مسمى، خاصة ان الجنرالات اطالوا حبل الصبر لعام ويزيد، ولا ضير في ان صبروا شهراً او اثنين .
وبدوره يرى الكاتب الصحفي والمحلل السيلاسي النور احمد النور أن حديث رئيس مجلس السيادة في مجمله عبارة عن رسائل للداخل والخارج، وفي الاولى كان يبث تطمينات للمؤسسة العسكرية بانها موحدة ولا توجد اية قوات تحمل السلاح غيرها، وان الاطاري لن ينتقص من دورها في اشارة للدعم السريع، كما انه ايضاً يود ان يقدم اشارات تطمينية لبعض الجهات الخارجية القلقة من التعاون بين الدعم السريع وموسكو وتوسيع النفوذ الروسي في الساحل والغرب الافريقي، فضلاً عن رسائل مشابهة لعواصم خليجية تخشى من تمدد نفوذ الاسلاميين داخل المؤسسة العسكرية.
ويتفق النور مع الرأي السابق بعدم اتجاه البرهان لتشكيل حكومة بمفرده، بقوله ان هنالك توافقاً اقليمياً ودولياً يسعى لعودة المسار الديمقراطي والحكم المدني، مشيراً الى ان حديثه في الزاكياب وامس في الكتياب ما هو الا زيادة ضغط على المدنيين من اجل تقديم تنازلات وصولاً لاتفاق نهائي ينهي الازمة، خاصة ان المجتمع الدولي لا يريد رؤية سودان مفكك.
(4)
وكان رئيس مجلس السيادة قد قام بزيارة خاطفة للامارات عاد منها يوم الاربعاء الماضي، وهي الزيارة التي يذهب محللون الى انها ذات صلة بملفات داخلية من ضمنها الازمة السياسية، ورغم عدم خروج اية تفاصيل واضحة عن اللقاء الرئاسي الذي جمع البرهان مع الشيخ محمد زايد، الا ان بعض الاصوات ترى ان الجنرال بعد عودته خرج بثوب مختلف، وكأنما يريد استعجال المكونات المدنية المتحاورة للوصول لصيغة تفاهم تفضي لاستئناف الانتقال المتعثر.
وانخرط شقا الحرية والتغيير (المركزي ــ الديمقراطية) في حوار برعاية الآليتين الثلاثية والرباعية وبحضور البرهان قبل اسبوع، حيث اعلن حينها مجلس السيادة في بيان رسمي عن اعلان سياسي يجمع الموقعين وغير الموقعين، ثم توقفت اللقاءات بين الجانبين لسفر رئيس مجلس السيادة للامارات ونائبه لدارفور، فيما غادر اعضاء مجلس السيادة الفريق اول ركن شمس الدين الكباشي والفريق ياسر العطا ومالك عقار والهادي ادريس والطاهر حجر ومكونات اتفاقية السلام الى جنوب السودان لحضور ورش تقييم اتفاقية جوبا وانشغال المركزي بورش الشرق، الامر الذي اوقف مسار المباحثات التي من المرتقب ان تعود للاستئناف خلال الاسبوع الجاري، وسط توقعات بأن يتم اتفاق يجمع الفرقاء ولو على الحد الادنى وصولاً لتشكيل حكومة .
ومضى عام واربعة اشهر والبلاد تعاني من حالة فراغ دستوري، الامر الذي فاقم الازمات ولم تفلح كل المساعي في تجاوزها، ولكن المؤشرات وفقاً لحديث البرهان في نهر النيل وقبله الكباشي في جنوب كردفان كأنما توحي بأن المشهد ما عاد يحتمل المماطلة، وهو ما ربطه مراقبون بعودة المركزي والديمقراطية للتحاور وسط ضغوط اقليمية ودولية تجنح صوب حل ينقذ البلاد. ولم تخرج احاديث البرهان في ثلاثة اماكن مختلفة في نهر النيل من ذلك، وهو يحث على ضرورة ترميم الاطاري بتوسعته وعدم اضاعة الزمن.
وهناك جزئية أخرى مهمة ينبغي التقاطها من كلمات البرهان عند مخاطباته هي (الجيش وعدم الزج به في اتون الصراعات السياسية)، وفي ذلك اشارة لحملات الشيطنة التي تطول القوات المسلحة من بعض الناشطين المرتبطة بكيانات او تحالفات سياسية، وبضرورة الكف عن الاتهامات التي توجه للمؤسسة العسكرية والتأكيد على انها مستقلة .
كيف يفكر البرهان وماذا ينوي فعله، هي اسئلة يعتقد البعض انها صعبة، وذلك وفقاً للبراغماتية التي بات يتمتع بها الرجل والتكتيك الذي ظل ينتهجه منذ وصوله لسدة الحكم، بعد الاطاحة بالانقاذ وبقاء عوض بن عوف رئيساً لـ (24) ساعة، ومنذ ذلك الحين ظل الجنرال يدير اوراق المشهد بشكل يصعب فهمه، والمتابع يلاحظ انه بعد أربع سنوات من الحكم فإن كل القوى السياسية والمكونات قد احترقت في اعين السودانيين ولم تعد لها ذات المكانة، فيما بقي البرهان على اعلى الهرم