اسفير نيوز
تقرير: علي ميرغني
عندما أعلنت حكومة الخرطوم أوآخر عهد البشير، نيتها بناء طريق مواز لشارع النيل، لكنه يمر مسافة نصف كيلومتر تقريبا ًداخل مياه النيل الأزرق، عندها حذر خبراء كثيرون من خطورة هذا الطريق والنتائج المتوقعة على سلوك النهر. لكن وقتها كانت الإنقاذ لا تُسأل عن ما تفعل، وتفعل ما تريد. وبالفعل تم بناء امتداد شارع النيل الذي يماثل كبرياً موازياً للنيل الأزرق. ورغم أن الشارع أحدث انفراجاً ملحوظاً في انسياب الحركة وأصبح مستعملو الطريق القادمون من أم درمان متجهون إلى شرق الخرطوم يتفادون المرور في زحمة وسط المدينة.
لكن كان السؤال هو، ماهو الثمن الذي ستدفعه الخرطوم مقابل ذلك؟ ثم ألم يكن هناك خيار آخر غير التغول على مجرى النيل الأزرق؟
التخطيط الإنجليزي
وبحسب إفادة أحد الخبراء، طلب حجب اسمه، نجد أن كل المباني القديمة المشيدة على طول شارع النيل تم ترك مسافة بين أسوار هذه المباني والمباني نفسها، ولم يكن ذلك عبثاً، بل لأن الأنجليز وضعوا في تخطيطهم التطور الطبيعي للمدينة ورجحوا أن يصبح زيادة عرض شارع النيل ضرورة حتمية، لذلك تركوا مساحات فارغة بين هذه المباني وأسوارها. لكن الغريب أن حكومة عبد الرحمن الخضر قررت التغول على مسار النيل الأزرق.
جزيرة توتي..الضحية المتوقعة
قبل حوالى عشرةسنوات عندما أعلنت حكومة ولاية الخرطوم عزمها على إنشاء الامتداد الطائر لشارع النيل من غرب القصر الجمهوري وحتى فندق كورنثيا، استفسرت استاذ جيولوجيا بجامعة الخرطوم، عن وجهة النظر العلمية في تبعات هذا الطريق، أجاب بأن الطريق قطعاً سيؤثر في سلوك نهر النيل الأزرق ويجعله يحول مجراه من الضفة الجنوبية في اتجاه الشمال، بمعنى أدق أن النيل الأزرق سصطدم بجزيرة توتي، وغالباً سيحاول فتح ممر جديد عبرها.
من ناحية توقع خبير آخر أن هذا الشارع سيغلق مجري النيل الأزرق الذي يمر بين جزيرة توتي وقاعة الصداقة. وكشف هذا الخبير عن أن الانجليز وفي رؤيتهم لمستقبل الخرطوم جعلوا كل المباني حول شارع النيل بعيدة عن الأسوار، حتى إذا احتاجت الحكومة لتوسعة شارع النيل تجد سعة في هذه المنطقة. أي تتجه نحو اليابسة وليس تشارك النيل الأزرق في مجراه.
والناظر اليوم للنيل الأزرق في هذه المنطقة يجده بالفعل كوّن جرفاً تزيد مساحته سنوياً، بل حالياً يوجد لسان يكاد يغلق المسار الجنوبي للنيل الأزرق ويوجه المياه مباشرة لشمال كبري توتي.
هل تنفصل جزيرة توتي
لا أحد يملك إجابة قاطعة لهذا التوقع، لكن نظرة لكبري توتي من الطابق الرابع لقاعة الصداقة يعطيك الصورة كاملة. ستجد أن الهدام قضى على معظم الساحل جنوب شرق توتي، بل أصبح تفصله مسافة لا تتعدى المائة متر عن مدخل كبري توتي. أما إذا دخلت الجزيرة ووصلت مياه النيل الأزرق في ركنها الجنوبي الشرقي، ستجد أن الهدام فعلاً أحدث خليجاً يمكن أن يقسم الجزيرة لقسمين، بحيث يصبح الكبري لا يصل الجزيرة.
وتشاهد محاولات خجولة لجهة ما حاولت وقف الهدام بوضع مخلفات مباني كثرة في النهر في منطقة الهدام، إلا أن هذه المخلفات أصبحت داخل النهر مما يوضح أنّ الهدام تجاوزها وانتقل لهدم اليابسة في جسم الجزيرة، الأصلي. وعلى شمال غرب خليج الهدام هذا يوجد مبنى من عدة طوابق أصبح قريباً جداً من المياه، وربما تصله في موسم الفيضان المقبل.
لمن تقرع الأجراس
اتصلت بوزارة البنى التحتية بولاية الخرطوم لمعرفة جهودهم لوقف الهدام وإبعاد شبح تقسيم توتي. لكن للأسف يبدو أنّ الوزارة لها ما يشغلها. ولهم عذرهم فالكل يعلم بالتكليف وليس بالأصالة. والكرة الآن في ملعب مواطني توتي، خاصة أن فيضان هذا العام سيكون غير نتيجة للملء الرابع.
هذا التفسير لسلوك النهر بعد الكبرى الموازى ليس صحيحا من الناحية الجيولوجية- تاريخ الترسيب من النيل الازرق حول الجزيرة ايضا يناقض هذا التفسير. كل جيولوجى ( و انا واحد منهم) تتبع سلوك النهر و الترسيب لفترة طويلة يعلم و يلاحظ ان اتجاه التيار القوى للنهر تتضاءل قوته كلما اقترب النهر من الجزء الجنوبي الشرقى للجزيرة حيث يتفرع النهر الى فرعين و يتكون مثلث فى محور التقسيم هذا راس ضلعيه بزاوية تشير شرقاً . هذا المثلث تتباطأ فيه سرعة التيار و تبدأ الطمو المعلق فى الترسب عاما بعد عاما و عليه فان اللسان الجنوبي الشرقي للجزيرة يمتد شرقاً بفعل هذا الترسيب بما يوحى انه و فى خلال سنوات سيقترن هذا اللسان مع حرف الخرطوم على شارع النيل الحالى فى منطقة القصر الجمهورى و العمارة الكويتية. ليس للكوبرى الموازى اى دور فى هذه العملية