إسفير نيوز: الصيحة
تقرير- نجدة بشارة
الأحداث المتعاقبة منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة التي أسقطت نظام الثلاثين عاماً، كشفت عن فجوة لم تكن ملموسة.. فجوة بين جيلين، جيل اعتنق السياسية وتعرف على مداخلها ومخارجها، عاصر الماضي بأحداثه وإحباطاته، راقب الانقلابات العسكرية وتحولاتها، وصراعات الأحزاب والتحالفات السياسية، وأيضًا صعود التيارات الإسلامية، وآخر شباب مفعم بالتمرد والرغبة في التغيير، نشأ على مشهد سياسي مليء بالهزائم والأزمات الاجتماعية، لا علاقة له بالسياسة بقدر ما يواكب أحدث التطورات التكنولوجية؛ يعيش في مجتمع مأزوم ويتابع آخر ما يصدر عن العالم المتقدم وما يحدث فيه، وهذا هو الجيل (الراكب رأس)، كما يحلو لهم أن يتنادوا فيما بينهم.. جيل الثوار الذين اقتلعوا التغيير الذي بات ظاهرًا في المشهد السياسي. ويتخوف مراقبون بأن يمثل تهديداً وعقبة للانتقال السياسي السلمي.
وفي خضم هذا الواقع المتغير، يحاول كل جيل فرض رؤيته على الآخر، دون محاولة البحث عن نقطة التقاء للتوازن ما يخلق تناقضًا يتحول إلى صراع.
حصحص الحق
لكن مؤخرًا، تشهد الخارطة السياسية في البلاد حالة من الغليان، والصراعات المكتومة بين جيل الشباب الذي يدافع بشراسة عن حقه في التغيير المصنوع بدمائه والذي التقمته الأحزاب الحاضنة للحكومة لقمة سائغة، وأصبحت تمارس ذات الإقصاء القديم للشباب.. ويبرز جلياً في التنافس حول أحقية التمثيل في المقاعد التشريعية.. فبينما يرى جيل الثوار أن (حصحص الحق).. والمجلس التشريعي من حق الثوار لجهة رغبتهم الصادقة في تصحيح ما أفسدته السياسة.. لكن تظل قوى الحرية والتغيير وشركاء السلام من الحركات المسلحة في التشبث بالمقاعد المطروحة في اتفاقية جوبا والوثيقة الدستورية، بينما تركوا فتات التمثيل للشباب، ما وسّع دائرة الخصومة السياسية، حتى إن لجان المقاومة رفضت أي تسويات سياسية، وقالت: “رفضنا تمامًا ما حدث من قوى الحرية والتغيير في تشكيل الحكومة، ولن تتكرر هذه الألاعيب في تكوين مجلسنا التشريعي، الذي يعد صمام أمان الثورة السودانية”. وتابعوا: “ستظل كلمة الثوار ولجان المقاومة مجتمعة على ضرورة تشكيل مجلس تشريعي ثوري يلبي تطلعات ثورة الشعب السوداني”، حسب بيان سابق لها. و”لجان المقاومة” هي مجموعات شعبية ساهمت في تنظيم الحراك الاحتجاجي الذي أجبر قيادة الجيش على عزل الرئيس السابق عمر البشير، في 11 أبريل 2019.
نقطة تقارب
المتحدث الرسمي باسم حزب المؤتمر السوداني نور الدين بابكر، قال لـ(الصيحة): إن الحكومة الانتقالية أولت أهمية لجيل الشباب من حيث إتاحة الفرص للمشاركة في الحكم والتعبير عن تطلعات هذه الشريحة، حيث مثل الشباب مدني عباس وزير الصناعة السابق، نصر الدين مفرح، وولاء البوشي وغيرهم، وفيما يتعلق بشريحة لجان المقاومة الذين يمثلون القاعدة الثورية قال: إن الحرية والتغيير خصصت عدداً من المقاعد لهذه اللجان للتمثيل في البرلمان والتشريعي القادم، وأردف: هناك 9 ولايات أكملت ترشيحاتها مستوفية جميع الشروط.. وأن أغلب المرشحين في القوائم من الشباب، وأكد: حاليًا الاهتمام أصبح كبيراً بجيل الشباب حتى إذا لم يكن بالحجم المطلوب نسبة إلى أن الثلاثين سنة الماضية غيّبت الشباب وجعلتهم بعيدين من مؤسسات الدولة، وبالتالي حدثت الفجوة، وتوقع أن يفتح التشريعي القادم فرصاَ للتقارب بين الجيلين ويكون نقطة للتوازن.
فجوة وجفوة
أيوب محمد عباس رئيس تجمع شباب السودان، قال في حديثه لـ(الصيحة): إن السودان يفتقر إلى تواصل الأجيال وتسود ثقافة (الكنكشة) لدى الأحزاب العجائزية، التي تكون بعيدة كل البعد عن مضمون المثل الشعبي القائل (أم جركم ما تاكل خريفين).. أي الجرادة تعيش موسماً واحداً فقط ولا تصلح للعيش في المواسم الأخرى.. وهذا ما يجب أن يحدث إن يتم إفساح بين كل فترة وأخرى لتجديد الدماء بتسليم الراية للشباب..
ويرى عباس أن التغيير الحقيقي يفترض أن يتبعه سلوك، وأردف: (الديمقراطية ليست شعارات وخطباً رنانة)، وطالب أيوب بضرورة سن تشريعات تلزم الأحزاب السياسية لتقييد سنوات عمرية للقيادة.. لا تتجاوز الدورتين.. وأن يسلم كبار السن دفة القيادة للشباب ويتفرغوا للمناصحة. وـوضح عباس أن آخر إحصائية للأمم المتحدة أن شريحة الشباب تمثل 70% من المجتمع ككل، وأردف: هذا يعني إن جاز الوصف أن الأمة السودانية (شابة).
وأوضح أن ثورة ديسمبر كشفت عن جيل واعٍ.. أنتجت أسساً مفاهيمية، وكان جيل الشباب هم رمح التغيير، لذلك إذا ظهرت الفجوة والجفوة بين جيل الأحزاب السياسية القديمة التي كانت تنادي دومًا بالإصلاح.. وبين جيل التغيير.. الذي قاد الحراك ليوجد واقعاً جديداً يلبي تطلعاته.. وقال إن الانتخابات القادمة ستظهر هذه الفجوة بصورة جلية نسبة إلى التجمعات الشبابية التي أتوقع أن تخوض الانتخابات القادمة بشراسة.
صراع الأجيال
قال المحلل السياسي د. الفاضل سليمان لـ(الصيحة)، إن الصراع بين الأجيال حسم في السودان لصالح الشباب.. بعد ثورة ديسمبر التي كان عمادها جيل الشباب، واستطاعوا أن يشكلوا خارطة واضحة المعالم لهذا الجيل.. وقال: هنالك موجة سياسية مختلفة لم يألفها العالم أو حتى السودانبيين أنفسهم في الممارسات السياسية السابقة، وأشار إلى أن الجيل الحالي انتصر.. من خلال قيادته دفة المشهد السياسي، حيث استطاع جيل الثوار أن ينحج في إدارة دفة الدولة من خلال عمل لجان المقاومة في ضبط الخبز والوقود في الأحياء.. وتوقع أن قيام المجلس التشريعي القادم سيفسح مجالاً أوسع لتمثيل هذا الجيل. وأوضح أن الصراع سيحسم لصالح التقدم والشعارات التي رفعت للثورة.. وقال: أرى أن المشهد يتصدره تياران من الجيل الحالي، تيار تحت لواء الحرية والتغيير الحاضنة السياسية للحكومة والتي تستأثر بالنصيب الأكبر وتتحكم في الملعب.. وهنالك التيار المنضوي تحت مظلة حركات الكفاح المسلح ممن شاركوا في التغيير.. وكلا التيارين يصارع ليحصل (على نصيب الأسد)، وقال إن هذا سيولد صراعًا مكتوماً بين التيارين، ثم تيار المتفرجين وهم من الشباب غير المنتمين لأي من التيارين والإسلاميين المستبعدين من المشهد السياسي.