الخرطوم: مهند عبادي
مع اقتراب العملية السياسية من نهايتها، وتشكيل الحكومة المدنية، تزداد الشكوك حول الوصول إلى آخر مسار العملية، خاصة مع التصريحات التي يطلقها العسكريون، التي تنذر بإمكانية عدم استكمال الحل السياسي، ويرى مراقبون أن تصريحات رئيس مجلس السيادة، أمس الأول، مؤشر لذلك الأمر، وربما تقود لنسف العملية برمتها..
مسؤولية الانقلابات
ويشار إلى أن رئيس مجلس السيادة، الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، قد حمل في تصريحاته بمنطقة أم سيالة بولاية شمال كردفان، القوى السياسية مسؤولية الانقلابات العسكرية التي حدثت بالبلاد، ودعا إلى شمول العملية السياسية لجميع الأطراف حتى لا تتعثر، وقال إن القوى السياسية تتحمل مسؤولية الانقلابات، وقال: “السياسيون يتحملون مسؤولية الانقلابات وليس الجيش”، وأكد أن البلاد ماضية نحو التسوية والانتقال السياسي، الذي أكد أنه سيكون مرضياً للجميع، وشدد على وجوب أن تكون العملية السياسية شاملة، وتضم جميع القوى، وأشار إلى أن الاستقرار سيتحقق قبل إجراء الانتخابات، داعياً السياسيين إلى تقبل الآخرين، تعهد بتأسيس لجيش لا يتدخل في السياسة مستقبلاً، وأردف: “يجب ألا يكون للجيش دور سياسي”.
محزبون وعسكر
ولم تكن هذه المرة الأولى التي يتحدث فيها الفريق أول البرهان عن وجود للأحزاب داخل الجيش وسعيها إلى استخدامه في أهدافها السياسية، إذ قال في مقابلة أجراها معه التلفزيون القومي الرسمي، في فبراير 2022، “إن أحزاباً سياسية شكلت خلايا داخل المنظومة العسكرية بالبلاد، غير أن تصريحات البرهان الأخيرة جددت التساؤلات الملحة المتعلقة بمدى جدية المؤوسسة العسكرية في الخروج من المشهد السياسي، ومآلات استمرارها في الفعل السياسي وآثاره على استقرار السودان، وعلى الرغم من تأكيدات البرهان على أن الجيش يدعم المسار الحالي دعماً كاملاً، ولن يتراجع عن ذلك، إلا أن الحديث الأخير بدا للكثيرين وكأنه استعداد للقفز من مركب الاتفاق الإطاري وعرقلة العملية السياسية التي وصلت إلى مرحلتها الأخيرة، وسبق للبرهان في تصريحات سابقة الحديث عن “الجيش ليس ضد أحد، وقد وقّع على الاتفاق الإطاري على ألا يقصي الآخرين، وأن يشمل النقاش حول القضايا المتفق حولها كل القوى السياسية عدا المؤتمر الوطني، ويؤكد مراقبون أن البرهان لا ينوي النكوص عن الاتفاق الإطاري بقدر ما أنه يحاول جاهداً كسب أكبر فرصة ممكنة لإرضاء الأطراف التي تضغط عليه من قوى سياسية معارضة لمركزي الحرية والتغيير، ويسعى جاهداً لضم ولو عدد منها لقائمة الموقعين على الاتفاق النهائي والمشاركة في السلطة تحت بند توسيع المشاركة لضمان نجاح الفترة الانتقالية واستقرار البلاد.
الانسحاب من السياسة
وتضغط قوى الثورة لإجبار الجيش السوداني على الانسحاب من الحياة السياسية في السودان، لكن تلك الجهود ما تزال تصطدم بعثراتٍ عدّة، وظلت مشاركة الجيش السوداني في الحكم مثار جدل لسنوات طويلة، باعتبار أن حكمه تغلب عليه الشمولية والديكتاتورية والتضييق على الحريات العامة في البلاد، وواجهت الشراكة المنقلب عليها بين المكونَين العسكري والمدني، تقاطعات وانتقادات واسعة ومطالبات مستمرة بإبعاد العسكر من السلطة، وبسط مدنية الدولة في أجهزة الحكم، على الرغم من التأكيدات بأن مشاركة القوات المسلحة في الحياة السياسية في السودان كانت على مر تاريخ الدولة السودانية خارج إرادتها، بمعنى أن هنالك بعض التداخلات الحزبية أدت إلى مشاركة هذه القوات في السلطة السياسية، ومعلوم أن أن قانون القوات المسلحة السودانية يحظر انتماء الضباط والأفراد العسكريين للأحزب وعدم ممارسة السياسة، فيما يحتم الدستور على هذه القوات حماية الحدود وأمن البلاد القومي، وأن تتدخل عند أي تعد على السيادة الوطنية، مثل حدوث أي اختراق للداخل السوداني أو إهمال في تأمين الشعب وحدود الوطن،وغيرها من الأفعال التي تؤثر على الأمن الوطني.
ما بعد الاستقلال
وتمتد جذور ظاهرة سعي الأحزاب إلى اختراق صفوف القوات المسلحة إلى ما بعد استقلال السودان، وليست وليدة أجواء ما بعد ثورة ديسمبر فقط، إذ تثبت الوقائع التاريخية أن الخلايا الحزبية داخل الجيش تمكنت في محاولات انقلابية عدة فشل بعضها، من النجاح ثلاث مرات في إطاحة النظام التعددي الديمقراطي، بإيعاز من الأحزاب نفسها، فقد تم تنفيذ انقلاب 1989، بواسطة خلية حزب الجبهة الإسلامية القومية داخل الجيش، الذي أطاح بالحكومة المنتخبة برئاسة الصادق المهدي رئيس حزب الأمة القومي صاحب الغالبية البرلمانية آنذاك، وحصل الانقلاب الأول في عام 1958، حين سلم رئيس الوزراء وقتها عبد الله خليل المنتمي إلى حزب الأمة القومي، السلطة إلى قائد الجيش، الفريق إبراهيم عبود، ليحكم البلاد طوال ست سنوات، وأطاحت به انتفاضة شعبية في أكتوبر،وتشكلت بعدها حكومة ديمقراطية، ثم مرة أخرى نجح الشيوعيون والقوميون العرب، في إطاحة النظام الديمقراطي في انقلاب بقيادة المشير جعفر محمد النميري في مايو عام 1969.
السوداني