1/ لنكن واضحين: خطاب الكراهية هو صورة نمطية علنية، وتحامل ينشأ من توجه تفكيرنا نحو ما يدعم *(تعصُّبنا)* وانتماؤنا لجماعتا العرقية والجهوية، وحتى أفكارنا، وعندها تظهر التصرفات العنصرية التي تكمن في أبسط المفردات، وفي بعض الأفعال اللاواعية (خاصة في حالة الفرد الذي يحاول أن يبرز إنتماؤه وتعصبه لمجموعته أكثر)، فيبدو ذلك واضحاً في أعمالنا وأحاديثنا اليومية، في قصصنا وإسقاطاتها، وفي أحكامنا وتفكيرنا السياسي، وبالتالي إرسال التعميمات الخاطئة التي لا تحترم إنسانية كل إنسان اخر واختلافه، فنحن في كل لحظة نستطيع أن نقسم الناس بين كلمتي “هم” و”نحن”، وهكذا يتم بناء خطاب العنصرية والدعاية التي تحض على رفض الاخر.
2/ إذن *التعصب* بكافة أنواعه هو أساس العنصرية، والتعصب قد يُرى حتى في أكثر العقول المتحررة، والمثقفة، وفي المتعلمين والعوام على حد سواء، بما يتناسب وتفسير الجماعة التي ينتمي لها المتعصب، فيقوم الفرد المتعصب بالتعميم على الفرد أو الجماعة الاخرى التي يتوهم أنها مناوئة له وتختلف عنه، عندها يبدأ بالصعود على أول درجة من سلم العنصرية تبعاً لما يتناسب وأرائه، فيقدم على الحكم والأقوال والأفعال ضد الطرف الآخر، تبعاً لما يراه مناسباً لانتماءاته التي هي بصورة حقيقية عنصرية وقد تكون غير معلنة، تتخفى في صورة إنتماء لجهة مناطقية أو أثنية، مثال البحر والنهر، الجلابة، الزرقة، العرب، كيان الوسط، درع الشمال، الشرق، دولة الزغاوة، حمر صر، الغرابة، وافدين، كيزان، قحاطة، وهكذا.. إلخ..
3/ هذا يفسر بوضوح كيف صار *الصراع القبلي* سمة مميزة لأقاليم السودان جنوباً وشرقاً وغرباً وشمالاً، ليكون مضافاً لمشكلات معقدة تواجه البلاد، ومعضلات تتغذى على غياب الدولة وسياساتها، ولا يستطيع أحد أن يجزم بأن الصراعات القبلية في السودان ليست لها جذور سياسية، فالشق السياسي موجود لأن الصراع يبدأ بالأفراد وأفكارهم وينتهي بالقبائل، وتمثّل الإختلافات السياسية عاملاً سلبياً في النزاعات القبلية، وتؤدي إلى تأجيجها وتفجرها، حيث أن الوضع السياسي يؤثر على المجتمع، حتى أن فرص الحل ومنع اندلاع أي صراع قبلي تتوقف على الوضع السياسي.
4/ يجب على الدولة ترشيد الوعي القبليّ وتخليصه من عصبيات الإنتماء الجاهلي والتناحر العنصري المدمر ومشاعر الظلم والعدوان، ومراعاة كلّ أشكال التنظيم الاجتماعي التي تخضع لقوانين اجتماعية تاريخية، تحدد ما هو ثابت وما هو متغير، وإعادة الهيبة للدولة باعتبارها السلطة العليا التي لا تعلوها أيّ سلطة أخرى، والتشديد على الإجراءات الأمنية والمنعية للسيطرة على الوضع الأمني والتوتر اثر الاشتباكات القبلية التي نشبت والتي من المحتمل أن تنشب، فمعظم الصراعات القبلية كانت لها بوادر وإرهاصات بائنة وواضحة يمكن الإنتباه لها والتعامل معها قبل أن تستفحل، كما يمكن التأكد من أن معظم الصراعات التي شهدتها مناطق مختلفة في السودان لم تكن تحمل صبغة قبلية بحتة، بل هي كانت في الأصل ذات طبيعة سياسية، أو يحركها مستفيدين ممن يعرفون بـ (تجار الحروب) الذين يسعون لإشعالها بالتنسيق مع سياسيين وتجمعات وأحزاب سياسية.