السودان.. تغيير المواعيد لكسب الوقت أم لكسب النفوذ؟

0

 

 

إن «العمليّة السياسيّة» السودانيّة التي بدأت في 5 ايلول/سبتمبر 2022 بتوقيع الاتفاق الإطاري ظلت تتجه نحو ان يتم التوقيع على اتفاق سياسي نهائي في 1 نيسان/ابريل ثم التوقيع على دستور انتقالي وتشكيل حكومة انتقالية يوم 6 نيسان/ابريل.

مر الأول من نيسان/ابريل ولم يتم التوقيع على الاتفاق السياسي.

ومر السادس من نيسان/ابريل ولم يتم التوقيع على الدستور الانتقالي وتشكيل الحكومة الانتقاليّة، وأحاطت بالشأن السياسي أجواء من عدم الثقة بين شريكي العملية السياسية من العسكريين والمدنيين الأعضاء في الحرية والتغيير – المجلس المركزي.

وقبل أن يتساءل الناس عن وصول العملية السياسيّة إلى نهايتها، أو منتهاها، أعلن الناطق الرسمي باسم العمليّة السياسية، خالد عمر يوسف يوم الاربعاء نيسان/ابريل أن القوى المدنيّة الموقعة على الاتفاق الإطاري تسلمت نسخة مسودة الاتفاق السياسي النهائي التي أعدتها لجنة الصياغة المكونة من 11 شخصاً في اجتماعها بالقصر الجمهوري نهار الثلاثاء 4 نيسان/ابريل، وانها ترتب لعقد اجتماع عاجل لبحث عقبات توقيع الاتفاق النهائي. وأضاف بيان المتحدث الرسمي باسم العمليّة السياسيّة أن العملية السياسية تحثّ القوى المدنيّة على «إسراع الخطى لاسترداد السلطة المدنيّة الكاملة».

ويبدو ان مسألة الإصلاح العسكري والأمني الذي يتيح امكانية دمج قوات الدعم السريع وقوات الحركات المسلحة الأخرى في الجيش شكلت نقطة الخلاف الرئيسية بين القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، وبالذات الجداول الزمنية لانجاز هذه العملية (البرهان يريد الدمج في سنتين بينما يريده حميدتي في عشر سنوات حسب اتفاق سابق). وتشير تسريبات إلى ان فولكرز اقترح كحل وسط فترة 54 شهرا للدمج. ويتساءل كثيرون حول الأسباب التي حالت دون إقدام الجنرال البرهان على دمج قوات الدعم السريع في الجيش بعد انقلاب 25 تشرين الأول/اكتوبر 2021 حينما كان يمتلك الامكانيّة والقوانين الداعمة والتي عدلها هو نفسه لصالح قوات الدعم السريع، حين كان ذلك يخدم تحالفه مع حميدتي. وعموما تظل قيادة الجيش بعد الدمج أمراً مثيراً للنزاع.

 

توقعات

 

يشير شهود عيان منذ السادس من نيسان/ابريل إلى نقل آليات عسكرية ضخمة تابعة للجيش في عدد من المناطق داخل ولاية الخرطوم. وهناك توقعات بأن هذه الاستعدادات تشير إلى احتمال ان الجيش يستعد للتوقيع على الاتفاق السياسي السبت 8 نيسان/ابريل، والاستعداد لأي مواجهات محتملة مع حركات اتفاق سلام جوبا الرافضة للاتفاق الإطاري والتي تتواجد جيوشها في العاصمة، أو انها تشير إلى احتمال انسحاب الجيش من الاتفاق لكن ربما يكون الخيار الأول هو الخيار المرجح.

 

الأقنعة والوجوه

 

لقد ظلّت «العمليّة السياسيّة» تشكّل قناعاً يخفي حركة مصالح ويعتم رؤية تاكتيكات تشكل خريطة طريق تتعدّل بين حين وآخر حسب الظروف، فالجنرالان، البرهان وحميدتي، اللذان تعارفا وتحالفا في معارك إهراق الدم الدارفوري، يواجهان مشكلة إزالة تمكين حركة المتأسلمين داخل الجيش، إذ يرى البرهان سنده فيهم بينما يرى حميدتي مقتله فيهم، فالأمر الآن يتجاوز التاكتيكات الرخوة السابقة مثل شراء ولاء زعماء العشائر بأموال ذهب جبل عامر أو الأموال التي تأتي مقابل توريد محاربين للقتال في اليمن. وهكذا يحتاج كل من البرهان وحميدتي إلى كشف حساب منفصل فيقترب البرهان من متأسلمي الجيش الذين عرفهم وحماهم خلال الفترة السابقة – فترة ما بعد الثورة، بينما يجد حميدتي نفسه أقرب إلى الشق المدني في «العمليّة السياسيّة» كحاضنة محتملة.

ظل الجنرال البرهان يموضع نفسه دائماً بين طرفين كي يسهل على نفسه لعبة التاكتيك هذه، لذلك اجاد خلق كيانات مثل «الإدارة الأهلية» و «الكتلة الديمقراطيّة» فيميل نحو إحدى الجهات حينا ونحو الجهة الأخرى حينا آخر، وفوق ذلك يطالب المدنيين بتوحيد الكيانات المصطنعة من القوى التي شاركت البشير الحكم.

 

الوضع الأمني

 

يجري تداول روايات حول إطلاق النظام لسراح مجموعة من المجرمين ينتسبون إلى تجمع عصابات يطلق عليه اسم «تسعة طويلة» بهدف إثارة الرعب بين سكان العاصمة القوميّة. وتداول مثل هذه الروايات يظهر ان جزءا كبيرا من الرأي العام صار يعتبر القوى الحاكمة امتدادا للتوجه الميليشياوي للحكم. ومن هنا يأتي عدم اقتناع هذا القطاع السكاني بعدم قدرة جنرالي الانقلاب على تشكيل حكومة تدير شؤون البلاد حتى اضطرت لادعاء توقيع 79 من الأحزاب والجماعات المسلحة على وثيقة توافقيّة لإدارة المرحلة الانتقاليّة، ولكن سرعان ما أعلن الحزب الاتحادي الديمقراطي – الأصل في تعميم صحافي انه لم يوقع على الوثيقة كما أجبر رئيس حزب الأمة المكلف، برمة ناصر، على الاعتراف بانه لم يأخذ رأي حزبه. وتوالت عمليات النفي.

 

التظاهرات

 

على مستوى الفعل السياسي المعارض تواصل قوى لا يستهان بها تظاهرات أسبوعيّة أو نصف أسبوعية في شوارع المدن الرئيسية، ويبدو ان الجنرالين كانا يراهنان على تراجع زخم التظاهرات مع مرور الزمن وحاولا اخماد جذوتها بشتى السبل بما في ذلك القتل للمتظاهرين العزل، وقد تجاوز عدد من قُتل من الشباب بعد الانقلاب الـ 125 شهيداً معظمهم تحت سن الـ 30 آخرهم الصبي ابراهيم الذي تم قتله بدم بارد ما يكشف درجة الدموية التي بلغتها القوى العسكرية التي تتولى تفريق التظاهرات.

 

الوضع المعيشي والاقتصادي

 

أما على مستوى الأوضاع المعيشيّة فإن البلاد تشهد تدهورا مطرداً بلغ حد ان وزير المالية، الذي حصل على وظيفته هذه لتأمين المال اللازم لتغطية أعباء اتفاقيّة جوبا للسلام صار يفرض ضرائب لا تخضع لأي رقابة برلمانيّة وانما يقرها التنفيذيون. وكان البرهان في السابق يمني نفسه بتمويل ينهمر عليه من المانحين بمجرد تنفيذه جزءا من رغباتهم؛ أما الأسعار فقد تصاعدت بشكل لم تبلغه من قبل.

 

القدس العربي

اترك رد