حوادث اغتيال العسكريين السودانيين بدارفور.. هل تعيد الإقليم إلى مربع الازمة؟
شهد إقليم دارفور في غرب السودان منذ بداية الشهر الجاري هجمات على ضباط في الجيش والقوات الأمنية أدت إلى مقتل ضابطين في الجيش وثالث في الدعم السريع ونهب مركبات عسكرية، في تطور يهدد بعودة الإقليم إلى نحو عقدين من الزمان عندما اندلعت حرب خلفت آلاف القتلى ولجوء مئات الآلاف إلى دول مجاورة ونزوح ملايين إلى مخيمات داخل الإقليم.
ولقي الضابط برتبة المقدم في الجيش أحمد محمد علي بخيت، رئيس شعبة العمليات بالفرقة 21 في زالنجي حاضرة ولاية وسط دارفور، مصرعه ونهبت مركبته على أيدي 3 مسلحين مجهولين أطلقوا عليه وابلا من الرصاص وسط أحد أسواق المدينة قبل أن يفروا إلى جهة غير معلومة.
كما شهدت مدينة نيالا عاصمة جنوب دارفور الأسبوع الماضي مقتل العقيد في الجيش عبد العظيم عيسى على يد مسلحين مجهولين حاولوا نهب سيارة عسكرية كان يستقلها، ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من القبض عليهم حتى الآن.
ولقي نقيب في قوات الدعم السريع نهاية الأسبوع الماضي مصرعه، وأصيب 3 من جنوده بعد أن أطلق عليه مسلحون النار شرقي مدينة الضعين عاصمة ولاية شرق دارفور.
وفي حادث آخر، قتل الثلاثاء الماضي 4 عناصر من قوات الشرطة وأصيب 4 آخرون أحدهما ضابط، في اشتباك مع عصابة مسلحة تقوم بنهب السيارات في الطريق الرابط بين ولايتي وسط وغرب دارفور.
عودة أجواء الحرب
تجدر الإشارة إلى أن الحرب في إقليم دارفور كانت قد بدأت في 2003 بمشكلة سرقة جمل وتحولت إلى مطالب محلية تم استغلالها سياسيا بسبب الصراع على السلطة في الخرطوم، وهاجمت الجماعات مراكز الشرطة والقوات الأمنية واستولت على أسلحة ومركبات عسكرية، وقد أدى ذلك إلى فراغ أمني ومواجهات مسلحة وتدفقت الأسلحة على دارفور عبر حدودها من ليبيا وتشاد وأفريقيا الوسطى.
وذكرت مصادر أمنية -للجزيرة نت- أن إقليم دارفور يشهد وضعا معقدا، حيث بدأت عودة مجموعات وفصائل مسلحة كانت تقاتل مع أطرف النزاع في ليبيا، ولدى هذه المجموعات مركبات وأسلحة ومقاتلون بلا عمل وفي أيديهم أسلحة يمكن استخدامها في أي أنشطة غير مشروعة.
كما أن الأوضاع المضطربة في أفريقيا الوسطى المجاورة، وخروج الشريط الحدودي المتاخم لإقليم دارفور عن سيطرة الحكومة، وتردّي الأوضاع الأمنية في مناطق تشادية قريبة من غرب السودان والحدود الطويلة مع ليبيا التي تتنافس فيها مجموعات عسكرية عدة؛ كلها عوامل تضع دارفور فوق صفيح ساخن وتجعل الإقليم بؤرة لاستقبال الأسلحة والمسلحين، حسب المصادر ذاتها.
ولم تستبعد أن تكون هناك أصابع سياسية تقف خلف الأحداث في دارفور مستغلة الأوضاع السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد، لخلط الأوراق وصرف نظر القوات العسكرية والأمنية عن مخططات تدبر في الخرطوم لتغيير المعادلة السياسية وميزان القوى الحالي لمصلحتها وفرض واقع جديد.
أجندة سياسية
مسؤول عسكري (فضل عدم ذكر اسمه) رفض توجيه أصابع الاتهام إلى أي جهة في الهجوم على ضباط الجيش في دارفور، وقال -للجزيرة نت- إنهم فتحوا تحقيقا في شأن مقتل ضابطين في نيالا ثم زالنجي، ورأى أن دارفور تعيش في حالة هشاشة أمنية لذلك فإن حوادث النهب المسلح أمر وارد ومتوقع.
غير أن رئيس جمعية “صحفيون ضد الجريمة” طارق عبد الله يرجح أن تكون وراء استهداف العسكريين في دارفور مجموعات مسلحة تسعى للحصول على مركبات عسكرية لتعزيز وجودها وتقوية نفوذها العسكري، أو حركة عسكرية جديدة تخطط لامتلاك سيارات مقاتلة لإثبات وجودها وممارسة أنشطة لجذب الأنظار إليها ودفع الحكومة إلى التفاوض معها من أجل تحقيق مكاسب سياسية.
وفي تصريح للجزيرة نت، يقول عبد الله إن من ينهبون المركبات العسكرية لو كانوا يريدون أموالا فإن نهب سيارات تجارية ومدنية أسهل وأقل كلفة لهم، لذا فإن وراء الهجمات على العسكريين غالبا أجندة سياسية وليست حوادث جنائية معزولة، مشيرا إلى أن المرحلة الأولى من الحرب شهدت تعاونا بين عصابات نهب مسلح كانت تستولي على مركبات عسكرية وتبيعها إلى الحركات المسلحة.
كل الاحتمالات
وفي حديث مع الجزيرة نت، يرى خبير إدارة الأزمات والتفاوض بمركز البحوث الإستراتيجية اللواء أمين إسماعيل مجذوب أن اغتيال ضباط في الجيش بدارفور بهذه الطريقة يشير إلى خلل، لأن أي ضابط في المؤسسة العسكرية من رتبة عقيد فما فوق ينبغي أن يتحرك وبرفقته حراسة، وتحركه من دون حراسة يسهل استهدافهم وهو ما يعدّ تقصيرا يتطلب تحقيقا.
ويحدد مجذوب احتمالات عدة في حوادث دارفور، تشمل أن المركبات العسكرية التي نهبت غالية الثمن، ولا توجد إلا لدى القوات العسكرية والأمنية، ومطلوبة لجماعات مسلحة في دول مجاورة.
ويضيف أن مجموعات سودانية مسلحة عادت أخيرا من ليبيا وتريد مركبات عسكرية لتقوية موقفها وتحسين وضعها التفاوضي في أي تسويات مقبلة.
ويرى أن هناك احتمالا بمحاولة جهات لإثارة الفتنة بين الجيش وقوات الدعم السريع مستغلة حالة الخلاف بين الجانيين بشأن ملف الإصلاح الأمني والعسكري وخصوصا دمج قوات الدعم السريع في المنظومة العسكرية، مشيرا إلى أن عدم التوصل إلى الجناة الذين يقفون وراء الهجمات يرجح أن لديهم إمكانات وقدرات ووسائل تخفٍّ.
ورأى مجذوب أن وقوع 5 حوادث اغتيال ونهب مركبات خلال أسبوعين يعكس وجود تخطيط وتدبير من جهات لديها أجندة ومشروع تسعى إلى تحقيقه.
ويحذر مجذوب من تعقيدات تحيط بوجود القوات النظامية في مواقع رئيسة بإقليم دارفور لوقوعها في مناطق نزاعات وتداخل قبلي، وانتشار مقاتلي حركات مسلحة وقعت اتفاق سلام مع الحكومة ولكنها لم تدمج قواتها بعد في القوات الحكومية، ووجود قوات في دول مجاورة قريبة من الحدود السودانية ترتدي أزياء عسكرية تشبه زي القوات السودانية يمكن أن تعبر الحدود المشتركة أو تتسلل إلى دارفور.
المصدر : الجزيرة