التسوية في السودان: مقترحات جديدة لحلّ خلاف البرهان وحميدتي!!
أصيبت التسوية السياسية بين المدنيين والعسكر في السودان، بالجمود خلال الأيام الماضية، ما أثار القلق على مستقبلها. واحد من أسباب الجمود، يتمثل في نقطة خلاف وحيدة بين الجيش وقوات “الدعم السريع”، تتعلق بكيفية تكوين هيئة قيادة مشتركة، ومن يقودها، وذلك في أولى خطوات دمج “الدعم السريع” في الجيش، المنصوص عليها في الاتفاق الإطاري الموقع بين العسكر والمدنيين في الخامس من ديسمبر/كانون الأول الماضي. وهذا النص انتهزه الجيش كفرصة ثمينة لاحتواء “الدعم السريع”، واشترط وضع جداول زمنية واضحة له وتنفيذها، لاستمراره في التسوية السياسية، ما أخّر لمرتين التوقيع على الاتفاق النهائي.
خلاف الجيش و”الدعم السريع” يجمّد الحلّ النهائي
ومنذ الرابع من يوليو/تموز الماضي، أعلنت المؤسسة العسكرية في السودان نيتها الانسحاب من العمل السياسي، بعد أكثر من 8 أشهر على انقلابها على السلطة المدنية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 حيث فشلت في إدارة البلاد وتكوين حكومة تنفيذية، وواجه انقلابها مقاومة واسعة من الشارع السوداني منذ يومه الأول. وجاء ذلك عدا العزلة الدولية التي مُني بها انقلاب قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، وقرارات وقف الدعم في مجال الإصلاحات الاقتصادية بواسطة المؤسسات الدولية.
وفتح إعلان المؤسسة العسكرية الانسحاب من الحياة السياسية الباب أمام 4 دول، هي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات، للتوسط بين قوى إعلان الحرية والتغيير والعسكريين لتقريب المسافات بينهما، فعُقدت سلسلة من اللقاءات المباشرة وغير المباشرة هي الأولى من نوعها منذ الانقلاب.
أُجّل توقيع الاتفاق النهائي هذه المرة إلى أجل غير مسمى
وتوصلت هذه اللقاءات بعد 5 أشهر من بدايتها، إلى اتفاق إطاري “مبدئي” يعيد العسكر إلى ثكناتهم بعيداً عن الحكم والسياسة. كذلك نصّ الاتفاق على تكوين سلطة مدنية كاملة من كفاءات وطنية من دون محاصصات حزبية ومن دون مشاركة العسكر. كما نصّ على مبادئ عامة في ما يتعلق بالعدالة والعدالة الانتقالية، واستكمال السلام مع الحركات المتمردة غير الموقعة على الاتفاقيات السابقة في عام 2020، ومبادئ عامة أخرى تتعلق خصوصاً بالإصلاح الأمني والعسكري وتفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
كذلك نصّ الاتفاق الإطاري على عقد ورش ومؤتمرات خاصة تناقش تفاصيل تلك المواضيع ومعها قضية شرق السودان، وتصل فيها إلى توصيات يدرج بعضها في الاتفاق النهائي، والبعض الآخر في الدستور، وبعض ثالث يصبح جزءاً من برامج الحكومة الانتقالية.
وبالفعل عقدت تلك المؤتمرات والورش وتوصلت إلى التوصيات، باستثناء ورشة الإصلاح الأمني والعسكري، والتي انسحب منها ممثلو الجيش في اليوم الأخير احتجاجاً على عدم حسم موضوع الجداول الزمنية الخاصة بدمج “الدعم السريع” أو تفاصيل كيفية الدمج نفسه ومراحله.
ولاحقاً، أكد الجيش التزامه بالعملية السياسية وراهن على اللجان الفنية للورشة لتجلس معه لإكمال التوصيات، وقادت تلك التطورات إلى تأجيل التوقيع على الاتفاق النهائي بين العسكر والمدنيين الذي كان مقرراً في الأول من إبريل/نيسان الحالي. وأُعطي الجيش و”الدعم السريع” مهلة أخرى حتى 6 إبريل لتجاوز خلافاتهما والتوقيع على الاتفاق النهائي، وفشلا مرة أخرى رغم الحديث عن تقدم طفيف، ليؤجل التوقيع مجدداً، لكن هذه المرة إلى أجل غير مسمى.
وخلال الأيام الماضية، تجمّد الموقف ولم يعد هناك ذكرٌ لاجتماعات اللجنة الفنية المشتركة بين الجيش و”الدعم السريع”. وبحسب مصادر “العربي الجديد”، فإن الطرفين بالفعل تجاوزا (تغاضيا عن) خلال الأيام الماضية عدداً من التفاصيل الخاصة بعمليات الدمج والتسريح لـ”الدعم السريع”. غير أن الأمور تعقدت عند نقطة تشكيل هيئة قيادة مشتركة، والتي جاء آخر المقترحات حولها يقضي بتشكيلها من 6 من القيادات: 4 من الجيش و2 من “الدعم السريع” ويرأسها قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان. ووافقت قوات “الدعم السريع” على المقترح من حيث المبدأ، لكن قائدها الجنرال محمد حمدان دقلو (حميدتي) رفض قيادة البرهان للهيئة، واقترح أن يرأسها رئيس مجلس السيادة المدني أو رئيس الوزراء المدني. ويُظهر ذلك الرفض مدى العلاقة المتوترة بين البرهان وحميدتي.
سيناريوهات التأخير بين الانتظار والشارع
وبرأي كمال عمر، الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي، أحد الأحزاب الموقعة على الاتفاق الإطاري، فإن التأخير الحالي سببه مماطلة العسكر وتحديداً قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان غير الراغب في إكمال العملية السياسية والذي يماطل في مشكلة مفتعلة بين الجيش و”الدعم السريع” المعروفين بعلاقتهما الأزلية. واعتبر عمر أن الهدف من ذلك هو تعطيل قطار العملية السياسية وهو ما تُبيّنه كل الخطب والمواقف السياسية للعسكر.
تعقدت الأمور بين الجيش و”الدعم السريع” عند تشكيل هيئة قيادة مشتركة، ورفض حميدتي قيادة البرهان للهيئة
وأضاف عمر، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن القوى السياسية المدنية الموقعة على الاتفاق الإطاري مدّت حبل الصبر طوال الأسابيع الماضية انتظاراً لخلاف ليس للمدنيين دخل فيه، وذلك إيماناً منها بأن العملية السياسية الحالية هي المخرج الحقيقي من الأزمة وأن وراءها تضحيات كبيرة، وأن أسوأ الخيارات ستأتي عقب فشلها. وأشار إلى ارتباط العسكر بقوى إقليمية، لم يسمها، والتي قال إنها لا تريد نجاح ثورة ولا ديمقراطية في السودان وفاتها أن ثورة السودان أبية وعصية على التوقف، بحسب تعبيره.
وأوضح عمر أن خيار القوى المدنية المشاركة في العملية السياسية الحالية، إذا لم تكتمل هذه العملية، “فهو الشارع ليس سواه“، لافتاً إلى أن التعبئة التي قامت بها القوى المدنية لصالح العملية السياسية ستتحول إلى بركان غضب شعبي يزيل الانقلاب من جذوره ويفرض السلطة المدنية.
لكن مهدي رابح، العضو القيادي في حزب المؤتمر السوداني، أحد أعمدة تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، أكد لـ”العربي الجديد”، أنه لا خيار للعملية السياسية سوى العملية السياسية، مبيناً أن العملية تمضي بصورة جيدة، وأن الاتفاق النهائي جاهز للتوقيع. وأشار رابح إلى أن لجان صياغة الدستور بدأت عملها وذلك بالتزامن مع اجتماعات اللجنة الفنية بين الجيش و”الدعم السريع”.
وأقرّ رابح بأن التأجيل من دون شك محبط لكثيرين “لكن من الأفضل التوصل إلى اتفاق محكم ومتوافق عليه من كل الأطراف لأننا متفهمون لخطورة الأوضاع الحالية والهشاشة الأمنية والاقتصادية، وشبح الحرب الأهلية، وبالتالي سننتظر حيث لا رغبة لنا في الخيارات الأخرى، خصوصاً أن انفجار الأوضاع له مترتبات عابرة للحدود، لذا يحرص المجتمع الدولي والإقليمي على تجاوز فرضية الحرب والاضطرابات الأمنية”.
على صعيد المعارضين للعملية السياسية، فإنهم يأملون في ردّة تعيد صياغة العملية السياسية من جديد وتوسيع دائرة المشاركة، ومن أولئك تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية، المكون من حركات مسلحة موقعة على اتفاق سلام وأحزاب سياسية، وقاطع كل خطوات العملية السياسية، لا سيما حركتا “العدل والمساواة” و”تحرير السودان” المعنيتان بها بالأساس.
ووفقاً للمتحدث باسم الكتلة، محيي الدين جمعة، فإن التأخير في التوقيع على الاتفاق النهائي ربما كان فرصة لتصحيح أخطاء العملية السياسية من خلال إشراك المزيد من القوى السياسية وضمان حيادية ووقوف الآلية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية “إيغاد” الميسرة للتفاوض على مسافة واحدة بعدما كانت منحازة لتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.
قوى إعلان الحرية والتغيير – الكتلة الديمقراطية: اقترحنا نسبة 47% للمشاركة في العملية السياسية
وأوضح جمعة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الآلية الثلاثية اجتمعت بهم قبل أيام و”اقترحنا عليها نسبة لا تقل عن 47 في المائة للمشاركة في الآليات السياسية للعملية السياسية، وقدمنا لها رؤية سياسية متكاملة، ونحن في انتظار ردّها علينا”. ولفت إلى أن أبرز ما في الرؤية تأجيل النظر في قضية الدمج لما بعد الانتخابات لينفذ عبر حكومة منتخبة ومعه كل قضايا الإصلاح الأمني والعسكري بما فيها الترتيبات الأمنية الخاصة بالحركات المسلحة.
وتوقع جمعة أن يؤدي أي إصرار على إكمال العملية السياسية بوضعها الحالي، إلى فوضى واسعة خصوصاً، أن هناك جهات لا تريد وصول الأطراف إلى توافق ومنها التيار الإسلامي النشط هذه الأيام لإعادة المشهد القديم.
وتعليقاً على تأخر التوقيع على الاتفاق النهائي والخلافات القائمة، رأى المحلل السياسي الرشيد محمد إبراهيم، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن التأجيل المستمر لموعد الاتفاق النهائي وتركه الآن لأجل غير مسمى، يشكك في مجمل العملية السياسية وأطرافها ويضع مصداقيتها على المحك.
وأشار إبراهيم إلى أن المخرج والخيار لحالة الاصطكاك (الاضطراب) الحالية هو إدارة حوار مختلف وشامل يستوعب أكبر عدد من المؤمنين بالتحول الديمقراطي ويحل كل القضايا العالقة والبحث عن بدائل أخرى بما في ذلك التفكير خارج الصندوق باقتراح إجراء انتخابات عامة كوسيلة ديمقراطية تلجأ إليها أعتى البلدان.
واستبعد المحلل السياسي خيار المواجهة بين “الدعم السريع” والجيش، أو خيار العودة إلى الشارع لقوى إعلان الحرية والتغيير، لأن الشارع رفض مبكراً التسوية السياسية، وبالتالي فإن “الحرية التغيير” حرقت مراكبها مع الشارع، ولا يمكن أن تعود إليه، كما أن من مصلحة كل القوى المدنية ألا تخسر الفترة الانتقالية لأنها فرصة لن تتكرر، بحسب رأيه.
العربي الجديد