عاش السودان ساعات عصيبة، منذ مساء الأربعاء، عندما بلغ التوتر ذروته بين الجيش السوداني وقوات «الدعم السريع»، حيث لجأ الطرفان إلى التحشيد والتحشيد المضاد عسكرياً، وسط حالة ترقب وحبس أنفاس من تفجر الوضع في أي وقت خلال الأيام المقبلة، فيما سارعت وساطات دولية وإقليمية وداخلية من القوى المدنية والفصائل المسلحة للتحرك العاجل لوقف التصعيد المتبادل وتهدئة الأوضاع قبل تفاقمها.
وتسارعت وتيرة الأحداث أول من أمس (الأربعاء)، عقب إرسال «الدعم السريع» قوات وآليات عسكرية كبيرة إلى مدينة «مروي» شمال البلاد، إلا أن الجيش اعترض هذه القوات ومنع تقدمها من محيط مطار المدينة الدولي. وأبلغت مصادر محلية «الشرق الأوسط» أن الأوضاع في مدينة «مروي» متوترة حتى مساء أمس الخميس، وأن الطرفين في مواقعهما في حالة تأهب قصوى. وكانت تقارير صحافية نقلت عن مصادر عسكرية أن الجيش منح قوات «الدعم السريع» مهلة 24 ساعة، تنتهي بنهاية يوم أمس الخميس للانسحاب فوراً من المدينة.
وأفادت المصادر ذاتها بأن القوة العسكرية لـ«الدعم السريع» لا تزال متمركزة في مواقعها.
ورصد نشطاء في وسائل التواصل الاجتماعي وصول مدرعات وآليات عسكرية تابعة لقوات «الدعم السريع»، التي يقودها نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو الشهير بـ«حميدتي»، من دارفور في طريقها إلى المواقع العسكرية والمقار وسط العاصمة الخرطوم. وأثارت المظاهر العسكرية والحشود التي بدت لافتة للنظر، من جانب الجيش و«الدعم السريع»، حالة من التوجس والقلق الشديدين وسط المواطنين من دخول البلاد في حرب أهلية. وشوهدت قافلة من مركبات تابعة لقوات «الدعم السريع» من بينها شاحنات مدرعة وهي تدخل الخرطوم، وتجوب شوارعها.
ودفع ذلك السفارة الأميركية في الخرطوم إلى إصدار تحذير لرعاياها من السفر إلى الولاية الشمالية، والمناطق المجاورة، ووجهت الموظفين بالسفارة لعدم التنقل خارج العاصمة بمدنها الثلاثة: الخرطوم، الخرطوم بحري، وأم درمان، ومتابعة تحديثات أجهزة الإعلام المحلية بشأن الأوضاع. وقال مصدران عسكريان إن محور خلاف حميدتي مع الجيش هو تردده في تحديد موعد نهائي واضح لدمج قوات «الدعم السريع» في الجيش. وقال المصدران إن الجيش بسبب قلقه من نوايا حميدتي نشر المزيد من الجنود في الخرطوم في حالة تأهب. وقال حميدتي مراراً من قبل في خطابات إنه لا يريد مواجهة مع الجيش، وهي خطوة من شأنها أن تؤدي لانعدام الأمن في أنحاء البلاد لفترة طويلة، في وقت يعاني فيه السودان بالفعل من مشكلات اقتصادية محتدمة وموجات عنف قبلي.
وكان الجيش السوداني حذر، الأربعاء، في بيان حاد اللغة، مما أسماه تزايد المخاطر من قيام قيادة قوات «الدعم السريع» بتحشيد القوات والانتشار داخل العاصمة وبعض المدن. وأوضح البيان أن هذه التحركات تمت دون موافقة قيادة القوات المسلحة أو بالتنسيق معها، ما أثار الهلع والخوف في أوساط المواطنين وفاقم من المخاطر الأمنية، وزاد من التوتر بين القوات النظامية على حد تعبيره. واعتبر البيان إعادة تمركز قوات «الدعم السريع» تجاوزاً للقانون، ومخالفة لتوجيهات اللجان الأمنية المركزية والولائية، وأن استمرارها سيؤدي إلى المزيد من الانقسامات والتوترات التي تقود إلى انفراط عقد الأمن في البلاد. وكانت قوات «الدعم السريع» أشارت، في بيان، إلى أن وجودها في الولاية الشمالية، وفي مدينة «مروي» على وجهة التحديد، يندرج في إطار وجودها في بقية الولايات، وفي إطار تأدية مهامها وواجباتها التي تمتد حتى الصحراء.
وأكد البيان أن قوات «الدعم السريع» تعمل بتنسيق وتناغم تام في تحركاتها مع قيادة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى.
وقال دبلوماسي رفيع المستوى لـ«الشرق الأوسط» إن الآلية الرباعية، التي تضم السعودية وأميركا والإمارات وبريطانيا، تواصل مساعيها للتهدئة وتقليل التوتر بين الأطراف السودانية.
وأضاف الدبلوماسي: «نعمل على إقناع كافة الأطراف العسكرية والمدنية بالالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق الإطاري وإنجاز العملية السياسية الحالية بالتوقيع على الاتفاق السياسي النهائي للخروج من الأزمة في البلاد».
وأعلنت مصادر سياسية أن عدداً من السفراء الغربيين وسفراء دول عربية شرعوا في التحرك للوساطة بين الجيش و«الدعم السريع»، مشيرة إلى أن هذه التحركات تتم بالتنسيق والتعاون مع الآلية الثلاثية، المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة التنمية الحكومية «إيقاد».
وأفادت المصادر ذاتها بأن من المتوقع أن يجري ممثلو الآلية الثلاثية: الممثل الأممي فولكر بيرتس، ومبعوث الاتحاد الأفريقي محمد بلعيش، وممثل «إيقاد» إسماعيل وايس، اتصالات مباشرة برئيس المجلس السيادي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»، لتهدئة الأوضاع قبل أن تتفاقم. وقالت المصادر إن حل الخلاف الحالي بين الجيش و«الدعم السريع» يجب أن يتم من خلال التفاوض والنقاش، ومن خلال حسم ملف الإصلاح الأمني والعسكري، مضيفة أن هناك مساعي من جهات عديدة لتجاوز هذه الأزمة.
وعلى صعيد التحركات الداخلية لحل الأزمة، ترأس رئيس «حزب الأمة القومي» المكلف، فضل الله برمة ناصر، اجتماعاً في منزله بالخرطوم، ضم عدداً من أحزاب قوى «الحرية والتغيير – مجموعة المجلس المركزي»، ومجموعة «الحرية التغيير – الكتلة الديمقراطية»، وبعض القوى السياسية المعارضة للاتفاق السياسي الإطاري.
واتفق المجتمعون على تكوين لجنة من قدامى المحاربين في الجيش، وممثلين آخرين عن القوى السياسية، برئاسة برمة ناصر، ومن المقرر أن تلتقي رئيس مجلس السيادة قائد الجيش عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي». وكان «حزب الأمة القومي» وصف الوضع الأمني بأنه قريب من «الانزلاق»، داعياً إلى تجميد كل فعل أو قول عسكري. وأشار إلى أن بيانات الجيش و«الدعم السريع» والاحتقان والتحشيد ولغة التحدي والتحركات العسكرية وصلت إلى مرحلة ما قبل إطلاق الطلقة الأولى. ودخل رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله حمدوك، على خط الوساطة بين البرهان و«حميدتي»، حسب وسائل اعلام عربية بينها قناة «الشرق».
من ناحية ثانية، أجرى قادة الفصائل المسلحة الموقعة على اتفاقية «جوبا للسلام» اتصالات مكثفة بالقيادات العليا للقوات المسلحة وقوات «الدعم السريع».
وذكر بيان ممهور بأسماء القادة، وهم مالك عقار وجبريل إبراهيم ومني أركو مناوي، أن هذه التحركات تهدف لنزع فتيل الأزمة الأمنية التي تكاد تودي بالبلاد إلى الهلاك. وأشار البيان إلى وجود تجاوب من الجانبين، داعياً قيادة الجيش و«الدعم السريع» للتحلي بالروح الوطنية وتقديم تنازلات لحقن الدماء، وتحقيق الوفاق الوطني الشامل.
وأكد قادة الفصائل مواصلة جهودهم دون كلل، وأنهم سيطلعون الشعب السوداني على كل المستجدات في هذه القضية.
ومن جانبه، أطلق رئيس «حزب الأمة» – فصيل مبارك الفاضل المهدي – نداءً عاجلاً لتدارك المواجهة العسكرية بين القوات المسلحة و«الدعم السريع».
وذكر في بيان أن عدداً من القيادات السياسية عقدت سلسلة من الاجتماعات اتفق فيها الرأي على أن أساس المواجهة العسكرية هو الخلاف السياسي على إدارة الفترة الانتقالية، وعليه اتفق الرأي على تأسيس منصة وطنية لإدارة حوار بين الفرقاء السياسيين.
ودعا مبارك قيادة «حزب الأمة القومي» وحلفاءه من أحزاب قوى «الحرية والتغيير» في المجلس المركزي لنزع فتيل المواجهة العسكرية، وإقامة حوار سوداني – سوداني يتم من خلاله التوافق على إدارة البلاد.
وعلمت «الشرق الأوسط»، من مصادر متطابقة، أن «التوتر» الحالي بين الجيش والدعم السريع يعود إلى وجود مقاتلات من سلاح الجوي المصري في مطار مروي، وأن قادة «الدعم السريع» يرون فيها تهديداً.
ووفقاً للمصادر، فإن قادة «الدعم السريع» عبروا عن هذه مخاوفهم خلال اجتماع سابق، بشأن حل مشكلة القيادة والسيطرة للجيش الموحد. وأفلحت «قوى إعلان الحرية والتغيير» في جمع كل من البرهان و«حميدتي» وقادة أركان الطرفين، السبت الماضي، بعد قطيعة طويلة. وأكدت المصادر أن «حميدتي» أبلغ الاجتماع بمخاوفه، وبرغبته في تحريك قوات إلى مروي من أجل الحماية. ووفق المصادر، فإن البرهان تعهّد بسحب المقاتلات المصرية، على أن يجتمع الطرفان، اليوم التالي؛ الأحد، لكن البرهان والجيش لم يحضرا الاجتماع ما عدّه «حميدتي» عدم التزام من قيادة الجيش، ومن ثم أصدر الأوامر لقواته بالتحرك إلى مروي (شمال السودان) ودخول الخرطوم. وقالت المصادر إن الرباعية الدولية (أميركا، السعودية، بريطانيا، الإمارات) فشلت في جمع الرجلين، لأن البرهان لم يحضر الاجتماع المقرر. وينتظر أن تعقد الرباعية سلسلة اجتماعات مع البرهان و»حميدتي»، كل على حدة، لتليين المواقف ووقف التوتر.
وفي السياق، اتهم خالد عمر يوسف، المتحدث باسم العملية السياسية في السودان، الخميس، من أسماهم بـ«بقايا الجبهة الإسلامية القومية» بالسعي لتدمير العملية السياسية عبر «الوقيعة» بين الجيش وقوات «الدعم السريع»، وبين المدنيين والعسكريين. واتهم يوسف في منشور على «فيسبوك» بقايا «الجبهة الإسلامية القومية» بالترويج لخيارات الحرب كبديل للحل السياسي والمزايدة على قضية الجيش الواحد. وأكد المتحدث أن مساعي الجبهة الإسلامية للعودة إلى السلطة «لن تنجح»، مشدداً على أن «البلاد حرة ولن تقبل الخضوع لاستبدادكم قط».
ويأتي التصعيد الحالي بين الجيش و«الدعم السريع» في إطار تداعيات الخلافات الحادة بينهما حول دمج القوات العسكرية في الإصلاح الأمني والعسكري الذي تسبب في تأجيل التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي أكثر من مرة. ويتمسك الجيش بوضع قوات «الدعم السريع» تحت سلطة القائد الأعلى للجيش، وهو ما ترفضه قيادة «الدعم السريع»، وتتمسك بتبعيتها مباشرة لرئيس الدولة المدني، وفق ما تم الاتفاق عليه في التفاهمات الأولى بين العسكريين والمدنيين، والتي أسست عليها العملية السياسية الجارية حالياً في البلاد. وتؤخر الخلافات بين الجيش و«الدعم السريع» بشأن هيكلة القيادة التوقيع على الاتفاق النهائي، الذي من المقرر أن يتضمن توصيات الإصلاح الأمني والعسكري ومسودة الدستوري الانتقالي، الذي يعقبه تشكيل السلطة المدنية.
وكان من المقرر التوقيع على الاتفاق السياسي النهائي في الأول من أبريل (نيسان) الحالي، وتم تأجيله إلى 6 من الشهر ذاته، لكن الخلافات بين العسكريين حول الإصلاح الأمني حالت دون التوقيع عليه. وتسود حالة من التوجس والقلق الشارع في ظل تناقل ورصد وسائل التواصل الاجتماعي صوراً وفيديوهات تظهر آليات عسكرية ضخمة تنقل مدرعات، وسيارات دفع رباعي تحمل عشرات الجنود في شوارع الخرطوم.
الشرق الأوسط