وجّهت محكمة أميركية، أمس، لائحة اتّهام إلى عنصر في الحرس الوطني بولاية ماساتشوستس يبلغ 21 عاماً على خلفية تسريب مجموعة من الوثائق الاستخبارية السرية.
ويأتي مثول جاك تيكسيرا أمام المحكمة الفيدرالية غداة توقيفه، الخميس، بعد تحقيق استمر أسبوعاً في واحدة من أكبر قضايا تسريب الوثائق الأميركية. ووجّهت إليه أثناء جلسة الاستماع القصيرة في بوسطن تهما، من بينها «تخزين ونقل معلومات متعلّقة بالدفاع الوطني من دون تصريح» و«سحب وتخزين وثائق أو مواد سرّية من دون تصريح». ولم يُطلب من تيكسيرا، الذي يواجه عقوبة سجن تتراوح بين 10 و15 عاما، الإدلاء بأيّ أقوال. وتقرّر توقيفه في انتظار جلسة الاستماع المقرّرة الأربعاء المقبل.
وألقت السلطات القبض على تيكسيرا الخميس بعد الاشتباه به في تسريب وثائق عسكرية توصف بأنها «سريّة للغاية» حول حرب أوكرانيا، وغيرها من قضايا الأمن القومي في الولايات المتحدة، في خرق أقلق المسؤولين الأميركيين على أرفع المستويات، بما في ذلك الرئيس جو بايدن، وأثار أسئلة جديدة حول قدرة أميركا على حماية أسرارها الأكثر حساسية.
واجتاح عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي» الذين كانوا يرتدون دروعاً واقية ويحملون بنادق منزل عائلة تيكسيرا في شمال دايتون بولاية ماساتشوستس،.
واعتقلوا الشاب المتخصص في تكنولوجيا المعلومات من دون وقوع أي حادث، بتهم نقل غير مسموح به لمعلومات سريّة عن الدفاع الوطني، وهي جريمة يعاقب عليها بموجب قانون التجسس، طبقاً لما قاله وزير العدل الأميركي ميريك غارلاند في تصريحات مقتضبة في واشنطن العاصمة.
وأظهر مقطع فيديو التقطته مروحيات إخبارية كانت تحلق فوق منزل العائلة، تيكسيرا شابكاً يديه خلف رأسه تحت رقابة عناصر تنفيذ القانون،.
قبل أن يُقتاد بعيداً وهو يرتدي سروالاً رياضياً قصيراً وقميصاً. ولم يعلن غارلاند أي دافع محتمل وراء عملية التسريب التي هزّت إدارة الرئيس جو بايدن، وأربكت علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها.
غير أن روايات شركاء تيكسيرا في مجموعة الدردشة الخاصة عبر منصة «ديسكورد» للتواصل الاجتماعي توحي بأن دافعه كان التبجح أكثر من من كونه أيديولوجياً.
ولكن التسريب كشف أيضاً أن واشنطن تتجسس على حلفائها، وبينهم إسرائيل وكوريا الجنوبية وتركيا. وتعدّ هذه واحدة من القضايا المحرجة للغاية لإدارة الرئيس بايدن، الذي عبر عن «قلقه» من هذا الانتهاك.
الاعتقال لحظة محورية
وبينما كانت عملية الاعتقال لحظة محورية في التحقيقات الجنائية الجارية حول أكبر تسريب استخباري تشهده الولايات المتحدة منذ سنوات،.
كان الجيش ووزارة العدل لا يزالان يدققان في كيفية انتشار الأسرار الحكومية الحساسة من غرفة الدردشة التي تضم ما بين 20 و30 شخصاً إلى كل أنحاء العالم،.
وسط تساؤلات أوسع حول كيفية حصول «انتهاك خطير» أكدت وزارة الدفاع «البنتاغون» أنه شكل «خطراً جسيماً للغاية على الأمن القومي»، على يد شاب برتبة منخفضة في جهاز أمني أميركي.
وقال الناطق باسم «البنتاغون» الجنرال باتريك رايدر: «نحن نوكل عناصرنا بالكثير من المسؤولية في سن مبكرة للغاية. فكروا في رقيب شاب مقاتل، فالمسؤولية والثقة التي نضعها في هؤلاء هي قيادة القوات في القتال».
وكان تيكسيرا مسؤولاً عن شبكات الاتصالات العسكرية، بما في ذلك نقاط الاتصال، وفقاً لما نقلته وكالة «أسوشيتد برس» عن مسؤول دفاعي طلب عدم نشر اسمه لمناقشة أمور حساسة، ما يعني أن تيكسيرا حصل على مستوى أعلى من التصريح الأمني، لأنه كان مكلفاً أيضاً بمسؤولية ضمان حماية شبكات الاتصال.
بعد ساعات من توقيف تيكسيرا، أصدر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الجمهوري مايك تيرنر بياناً تعهد فيه «فحص سبب حدوث ذلك، وسبب عدم ملاحظته لأسابيع، وكيفية منع التسريبات المستقبلية».
أمام المحكمة
ومثل تيكسيرا أمام المحكمة للمرة الأولى في ماساتشوستس الجمعة، كما يمكن أن يواجه اتهامات في محكمة عسكرية. ولم يفصح وزير العدل الأميركي ما إذا كانت السلطات ستتعقب أشخاصاً آخرين في هذه القضية.
وتضم الوثائق السريّة – التي لم توثق بشكل فردي من المسؤولين الأميركيين – شرائح إحاطات عن المواقف العسكرية الأوكرانية وتقييمات الدعم الدولي لأوكرانيا وغيرها من الموضوعات الحساسة،.
بما في ذلك الظروف التي يمكن أن يستخدم فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأسلحة النووية. ولا يوجد جواب واضح حول عدد المستندات التي سربت. غير أن بعض التقديرات تضع العدد الإجمالي بالمئات.
خطورة التسريبات
ويُعتقد أن هذا الخرق هو الأخطر منذ ظهور أكثر من 700 ألف وثيقة ومقطع فيديو وبرقية دبلوماسية على موقع «ويكيليكس» في عام 2010.
، علماً بأن التسريبات التي كشفتها تشيلسي مانينغ، التي كانت تعمل محللة استخبارات في الجيش الأميركي عام 2013، لا تزال تعد أكبر عملية تسريب معروفة لمواد حساسة تابعة للحكومة الأميركية.
وردا على ذلك، أنشأت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما برنامج «إنسايدر ثريت»، الذي يلزم الأجهزة الأميركية تعزيز تدابير الحماية من عمليات الكشف غير المصرح بها،.
بما في ذلك المراقبة والتدقيق الروتيني لشبكات الكومبيوتر السرية «لاكتشاف ومراقبة وتحليل أي سلوك غير طبيعي للمستخدمين ورصد مؤشرات سوء الاستخدام».
وكان كل من موقع «بيلينكات» الاستقصائي وصحيفة «نيويورك تايمز» أول من حدد تيكسيرا علناً كشخص مشتبه فيه، قبل دقائق من تأكيد المسؤولين الفيدراليين أنه كان موضع اهتمام في التحقيق. وأبلغوا عن تتبع ملفات تعريف على مواقع أخرى أكثر غموضاً مرتبطة بتيكسيرا.
وفي البداية، جرى تحديد المسرب باسم «أو جي» المختصر لأسم «أورغانو غولد» المستعار ضمن مجموعة الدردشة المسماة «ثاغ شايكر سنترال».
وكانوا جميعاً يتحدثون عن أنواع الأسلحة المفضلة لديهم، كما تشاركوا النكات العنصرية. وأجرت المجموعة مناقشة مستمرة عن الحروب،.
بما فيها غزو روسيا لأوكرانيا. وأعلنت منصة «ديسكورد» أنها تتعاون مع سلطات تنفيذ القانون. وقال وزير الدفاع لويد أوستن بعد اعتقال تيكسيرا، إن البنتاغون سيجري مراجعة لـ«إجراءات الوصول إلى المعلومات الاستخبارية والمساءلة والرقابة» لمنع حدوث مثل هذا التسريب مرة أخرى.
توازن صعب
وكشف التسريب الأخير إشكالية تتعلق بعمل الاستخبارات، إذ إن حماية المعلومات السرية تتطلب الحد من مشاركتها، إلا أن التحسب لأخطار على غرار هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 يتطلب مشاركتها.
ويمثل حفظ التوازن بين المطلبين تحدياً محوريا للرئيس الأميركي، إذ تسعى إدارته إلى منع التسريبات وفي الوقت نفسه حماية أمن الولايات المتحدة وضمان أن يستمر الحلفاء الذين يخشون من التعرض للمخاطر في تبادل المعلومات الاستخبارية.
وعادت المعضلة إلى الواجهة من جديد في أعقاب اعتقال تيكسيرا على خلفية التسريب الأخير لعشرات الوثائق البالغة السرية، التي يُقال إنها تكشف تفاصيل حساسة تتراوح بين كشف نقاط الضعف العسكرية لدى جيش أوكرانيا ومعلومات عن حلفاء الولايات المتحدة.
ولا يوجد سوى طرق قليلة يمكن من خلالها الوصول إلى المعلومات السرية التي سربت. وعادة ما تشارك المعلومات إلكترونياً في الإيجازات السرية التي تحتوي على شرائح مثل تلك التي وضعت على «ديسكورد».
ويمكن القيام بذلك إما من خلال محطات كومبيوتر آمنة، حيث يحصل المستخدمون على إمكانية الوصول بناء على بيانات اعتمادهم أو من خلال الأجهزة اللوحية التي توزع للحصول على إحاطات وتجمع لاحقاً.
وإذا كانت الشرائح بحاجة إلى طباعة، فلا يمكن إرسالها إلا إلى طابعات مؤمنة قادرة على التعامل مع المستندات المصنفة سريّة – والتي تحتفظ بسجل رقمي لكل من طلب نسخة مطبوعة.
أما بالنسبة لأولئك الذين لديهم تصريح أمني، فإن تعاملهم مع المواد السرية يعتمد إلى حد كبير على التدريب والثقة في أنهم سيحمون المعلومات.