إبراهيم شقلاوي: السودان : مواجهة جديدة حول مجاعة محتملة .
وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
يدخل السودان في جولة جديدة من المواجهة مع المجتمع الدولي ، حيث يستعد مجلس الأمن لعقد جلسة غدا الأثنين لمناقشة قضية المجاعة المحتملة في البلاد . تأتي هذه الخطوة وسط تصاعد التوترات بين السودان والمنظمات الدولية التي تتهمها الخرطوم بمحاولة استغلال أزمة الغذاء كوسيلة ضغط سياسي ، بينما تؤكد الحكومة امتلاكها الإمكانيات الزراعية الجيدة القادرة على تحقيق الأمن الغذائي في البلاد .
في هذا السياق تتداخل أبعاد سياسية واقتصادية تعكس صمود البلاد أمام محاولات الضغط الدولي المتجددة . من المعلوم أن الزراعة واحدة من الركائز الأساسية التي يُعوَّل عليها السودان لإثبات قدرته على تجاوز الأزمات الغذائية وتقديم نموذج لدولة تعتمد على مواردها الذاتية . وقد استندت الحكومة السودانية وفق تصريحات وزير الزراعة والغابات د. أبو بكر عمر البشرى ، أول أمس حسب وكالة السودان للأنباء، إلى أرقام تؤكد أن السودان يمتلك إمكانيات زراعية هائلة تجعل حدوث مجاعة أمرًا غير واقعي .
إذ إن السودان يضم حوالي 172 مليون فدان صالحة للزراعة ، بالإضافة إلى 18 مليار متر مكعب من مياه النيل و7 مليارات متر مكعب من المياه الموسمية ، وهي موارد كفيلة بتلبية احتياجات السكان وتعزيز الأمن الغذائي ، خاصة مع توقع إنتاج خلال هذا الموسم الزراعي يتراوح بين 6 إلى 7 ملايين طن من الحبوب والمحاصيل .
في مواجهة هذه الاتهامات الدولية ، شدد رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان خلال خطاب ذكرى الاستقلال الـ69 على أن السودان قادر على الصمود أمام أي محاولة لتصويره كدولة عاجزة عن تأمين احتياجات شعبها . عليه فإن حديث البرهان يُعد إشارة واضحة إلى قدرة البلاد على تجاوز الأزمة عبر إمكانياتها الذاتية ، مؤكدًا أن السودان بما يمتلكه من موارد طبيعية وزراعية ، يستطيع ليس فقط مواجهة أزماته الحالية ، بل أيضًا تقديم حلول إقليمية للأمن الغذائي .
كما نفت أيضًا الخارجية السودانية في بيان مطلع الأسبوع وجود مجاعة بالبلاد ، وقالت إن تلك التقارير تهدف للتدخل في شؤون السودان . الواضح أن بعض المنظمات الإقليمية والدولية تعمل على الترويج لمزاعم المجاعة كجزء من أجندة تهدف إلى الضغط على الحكومة للدخول في مفاوضات مع “مليشيا الدعم السريع” وداعميها المحليين والإقليميين. ويبدو أن توقيت هذه التحركات يتزامن مع تقدم العمليات العسكرية للجيش السوداني في عدد من المحاور .
رغم انسحاب السودان من لجنة المجاعة التي اتهمها الوزير بأنها قدَّمت تقريرًا مغايرًا عن الذي أعدته بالتنسيق مع الفريق الفني للحكومة السودانية، مشيرًا إلى أن التقرير الجديد تم فيه تضخيم الأرقام وتغييرها إلى أرقام كبيرة جدًا . واعتبر الهدف من ذلك إقناع المانحين بتمويلهم ، ولكن بالتأكيد ليس على “حساب سيادة دولتنا ولا على حساب زعزعة الأمن في بلادنا”.
وأكدت الحكومة أنها ترحب بالمساعدات الإنسانية من الدول الصديقة والشقيقة ، لكنها ترفض أي محاولات لاستغلال الأزمة لفرض تدخلات أجنبية . كما أن المساعدات يمكن أن تصل إلى المتضررين من الحرب دون الحاجة إلى تضخيم الأزمة أو انتهاك سيادة الدولة . عليه وفي ظل الأمطار الجيدة وتوزيعها الملائم ، تبدي الحكومة تفاؤلًا كبيرًا بمستوى الإنتاج الزراعي لهذا الموسم. كما تُجري منظمة “الفاو” بالتعاون مع السودان دراسة لتقييم الإنتاج، ومن المتوقع أن تعلن نتائجها منتصف يناير .
من المعلوم أن السودان، بطبيعته الزراعية الغنية، يعتمد على مجموعة من المحاصيل التي تشكل غذاءً رئيسيًا للسكان ، من أبرزها : حبوب الذرة والدخن، التي تُعد العمود الفقري للأمن الغذائي في السودان . بجانب القمح الذي يعد محصول استراتيجي يتم التركيز عليه في الموسم الشتوي . بالإضافة الي السمسم والفول السوداني .
كذلك من الواضح أن هناك جانبًا سياسيًا للأزمة ، يبرز من خلال تصاعد الاتهامات الدولية بشأن اتساع نطاق المجاعة ، مدفوعة بتقارير مثل تقرير “المرصد العالمي للجوع”، الذي أشار إلى أن المجاعة قد تتسع لتشمل خمس مناطق إضافية . هذه الاتهامات التي وصفها مراقبين بأنها “مبالغ فيها” تحمل في طياتها أبعادًا سياسية تهدف إلى الضغط على الحكومة لإضعاف موقفها .
على الجانب الآخر تتخذ الحكومة السودانية خطوات عملية لدحض هذه الاتهامات من خلال تعزيز الإنتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي . من أبرز الأمثلة على ذلك مشروع “موسم الكرامة” في الولاية الشمالية ، الذي يستهدف توفير مدخلات الإنتاج مثل التقاوي والأسمدة، والري وتحسين البنية التحتية الزراعية إلى جانب مساحة زراعية واسعة في الولايات الآمنة ضمنها ولاية الخرطوم والجزيرة والقضارف ظلت تساهم في تامين الغذاء للسودانيين .
هذه الجهود تمثل رسالة واضحة بأن السودان رغم التحديات يمتلك رؤية وخططًا قادرة على تجاوز الأزمة الحالية ، فإن رسالة السودان للعالم ، في ظل التصعيد السياسي حول قضية المجاعة ، تتمثل في التأكيد على قدرته على الاعتماد على موارده الطبيعية ومواجهة التحديات بوسائل إنتاجية فاعلة . هذا الواقع يشير إلى أن هذه الاتهامات ، رغم خطورتها لن تنجح في زعزعة موقف البلاد إذا ما استمرت الحكومة في تقديم الدعم للمزارعين ومبادرات دعم الزراعة والأمن الغذائي بجانب توفير السيولة النقدية خاصة لمزارعي القضارف .
لذلك وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة ، يبدو أن السودان يقف على أعتاب مرحلة جديدة من الصراع بين الحفاظ على سيادته الوطنية والضغوط الدولية . بينما تحاول بعض الأطراف الدولية استخدام قضية المجاعة كوسيلة للابتزاز ، يظل السودان قادرًا على تجاوز هذه المرحلة بالاعتماد على قدراته الذاتية وخططه الاستراتيجية . وبذلك، تبقى الزراعة سلاحًا سياسيًا واقتصاديًا في يد السودان لتحقيق الاستقرار وإستعادة الأمن .
دمتم بخير وعافية