اتفاق المبادئ بين الخرطوم والحركة الشعبية.. مخاوف الحلو

0

تقرير: اسفير نيوز: الجزيرة : احمد فضل

مخاوف النكوص وحدها هي ما جعل الحركة الشعبية-شمال في السودان تصر على أن يكون اتفاق المبادئ بتوقيع رأس الدولة، كسابقة نادرة في اتفاقات المبادئ التي وقعتها الحكومة المركزية مع حركات التمرد.

وطبقاً لقائد بارز في الحركة الشعبية، فإن ذاكرتهم تحتشد بالكثير من حوادث نكوص الحكومات المركزية عن اتفاقات مشابهة وقع عليها مسؤولون حكوميون دون رأس الدولة، مما سهل التراجع عنها.

وفي 28 يونيو2011 وتحت ضغوط من جماعات متشددة، ألغى الرئيس المعزول عمر البشير ما اصطلح عليه باسم اتفاق “نافع/عقار” الموقع بأديس أبابا برعاية الاتحاد الأفريقي.

وحتى بعد الثورة، نقض تصريح لعضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين كباشي اتفاقاً مشتركاً بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك ورئيس الحركة عبد العزيز الحلو في سبتمبر 2020، يتضمن مبدأ فصل الدين عن الدولة في الدستور، حين قال إن “اتفاق حمدوك والحلو عطاء من لا يملك لمن لا يستحق”.

سابقة مهمة

ويقول محمد يوسف مصطفى رئيس الحركة الشعبية-شمال في المناطق خارج سيطرة الحركة، إنه لأول مرة يوقع إعلان مبادئ من أعلى مستويات الطرفين.ووقع رئيس مجلس السيادة الانتقالي بالسودان عبد الفتاح البرهان وقائد الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو أمس الأحد إعلان مبادئ تمهيداً لمفاوضات السلام.

ويشير مصطفى إلى أن اتفاقات المبادئ في ميشاكوس والدوحة وأبوجا، وحتى في اتفاق جوبا في أكتوبر الماضي، لم تمهر بتوقيع مماثل لمستوى إعلان المبادئ بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية-شمال.

ويتابع “هذه سابقة مهمة لما لها من تبعات دستورية. كما أن الاتفاق تضمن شهوداً مهمين، على رأسهم رئيس دولة جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وديفيد بيزلي المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي أكبر مكونات الأمم المتحدة، التي تم تحويلها لأداة لصناعة السلام بدلاً عن الإغاثة”.

وقد أثار وجود بيزلي في مشهد المباحثات بين الحكومة والحركة الشعبية-شمال الكثير من التساؤلات منذ ظهوره على منصة جمعت الحلو وحمدوك في كاودا، المعقل الرئيسي والمحصن للحركة في جبال النوبة بولاية جنوب كردفان.

قائمة تنازلات

منذ بدء المفاوضات مع الحركة الشعبية-شمال، عمدت دائما لإثارة قضايا العلمانية وفصل الدين عن الدولة، وهي قضايا بالغة حساسية وكانت دوماً تثير حفيظة الجماعات المحافظة وتقطع الطريق أمام استمرار المفاوضات بين الحكومة والحركة، فضلاً عن إصرار الأخيرة على الاحتفاظ بجيشها وعلى طرح خيار حق تقرير المصير، الذي بدوره يثير حفيظة السودانيين من واقع انفصال جنوب السودان عقب استفتاء على تقرير المصير في يوليو2011.

ويؤكد القيادي في الحركة محمدين عمر للجزيرة نت أن اتفاق المبادئ نص على عدم استغلال الدين في السياسة، وأن لا يكون هناك دين رسمي للدولة، وهو ما يؤسس لعلمانية “كاملة الدسم” لكل السودان. و”طالما تم النص على إثبات فصل الدين عن الدولة في الاتفاق، فيفهم أنه لا داعي لتقرير المصير”.

ونص الاتفاق في بنده الرابع على “تأسيس دولة مدنية ديمقراطية فدرالية في السودان، تضمن حرية الدين والممارسات الدينية والعبادة لكل الشعب السوداني، وذلك بفصل الهويات الثقافية والإثنية والدينية والجهوية عن الدولة، وأن لا تفرض الدولة ديناً على أي شخص، وأن لا تتبنى الدولة ديناً رسميا”.

البند الغائب

من الملاحظ أن اتفاق المبادئ غابت عنه أية إشارة إلى حق تقرير المصير أو الحكم الذاتي، مع الإشارة إلى الفدرالية التي يقرها الدستور السوداني.

وطبقا لمحمد يوسف مصطفى، فإن الاتفاق أقر اللامركزية بوصفها نظاماً للحكم والإدارة، بما يضمن إقامة حكم لامركزي حقيقي السلطات فيه للسودانيين في الأقاليم، وهم سيقررون وحدهم أية السلطات التي سيتنازلون عنها للحكومة المركزية بالخرطوم.

ويتابع “الأقاليم وحدها لها كامل السيطرة على مواردها، وبموجب الاتفاق ستحدد المبالغ التي ستحول للحكومة المركزية بما يكفي سلطتها المحدودة والخدمات والبنى التحتية”. ويضيف “الآن الأموال تشفط من الأقاليم للخرطوم، لكن الثروات في الأقاليم، ويجب أن تبقى هناك”.ورغم توقيع اتفاق المبادئ، فإن مخاوف التفاوض لا تزال تسيطر على الحركة، وهو ما يعبر عنه محمدين عمر بقوله “أمنيتنا ألا تكون التفاصيل عائقاً لتحقيق السلام، لا بد أن يمضي الجميع نحو إحداث تغيير جذري في بنية الدولة السودانية”.

أصوات معارضة

ورغم خفوت الأصوات المعارضة لاتفاق المبادئ الأخير مقارنة باتفاق “نافع/عقار” في 2011 واتفاق حمدوك والحلو العام الماضي، فإن المخاوف لا تزال تسيطر على الأحزاب ذات الصبغة الإسلامية، وقد حذر حزب المؤتمر الشعبي في بيان من أية محاولةِ لإقصاء الدين عن الحياة العامة يمكن أن تقود لتمزق اجتماعي وإفساد الحياة العامة.

وقال الحزب الذي أسسه الراحل حسن الترابي إن “اتخاذَ أي قرار في شأن يتعلق بهوية وقيم ومعتقد الناس لا يمكن الفصل فيه بقرارات فوقية، دون اعتبار لرأيهم انتخاباً أو استفتاء كما تقتضي قواعد الحكم المدني الديمقراطي وعبر مؤسسات منتخبة، وإنّ أي تجاوز لهذه الخطوات مرفوض ولا يمكن قبوله”.

وشدد البيان على أن الإسلام يمثل هوية الغالبية العظمى من الشعب السوداني، ولا يمكن عزله عن حياة الناس الخاصة أو الفضاء العام.

ويتوقع أن تهاجم بعض منابر صلاة الجمعة اتفاق المبادئ الذي وقع عليه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان ورئيس الحركة الشعبية-شمال عبد العزيز الحلو.

مصير الجيش

وفيما يتعلق بالجيش، فقد نص اتفاق المبادئ على أن “يكون للسودان جيش قومي مهني واحد، يعمل وفق عقيدة عسكرية موحدة جديدة، ويلتزم بحماية الأمن الوطني وفق الدستور، ويجب أن تعكس المؤسسات الأمنية التنوع والتعدد السوداني، وأن يكون ولاؤها للوطن وليس لحزب أو جماعة أو جهة”.

ويقول القيادي في الحركة محمد يوسف مصطفى إن اتفاق المبادئ ضمن قيام جيش قومي موحد ملتزم بالدستور، هو ما يكبح جماح العصابات المسلحة الإجرامية وعدم الاعتراف بأية تشكيلة خارج الجيش الحكومي.

ويرى أن ذلك يمهد لإعادة هيلكة الجيش ليكون حامياً للمواطن، وليس كما كان طيلة العقود الماضية مصدراً لإرهاب وقتال المواطنين السودانيين، حسب قوله.

ووفقاً للاتفاق، سيتفق الطرفان على وقف دائم لإطلاق النار ضمن اتفاق الترتيبات الأمنية كجزء من التسوية الشاملة للنزاع في السودان، وعليه ينتظر اكتمال دمج جيش الحركة في الجيش الحكومي بنهاية الفترة الانتقالية.

وتقود الحركة الشعبية-شمال تمرداً في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق منذ يونيو2011، وفشلت أكثر من 10 جولات تفاوضية بينها وبين النظام السابق في التوصل لاتفاق سلام.

اترك رد