المقينص ترقد على برميل بارود.. والمواطن في فوهة بركان
المقينص : إسفير نيوز
فصيل جنوبي مسلح معارض يتخذ من قلب المدينة مقراً لمعسكر بالدبابات والراجمات ومختلف الأسلحة
امرأة: قطعنا 40 كيلو مترا سيراً على الأقدام ونحمل أطفالنا على أكتافنا
العمدة أحمد حاج النور: قوات المعارضة داخل المدينة تمتلك من العتاد ما يبيد ولاية النيل الأبيض
العمدة الصادق: مافعلته حكومتنا بجلب المعارضة تضررنا منه ضرراً بالغاً وصل مرحلة قتل أولادنا
معتمد: ما حل بمواطن المقينص محنة وكارثة ألمت بنساء، أطفال صغار وعجزة ومسنين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء
حالة من الذعر والخوف ماتزال تنتاب أهالي مدينة المقينص الحدودية مع دولة جنوب السودان التابعة لمحلية السلام بولاية النيل الأبيض جراء وجود فصيل مسلح معارض لحكومة جنوب السودان الذي يتخذ من المدينة معسكراً لقواته المسلحة بكل ما تملك من عتاد ودبابات وراجمات وجميع الأسلحة الثقيلة في قلب المدينة، حيث إنه أصبح يشكل هاجساً كبيراً للمواطنين هناك حتى تفجرت الأوضاع بمقتل ثلاثة أشخاص عزل من بينهم امرأة بعد أن صوب هذا الفصيل المتمرد سلاحه الثقيل عليهم وأودى بحياتهم في الحال مما سبب الذعر وأدى إلى نزوح أهالي المنطقة متخذين من الأشجار مأوى لهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في وضع إنساني مأساوي خطير، حيث إن هؤلاء رجالا ونساء وأطفالاً قطعوا المسافات هربا من وقع الدانات التي كانت تطلق عليهم من قوة خارجة عن القانون ووجودها بات يمثل خطرا كبيراً وهو ما جعل الأهالي يستغيثون ويطالبون بإخراجها الفوري وإبعادها من المدينة.
(1)
التومة الحسن عجبة بولاد تبلغ من العمر 80 عاماً هجمت عليها القوة الجنوبية المتمردة لأخذ أطفالها تحت تهديد السلاح، سردت لنا تفاصيل حزينة بعد أن ذرفت الدموع وجدناها وبناتها وأطفالهن في العراء تحت الأشجار في منطقة رهيد الفيل، حيث تنعدم فيها سبل الحياة عدا أشواك الأشجار التي تحيط بهم.. التومة أكدت أنهم قطعوا مسافة 40 كليو سيراً على الأقدام لفترة امتدت تسع ساعات في ليل مظلم عانوا فيها من مخاطر الطريق بسبب الرصاص الذي أطلقته قوات ال”دي سي” التي توجد في منطقة المقينص الآن وقالت نحن خرجنا نحمل أطفالنا على أكتافنا بعد داهمنا الجنوبيون المسلحون وبعد أن طلبوا منا الذهاب معهم للمعسكر وابني رفض ذلك وتشاجر معهم وحينها تدخلت وقلت لهم “انتو ماعندكم أم ولا خالة”، تقتادونا ونحن نساء بأطفالنا إلى المعسكر وسيموتون بسبب الجوع والعطش وأثناء الحديث هربنا الأطفال والبنات الصغار وأخفيناهم عنهم حتى خرجوا وجلسنا معهم نحن النساء الكبار وعندما علموا بهروبهم وضعوا البندقية على رؤوسنا وبعد تركونا دخلنا نحبوا على أقدامنا و٩ ساعات مشيناها سيرا على الأقدام وقطعنا مسافة ٤٠ كيلو متراً والآن وصلنا لمنطقة العكف ولم نجد ما نجلس عليه سوى أشواك الأشجار بأطفالنا الصغار نواجه البرد والحر وبعدها احتجزوا رجالنا ولم يتركوهم ليلحقوا بنا وفي الأخير خرجنا بعناية الله.
(2)
وكشف أهالي المقينص أن قوات “ الدي سي ” DC ” بقيادة معارض جنوبي يدعى أولنج هي إحدى المجموعات الجنوبية المعارضة لحكومة سلفاكير وظلت هذه القوات لسنين عددا داخل الأراضي السودانية محلية السلام ولاية النيل الأبيض بموجب اتفاقيات أبرمها النظام السابق ككرت ضغط على دولة الجنوب في ظل احتضان دولة الجنوب للحركات المسلحة حتى بعد الانفصال وظلت هذه القوات داخل الأراضي السودانية وهي في اعتداءات دائمة ومتكررة على المواطنين العزل وقتل للأبرياء وأخذ أموالهم دون وجه حق.
وتكررت أحداث القتل والرعب والتشريد لأهالي إدارية المقينص وما حدث في الثالث من يناير الجاري إلا دليل على ذلك، حيث قتل الجيلي علي برير بطلق ناري من قبل القوات الجنوبية وهو راعي غنم أتى لسقاية أغنامه، كما قتل أيضا الشيخ موسى النور بادي في متجره وسقوط عدد من الجرحى والمصابين.
(3)
أصل الحدود بالوثائق
ويوضح المواطنون أن هذه القوات تمتلك أسلحة متقدمة تصوبها نحو مواطنين عزل وهي تعبث كيفما تشاء وتأخذ الضرائب داخل الدولة السودانية مع العلم أن هذه المناطق التي تجول وتصول فيها هذه القوات المسماة ب dc سودانية حسب الخرائط والمتمثلة في خريطة صمويل بيكر 1885م، وخريطة الاستخبارات الألمانية 1875م، وخريطة النيل الأبيض وإقليم كردفان 1907م، وجريدة الغازيتة رقم (70) للعام 1/1 / 1914م، إضافة إلى تقرير مفتش مركز الشلك الذي حدد فيه الحدود الشمالية للشلك في مايو 1934م وغيرها من الخرائط التي تؤكد تبعية هذه المناطق وهي موجودة بطرف اللجنة الفنية لترسيم الحدود الأمر الذي يتطلب حسم هذه التفلتات عاجلا وإخراج هذه القوات من الأراضي السودانية، فالتهاون وعدم إخراج “الدي سي” من الأراضي السودانية سيولد أزمة كبيرة بالمحلية خاصة المنطقة تحتضن معسكرات للنازحين من دولة الجنوب.
(4)
العمدة أحمد حاج النور أبدى تذمره من وجود قوات المعارضة داخل المقينص، مؤكدا أنها تمتلك من العتاد ما يبيد ولاية النيل الأبيض كاملة من دبابات وراجمات وأسلحة ثقيلة بمختلف أنواعها وقال لايمكن لأي أحد أن يتوقعه والسبب أن هذا الوضع الشائن والقبيح هو نتاج حقيقي لسياسات الدولة بعد الانفصال في العام ٢٠١١م. وتابع بالقول نحن كمواطنين طردنا آخر معقل ومظهر من مظاهر الجنوبيين بعد أن كسرنا السارية وطردنا العساكر ولم يتبقى سوى مواطن عادي عاشر الناس بالطيبة، وقال نحن صراحة ماعندنا أي اعتراض على وجود المواطن الجنوبي لأنه يشكل لنا جزءاً أصيلاً من أدوات الإنتاج الموجودة ونحن ما حريصين على العداء بين الشعبين للمصالح المشتركة والتعايش السلمي وهم يشكلون العمق للمرعى والزراعة والصمغ العربي ونحن نشكل لهم العمق للصحة والتعليم والمأوى والمأكل والمشرب والأمن، والمسألة هنا متكافئة والمصالح متبادلة، لكنه رجع وقال إن الموجود الآن في المقينص قوة متمردة حتى على حكومة جنوب السودان وهذه لا ضابط لها وليست لها عقيدة قتالية والتزاماً عسكرياً وأكد وجود التفلتات وقال نحن مارسنا أعلى درجات ضبط النفس على أساس أن نحفظ وجودنا ووجود اهلنا في الحدود المرنة والشريط السلس ما بين جنوب السودان ودولة السودان لكن طفح الكيل، وتكررت التعديات والضرب دون مبررات ودون دوافع بسبب أن هذا الفصيل المسلح يفرض جبايات بقوة السلاح لايمكن لأحد أن يتوقعها وكشف عن أنهم يدفعون في رأس البقرة الواحدة أكثر من ١٢٠٠ جنيه ورأس الضأن الواحد أكثر من ٤٠٠٠ جنيه مع أن المنطقة التي ترعى فيها تدفع فيها أجرة أرض وحفرت الحفير وزارع فيها القصب وكله بجهدك وهو يأتي ويتحصل منك رسوما. وقال المؤسف حقا ٨٥% إلى ٩٠% من الأراضي التي تتمدد فيها المعارضة الجنوبية هي أرض سودانية بنسبة ١٠٠% تابعة لولايتي النيل الأبيض وجنوب كردفان وتساءل إلى متى الذل والهوان والدونية وطالب الحكومة بأن تضطلع بمسؤولياتها وواجباتها بشكل واضح وصريح وقال إما أن تتركنا لنفعل الذي نريد ونحن قادرون وأكد نحن ما بنزحزح من جبل المقينص ده نهائي يا نكون من تحته أو فوقه وما يحدث الآن كنا متوقعين الأسوأ منه. وأكد النور أن كل الوثائق وكل المكاتبات الموجودة تشير إلى تبعية المقينص لدولة السودان بموجب خرائط تؤكد أن جبل المقينص جزء أصيل من دار الأحامدة.
(5)
ويمضي العمدة في حديثه أن المعارضة الجنوبية الموجودة في المقينص والرصاصة التي تضرب بها أبناءنا من مالنا ومال الشعب السوداني وكذلك الدبابة المتحركة والأسلحة كلها، نحن بندفع ضرائب وآتاوات لحكومة السودان لتمول بها المعارضة الجنوبية الموجودة الآن في المقينص ولابد للحكومة أن تقف موقفا يبري ذمتها أمام المولى عز وجل.
وأشار إلى أن الإدارة الأهلية وقيادة المجتمع تحلت بأعلى درجات ضبط النفس ووقفت على التعدي المتكرر من هذه القوات التي وصفها بأنها بلا أخلاق وعقيدة وانضباط عسكري، همها جمع المال وفرض جبايات الزروع والغابات والحيوانات حتى الرسوم على مياه الشرب وطالب بضرورة ترسيم الحدود وفتح خط مباشر بين حكومتي الجنوب والسودان لإقامة حد مرن للتعايش السلمي بين شعبي البلدين. وقال نحن ماعندنا مشكلة مع المواطن الجنوبي مشكلتنا مع القوى المعارضة الشايلة سلاح ما عارفاهو جاي من وين.
حسن محمد منوفل شيخ من قرية العكف شمال المقينص أكد أنهم قطنوا هذه المنطقة منذ العام منذ العام ٤٨ وكانوا يذهبون للقنيص وهي كانت منطقة صيد للأسود والنمور وقال إن الجنوبيين تغولوا على أراضينا واحتلوها وهم جاءوا كعمالة والحكومة السابقة مشينا اشتكينا لها وفي النهاية وصلتنا لهذه المرحلة.
أما مصطفى يونس قال إن القائد الجنوبي أولنج أبلغهم بعدم رحيله من المنطقة وعدم اعترافه بحكومة السودان وقال نحن لما فتحنا البلد دي مافيها إلا الزراف والفيل، والناس ديل ماعندهم معانا بلد وما شفناهو، ولدنا وتربينا وتزاوجنا ماجاءنا جنوبي هنا والآن مقعداهم الدولة ونحن لانعترف لهم ببلد ومابنخلي بلدنا وبنموت فيها.
(6)
العمدة الصادق النور حماد العوض كشف مرارات كثيرة جراء وجود هذه القوات وقال كل هذه المرارات صبرنا عليها من أخذ المال بالقوة والنهب والسلب للبهائم بالعنف وقال وجدنا المعارضة هي سياسية من سياسة دولتنا ملكتها الأسلحة ولكن مافعلته الدولة بجلب المعارضة تضررنا منه ضررا بالغا أخذ المال دون وجه حق وفي النهاية قتل أولادنا، وأشار إلى أنهم عقدوا مؤتمرا في العام ٢٠١٦ يضم كل القبائل المجاورة لمدة ٦ أيام وقعوا فيه وثيقة مع قيادة المعارضة التي لم تلتزم بها وحصيلتها قتل مواطن أعزل راعي غنم تم قتله بالذخيرة بعد أن دفع ضريبة لسقاية الغنماية ٤٠٠ جنيه والبقرة ١٢٠٠جنيه وقال: تحملنا أخذ المال من أجل التعايش، مشيراً إلى أن هذه القوات تفرض على جوال السمسم ٢٤٠٠ جنيه وضريبة على جوال الذرة ٥٠٠ جنيه وبلغت أجرة المشروع ١٠٨ مليون جنيه. قال صبرنا تفادياً للمشاكل، لكنها دخلت علينا في المنازل واضطهدنا في حفائرنا الحفرناها بجهدنا الشعبي.
وشدد العمدة الصادق على ضرورة إبعاد قوات المعارضة من داخل مدينة المقينص وقال نحن تحملنا الكثير وعايزين التعايش وأبدى حسن نوايا التعايش السلمي مع دولة جنوب السودان كمواطن ولا مانع لديهم في سياستها بينها وقوى المعارضة ورفض وجود أي مظاهر لعسكري جنوبي في سوق المقينص وقال نقبل المواطن الجنوبي ومرحب به نحن مكملون لشعب الجنوب وهو مكمل لنا، التعايش المرن في الزراعة والرعي والتجارة والمأكل مننا لهم وليس لدينا رأيا في عدم التعايش السلمي مع دولة الجنوب وما بنقبل وجود قوات بكل أسلحتها داخل المدينة.
فيما بيِّن ممثل قوى الحرية والتغيير الشيخ البشرى الوجود العسكري في المقينص بأن فرضته ظروف اقتضتها حكومة النظام البائد وقال مازال الملف يدار بنفس الطريقة ومواطن المقينص تآذى من المليشيات كثيرا لأن التعامل معها لايكون بمثل التعامل مع القوات المنظمة وتكررت التفلتات بسبب الآتاوات والرسوم على الأراضي الزراعية التي أصلا يملكها مواطن المقينص ومعظمها يتبع لولاية جنوب كردفان والنيل الأبيض وهذه أحدثت احتقانا بين المواطن والمليشيا وخلفت عشرات الحوادث غضضنا عنها الطرف كثيراً والآن وقعت المشكلة في حفير قام بحفرها المواطن بجهده الذاتي، القوات تسلطت عليها ووضعت نقطة جباية وتحصيل، وكانت نتيجتها مقتل الشهيد برير الجيلي برير الذي ذهب لسقاية غنمه.
وطالب الجيلي الشيخ بتكوين لجنة مشتركة للجلوس مع الحكومة المركزية لإخراج القوة وترسيم الحدود.
(7)
أما اللواء شرطة حقوقي معاش معتمد محلية السلام الأسبق الطيب البلة فضل المولى وصف أن ما حل بمواطن المقينص محنة وكارثة ألمت بنساء وأطفال صغار وعجزة ومسنين يفترشون الأرض ويلتحفون السماء، يجلسون تحت الأشجار لامأوى لهم في هذه الظروف القاسية التي تنعدم فيها سبل الحياة، حيث لامياه ولا مأكل، تركوا أمتعهم وفروا هاربين من الكارثة التي ألمت بهم واستقروا في منطقة رهد الفيل، منطقة سودانية، بسبب وجود قوات “الدي سي” والسياسة الخاطئة للحكومة السودانية وذلك بأن حكومة الجنوب احتضنت بعض الحركات المسلحة بالتالي حكومة السودان تحتضن بعض الحركات المسلحة الجنوبية ضد حكومة الجنوب.
وقال هل يعقل هذا الاحتضان يتم وسط المواطنين وهم يتعرضون للأذى والعديد من المشاكل والإصابات ونهب وسلب أموالهم وأبقارهم وأغنامهم، وآتاوات تفرض حتى على الموية في حفائر أنشأها المواطن بجهده الذاتي وحفرت بدمائهم والآن أصبحت سبباً في القتل.
وكشفت تقارير إعلامية عن الإدارة المركزية للحدود أكدت وجود خرائط ووثائق بتبعية المقينص لحكومة السودان وأن الحد الفاصل بين الدولتين يبعد مسافة ٦٠ كيلو مترا من منطقة المقينص مما يستدعي ضرورة الإسراع في ترسيم الحدود حتى ينوم المواطن هادئاً أمناً في مسكنه الذي يجعله الآن بين فوهة بركان تحته برميل بارود ربما ينفجر في أية لحظة.