يا صاحب السيف والقلم

0

 

محمد آدم عربي

أيا جعفر تمهل، حصانك الجامح مسروج، وسيفك البتار خارج جفيره، ورمحك المسموم الماضي قد فارق القوس نحو الأعداء  يسير ببوصلة لاتخون قلمك ياسيدي المدفاق مغيظ الأعداء  مرضى الرحمن وعباده الأخيار .
ما زالت أثارك في صيف العبور والميل أربعين والأهوال بادية للعيان وكأني بأخوانك الشهداء منذ وداعة وداناته التي ليست عبري ولا رطانة بل دمغة كبيرة ظاهرة طلقة تعرف وين مكانة الله أكبر، ينتظرونك لتدخلون الجنة زمراً خالدين، محمود شريف ملك الأحراش، وعبيد ختم ورحيق القرآن، وعلي عبدالفتاح الفارس المغوار ، وهيكل وسكران الجنة، وابو دجانة، والأطباء الأخيار عوض عمر السماني وأحمد بشير الحسن ومختار سليمان، والمعز عبادي وصبيرة المهندس قائد الركبان وبقية الأبطال يشتبشرون بقدومكم والجنة وأرفة الظلال وبالحوض موعودون تشربون شربة هنيئة مريئة من يدالرسول صلى الله عليه وسلم أبو البتول.في الغالب الأعم يترك الأسم ظلاله على المسمى فأنت قد سميت على جعفر بن أبي طالب الطيار ، البطل الذي رأه النبي صلى الله عليه وسلم وهو طائر بجناحيه في الجنة والقصة تحكي عن بطولات وصولات ومجاهدات خرج مهاجراً للحبشة قائداً ركب المهاجرين ثم يعود يوم في فتح خيبر، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم بأيهما أفرح اليوم بقدوم جعفر أم فتح خيبر وإجلاء اليهود. ثم يشارك في كل غزوات وسرايا النبي صلى الله عليه وسلم مستعصماً بالآية (فإذا فرغت فانصب ) يخرج في جيش مؤتة قائداً ثاني لأسامة بن زيد ويستشهد أسامة فيستلم اللواء قائداً للجيش فتقطع يده اليمنى فيستلم اللواء باليسرى حتى لا يسقط اللواء وفي سقوطه دلالة يأباها مثله، ثم قطعت يده اليسرى فاستلم بعضضيه ثم يسقط شهيداً مدرجاً بدمائه الطاهرة الذكية ويستلم بعده عبدالله ابن رواحة القائل مخاطباً نفسه، أقسمت يا نفسي لتنزلن أن أحلف الناس وشدد الرنة مالي أراك تكرهين الجنة

هكذا سلك جعفر طريق جعفر بانقا لا تراه إلا في مواضع العز والكرامة تراه مبتسماً في سوح الجهاد بقسماته ووجه الصبوح من متحرك للآخر خصه الله بخصائل عدة كاتب لا يشق له غبار خطيب مفوه، محرضاً للمؤمنين على القتال من أقواله قسمه الغليظ قسم الموت في سبيل الله والتي ألقاها بالميل (40) ( أقسم بالله العظيم ان أجاهد في الله حق جهاده صابراً محتسباً لا أحدث نفسي بالتراجع ولا أتحرف لقتال وألا أنحاز  إلى فئة مندفعاً إلى الأمام حتى ألقى شهيداً أو منتصراً) أنتهى ذكرني بالشاعر الأنصاري في معركة الجزيرة ابا واعتداء الشيوعيين عليها ظلماً وجوراً وعدواناً في حرب غير متكافئة قال: ندوس فوق الجراح ماشين ونموت زي الشجر واقفين ولي يوم  الله في عزة وثبات شامخين ما شان دنيا  في شان الوطن والدين هكذا كان الإخوان مع الأنصار في يوليو 76 .

جعفر رغم سنه ولكن تراه مع الشباب خطوة بخطوة تراه دوماً في مكان العز والعزائم شامخاً كالجبال الراسيات، يحب إخوانه لدرجة الهيام لا يتشائم بل متفائل بأن النصر حليف الإسلام والمسلمين، لم أره يوماً في جدل أو نزاع كأنه يرى أمامه الآية الكريمة في سورة الأنفال ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)، سلّط فكره وقلمه المدفاق بعد أن وضعت الحرب أوزارها للدفاع والمدافعة عن الإسلام كان حريصاً على أن يسود الإسلام، كان رجلاً بالتعريف القرآني (مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ۖ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا).

أما في مواقع العبادة لا سيما الصلاة عمادالدين تشهد له المآذن والمساجد، حيث كان حريصاً على تلبية النداء والصف الأول وكأني به من أولئك الذين قال الله فيهم (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ* رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) إنه بإذن الله منهم.

جعفر رغم إصابته بمرض القضروف، إلا إنه لم يعقه من مواصلة الأرحام والأخوان معزياً مجاملاً. أما في الفضاء الإسفيري له معه صولات وجولات وحضور  طاغٍ، كاتباً، معلقاً وناصحاً دون مهاترة أو تشخيص ودون وجل أو خوف وكيف لمثله أن يدخل الخوف إلى قلبه وإنه سعى للشهادة في ميادين الوغى ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من طلب الشهادة صادقاً نالها وإن مات على فراشه)، فقد مات سيف الله خالد على فراشه وقال قولته تلك المحفوظة في ذاكرة التاريخ التليد، جعفر بإذن الله شهيد بنص الحديث، إنه سعى لها بصدق.

جعفر الإداري الناجح المخلص عُين معتمداً بنهر النيل لم تغيره الوظيفة لا في حياته ولا في زيه وطعامه وشرابه، ظل كما هو جعفر المتواضع البشوش الكريم المضياف ومكث في أطراف العاصمة جنوب الخرطوم عد حسين في ذات المنزل الملاصق للمسجد لم يزد عليه (برندة) عفة اليد وعفة اللسان، صفات تلازمه في حله وترحاله. عاش في كنف الأبيات ( قف دون رايك في الحياة مجاهداً  إن الحياة عقيدة وجهاد) كان كذلك  حتى لقي ربه راضياً مرضياً عليه بإذن الله

اللهم جاءك عبدك وأبن أمتك جعفر بانقا ضيفاً وأنت الكريم، فأكرم نزله وأنزله منزل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، اللهم أرفع درجته في عليين ومد له في النعيم مد بصره وأبدله داراً خيراً من داره وجيراناً خيراً من جيرانه وأهل خيراً من أهله، اللهم بلغه منازل الشهداء.
إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا لفراقك يا جعفر لمحزنون ولا نقول إلا مايرضي الله (إنا لله وإنا اليه راجعون )

اترك رد