الاقتصاد السوداني داء مزمن.. وعلاج معدوم
إسفير نيوز __تقرير__قاسم فرحنا
واصل الاقتصاد السوداني هبوطه نحو الهاوية، في وقت تتقافز فيه مؤشرات انهياره كليا.دون تقديم معالجات تذكر منذ خواتيم عهد النظام البائد، مرورا بالحكومة الانتقالية الأولى، وصولًا للحكومة الحالية التي ما تزال تتحسس خطاها واضعة في الاعتبار واقعًا معيشيًا مترديًا وأوضاعا اقتصادية معقدة، تحتاج لعراب لسبر أغوارها ووضع العلاج الناجع لمشكلة قضت على أخضر السودان ويابسه.
المتابع للراهن السياسي وما يصحبه من تعقيدات يشفق على حال السودان الذي يمر بمرحلة انعدام الوزن وفقدان المناعة الاقتصادية، مياه كثيرة مرت تحت الجسر منذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة التي تفاءل الشعب السوداني خيرا بمقدمها عسى ولعل تفلح معها الجهود في صناعة دولة المستقبل القائمة على الحرية والعدالة والسلام.
ارتفع سقف الطموحات والأماني لدى المواطن حينما رفرفت رايات النصر في الحادي عشر من أبريل 2019 وحينها تحدثت الحرية والتغيير عن عشرات المليارات التي كدسها قادة الإنقاذ خارج السودان وإمكانية استردادها لتكون معينًا للحكومة التي تعقب الثورة.
وحينما ظهرت أسهم عبد الله حمدوك كواحد من المرشحين لمنصب رئيس الوزراء في دولة ما بعد الإنقاذ لاحت في الأفق بارقة أمل كبيرة للخلفية الاقتصادية الكبيرة لحمدوك ونجاحه في لملمة أوجاع كثير من دول أفريقيا التي مرت بأوضاع مشابهة لأوضاع السودان.
حاول حمدوك جاهدًا لوضع الروشتة المناسبة لصرف الدواء الناجع ليأتي بطبيب الاقتصاد العالمي المشبع بخبرات دولية إبراهيم البدوي كواحد من الكفاءات السودانية المركونة بالخارج، إلا أن البدوي اصطدم بواقع هدم صخوره يحتاج لآليات مختلفة، إنه واقع السودان الذي تتحكم فيه أمزجة الطامعين داخليًا وخارجيًا، في وقت تنهش فيه مخالب القطط الخارجية جسده المنهك،
حاول البدوي ولكنه لم ينجح وعجزت خبرته الدولية في تشخيص أماكن الداء بعد أن تطاولت صفوف الوقود التي كادت أن تصل أبواب وزارته، بجانب صفوف كثيرة أرهقت الشعب السودان الغاضب على الإنقاذ وما تلاها من ساسة لا يحملون جديدا يقدمونه له.
أقيل البدوي وفي القلب حسرة لتتحكر من بعده د. هبة محمد علي التي لم تشهد لها أي محاولات وكانت تحركاتها فاترة لا تسمن ولا تغني من جوع في ظل ارتفاع جنوني للأسعار وصعود الدولار لأعلى الهرم فارضا سطوته على الجنيه السوداني المنهار هو الآخر والذي على ما يبدو يعاني نفس المشكلات التي تواجه المواطن.
وأخيرًا أتت حكومة حزبية وفق محاصصات متفق عليها مصحوبة بمحاور يقال إنها ملزمة لتشكيلة الوزراء تلزمهم بعدم الخروج عن الخط المتفق عليه، وجلوس د. جبريل إبراهيم على كرسي وزارة المالية بمسماها الجديد أعاد بارقة الأمل من جديد على غرار أن جبريل ذا الخلفية الإسلامية ربما ساعد على كبح جماع الدولار الذي تحركه أيادٍ لها علاقة بالنظام البائد وفقًا لكثير من الآراء، جبريل القادم في صفوف الكفاح المسلح تعقد على عاتقه الكثير من الآمال لإصلاح ما أفسدته (البصيرة أم حمد) بالاقتصاد السوداني المنهك.
تحركات هنا وهناك وعقوبات تلوح في الأفق لكل من يحاول المساس باستقرار البلاد عبر إثارة الشارع رغم الضائقة المعيشية، في وقت تجاوز فيه الدولار حاجز الـ (400) جنيه لتشهد عدد من مدن السودان إحتجاجات سميت بثورة الجياع أعقبتها تحركات رسمية للمركز نجحت في إعادة الأمر لنصابه ليبقى التحدي قائمًا أمام حمدوك وحكومته الكيفية التي يتم بها علاج مشكلة الاقتصاد السوداني المتعب.
ملفات متشعبة وتعرجات كثيرة وطرق وعرة قد تسلكها الحكومة الحالية المخنوقة إقليميًا من الحانقين على التحول الديمقراطي في السودان، الآن الكرة في الملعب وركلها يحتاج لمهارات المراوغة والتحكم دون إغفال للجوانب المتعلقة باللعبة، وجود رجل بحنكة وخبرات وعلاقات جبريل قد يسهم في الكثير.
وعلى عاتق وزارة الخارجية بقيادة مريم الصادق يقع عبء آخر، خاصة أن المجتمع الدولي بات يفقد المصداقية في حكومات السودان وهنالك ثقة مفقودة لابد من عودتها بين المانح والحكومة، إصلاح وضعنا الاقتصادي في الوقت الراهن بيد غيرنا ما لم نتحول لدولة منتجة وهذا يحتاج لفترة كافية ولكن هنالك الكثير يمكن القيام به. ثلاثة فرق عمل وزارية لمعالجة الضائقة الاقتصادية.
وفي إطار المعالجات عقد فريق العمل الوزاري لمعالجة الضائقة المعيشية بعد أداء يمين التكليف، اجتماعاً مساء أمس برئاسة وزير شؤون مجلس الوزراء المهندس خالد عمر يوسف، ووزارات القطاع الاقتصادي والبنك المركزي وممثلي القوات النظامية.
وأوضحت وزيرة الحكم الاتحادي بثينة إبراهيم دينار في تصريح صحفي أن اجتماعهم خرج بتكوين ثلاثة فرق عمل وزارية عاجلة. يتكون الأول من وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي وبنك السودان للوصول لاتفاق مع شركات القمح بغرض توفير الدقيق. وفريق عمل آخر من وزارة الطاقة والحكم الاتحادي والأجهزة النظامية لمتابعة توزيع الوقود من المستودعات وصولاً إلى الولايات.
ومن مهام هذا الفريق اتخاذ إجراءات قانونية في حالة عدم الالتزام بتوزيع الوقود وتوفيره.
وأوضحت بثينة أن فريق العمل الثالث تضمن وزارة الحكم الاتحادي ووزارة التجارة والتموين ووزارة الصناعة كغرفة مركزية لمتابعة توزيع القمح. وفيما يخص ضائقة الوقود التزمت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي بتوفير مبالغ مالية لتوفير الفيرنس للكهرباء، بجانب توفيرها لمبالغ مالية لإدخال الخط البحري الناقل لتوفير الكهرباء لحل مشكلة الكهرباء خلال فترة شهر رمضان الكريم وموسم الصيف.
وأوضحت الأستاذة بثينة أن الإجراءات التي تمت جاءت لحل الضائقة المعيشية المتعلقة بالخبز والوقود والغاز والكهرباء، مشيرةً إلى تواصل الجهود في هذه اللجان إلى أن تستقر الأوضاع في العاصمة والولايات، لافتة إلى أنه في حالة عدم الاستجابة لكل الإجراءات التي سيتم اتخاذها من الجهات المختلفة العاملة في مجال توفير القمح والوقود والغاز ستُتخذ إجراءات من قبل الأجهزة المعنية بنص الأسس القانونية لمعاقبة المتقاعسين عن أداء واجبهم في توفير هذه السلع.