عميد. م/ابراهيم عقيل مادبو. يكتب… مقدمات الإحتكاك ومكامن الخطر
بعد صدور القرار الأول بتشكيل القوة المشتركة أصبح الجو مشوشاً بالكثير من علامات الإستفهام والتعجب، ووضح جلياً أن معظم مواطني شعب السودان لم يتفهموا مراد القصد والغرض من هذه القوة، وأنهم بحاجة إلى تنوير إعلامي عن هذه القوة وحملة نشطة لخلق راي عام يتوافق مع مهام القوة، وبخاصة مواطني مناطق دارفور، بل قد يكون هناك كثير من القادة العسكريين أنفسهم على غير إقتناع بالخطة التي تم إعدادها دون تهيئة الأجواء والأوضاع فيما يختص بأمر الترتيبات الأمنية المنصوص عليها في صلب إتفاق السلام.
. هناك الكثير من المطلوبات والتحضيرات التي كان يمكن القيام بها قبل أعلان القرار الثاني لتشكيل القوة المشتركة الجديدة بالأمس، وأولها مطلب تحديد الهدف الإستراتيجي لهذه القوة، وبمعنى أدق أن يجيب الهدف على سؤال: ما الذي يتعين عليهم أن يفعلوه إذا نجحوا في تنفيذ المهمة؟، وهل يتعين على القوة «مجمعة» الإنتشار والتقدم نحو كل ولايات السودان لمطاردة بؤر الفوضى والتفلت والتدخل في الأزمات الأمنية داخل كل ولاية؟، وما هي آلية التنسيق والسيطرة الولائية والمركزية على القوات المتواجدة بكل ولاية؟، وكيف تتعامل القوة مع المواقف والأحداث العرضية أثناء تنفيذ المهمة؟، وماذا سيكون موقف القوة بكل ولاية إذا إندلعت الحرب على الحدود الشرقية؟، علماً أن حجم القوة التي سيتم تجميعها داخل كل ولاية لن يكون كافياً على وجه التحقيق لبلوغ الهدف المقصود في أمر التكليف، وإذا إقتصرت مهمة القوة على دارفور فمعنى ذلك أنها ستجد نفسها في حرب إستنزاف طويلة ضد جماعات الفوضى والنهب المسلح المغلفة بالنظرة الإثنية، فضلاً عما يمكن أن تواجهه القوة من احتمالات الرفض والمقاومة الشعبية في بعض مناطق دارفور كما حدث بمنطقة كولقي، أو تعرضها لإحتكاك عابر مع مواطنين في أمر محلي لا علاقة له بصميم عمل القوة، ناهيك عن احتمالات وفرضيات وتقاطعات عمل القوة بمناطق معينة تعتبر معاقل لبعض الحركات المتمردة والتي لم توقع بعد على اتفاق السلام، وتحديداً بمناطق بعينها حول جبل مرة تتمركز بها قوات عبدالواحد نور، ومناطق اخرى بجنوب كردفان يتمترس بها عبدالعزيز الحلو.
. إن الوضع بعد تشكيل القوة وتحقيق أول تماس لها مع المتفلتين سيختلف عما هو عليه قبل التماس، وستجد هذه القوة أنها بين أمرين، الأول: إما التوقف وتأجيل المهمة وفي هذا ضياع جديد لهيبة الدولة، والثاني، سحب القوة وإنهاء عملها وهذا سوف يؤدي إلى ضياع الأمن.
وفي كلا الحالين يجب أن لا ننسى أن هناك جهات سياسية وجهوية ومناطقية، ومحاور ولوبيهات، ستفكر في خطط كثيرة لإفتعال حوادث يمكن أن تؤدي إلى عكس إتجاه الأحداث، وإذا لم يكن مستشارو هذه القوة، وكذلك مستشاري «حميدتي» قادرين على تصور الحقائق الجديدة التي ستبرز بعد دوران آلة القوة، فسيكونون أولاً: قد ظلموا الرجل الثاني في الدولة، وثانياً: أضاعوا مجد وتاريخ البطل المغوار الفريق الركن العطا، وثالثاً: منعوا مجلس السيادة من تحقيق الهدف من تشكيل القوة، بل ووضعوا المتاريس في طريق الدولة وهي تتقدم نحو إستعادة الأمن والأمان، وسنجد أنفسنا في مقبل الأيام والأشهر القادمة أمام أكثر حرب يصعب تبريرها على الإطلاق.
. أما الآن وبعد وقوع أحداث الإقتتال ﺑﻤنطقة (كولقي) شمال ﺩﺍﺭﻓﻮﺭ والذي أمتد تأثيره ليطال مناطق قلاب وتابت وشنقل طوبايه، فبرأيي المتواضع لابد من النظر إلى كل السيناريوهات والإحتمالات والتحسب لها فبعضها خطر على فترة الإنتقال «نفسها»، وأن يتم مراجعة قواعد الإشتباك لهذه القوة، وسياقات عملها، ومراجعة تكوينها وقيادتها، ولا مناص من تكوين قوة متوازنة للتدخل السريع في الأزمات فهناك بوادر لمشكلات أهلية ستؤدي لإقتتال قبلي في عدة مناطق وبالتزامن، وأن يتم التعامل مع مثل هذه المحاولات بحزم وحسم وسرعة وتقديمهم للمحاكمة واصدار احكام رادعة جداً واعلان ذلك، ولابد من تشريع قانون وإنشاء محاكم ونيابات خاصة تعني بالجرائم ذات الطبيعة العسكرية، فكل ارهاصات الموقف السياسي تشير إلى ان دوامة الانفلاتات الأمنية لن تتوقف مالم يكن هناك حسم، ومن المتوقع بعد أن يستلم الحاكم مناوي ادارة الاقليم ستبرز مشاكل ومعضلات جديدة نتيجة لتضارب الاراء بين قادة الحركات ونظرتهم في السيطرة على مناطقهم بدارفور وهذا قد يؤدي إلى حدوث بعض الأزمات بينهم وبين مناوي.
. إن الاجراءات الأمنية والسياسية والقانونية لمثل هذه الأحداث يجب ان تُدار بطريقة عقلانية جديدة وبقراءة جيدة للاحداث على الأرض ومتابعة الوقائع بدقة واستنباط التحليل السليم لمقابلة ومعالجة اي تطور في الموقف، والموضوع ما يزال يحتاج لتقييم عميق ودراسة وإلا فسوف تحدث كارثة.