ابراهيم عربي.. يكتب (مناوي) … بكاء علي اللبن المسكوب .. !
أهلنا يقولون (من يده في الماء ليس كمن يده في النار ..!) ، ويقولون أيضا (الجمرة بتحرق الواطيها!) ، هل أدرك حاكم دارفور مني آركو مناوي الحكمة من فلسفة هاتين المقولتين وهو الآن في الواجهة مسؤولا في ظل تلكؤات تطبيقات إتفاقية السلام بجوبا التي جاءت به إلي هذا المنصب حاكما (عمدة بلا أطيان) لحكومة إقليم لا زالت (حبال بلا بقر!) .
بلا شك الواقع مؤلم ، إذ لم يستطع حاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي المكوث في فاشر السلطان أكثر من (إسبوعين) فشتان مابين الفاشر 2009 والفاشر الآن التي تمددت وتشعبت وتطاولت في البيان وتعاظمت في المطلوبات والإحتياجات ، ولذلك ليس غريبا أن يعود الرجل إلي الخرطوم (سريعا مارش ..!) كما يقول العسكريون ، عاد دون سابق إنزار رغم إحتمائه بالقصر الفخيم الحصين بمستعمرة (اليوناميد) بالفاشر مقرا له ، ولكنه بكل تأكيد إفتقد إسطولها وآلياتها ومعداتها ومتحركاتها أكثر من (16) ألف آلية ، إتهم بها مناوي جهات وشخصيات وأعيان وقادة أحزاب بالخرطوم (لم يسمها) بالاستيلاء عليها .
من الواضح أن الحاكم مناوي عاد إلي الخرطوم محبطا رغم إنه لم يبارح اوسط فاشر السلطان إلا قليلا لمعسكر زمزم لمخاطبة لقاء جماهيريا كبيرا لعب فيه أنصاره دورا مهما فكان نموذجا يمكن البناء عليه ، ولكنه فشل أن يعرج مجرد خطوتين نحو معسكري نيفاشا والسلام الذي جاء بموجبه مناوي حاكما لدارفور وتلك إحدي التحديات التي ستواجهه !.
رغم محدودية تحركاته لم يتجاوز حاكم دارفور دون أن ينعي الأوضاع التنموية والخدمية في ولايات دارفور كافة منطلقا من شمالها نموذجا ، قال في لقاء تفاكري بقاعة الصداقة السبت الماضي أن الصحة (تعبانة) ، حيث لا توجد مستشفيات وإن وجدت مجرد مباني دون معاني إذ لا توجد سيارات إسعاف ولا أدوية ولا معدات طبية ولا أطباء ولا كوادر طبية وعن الكهرباء وخدمات المياه والتعليم والغاز والرغيف وغيرها حدث فلا حرج ! ، حتي الآن إستطاع الوالي الجنرال نمر التكيف مع إزدواجية (الإقليم والولاية) بإعتبار أن ولايته حاضنة لحكومة الإقليم وهذا بذاته يتطلب قانونا وصلاحيات واضحة حتي لا يحدث مالا يحمد عقبان !.
كشف الحاكم في اللقاء بأن البنية التحتية في دارفور مهترئة بسبب الحرب وبلا شك هو مع آخرين جزء من ذلك ، وما خلص الحاكم إليه أن الأوضاع في دارفور تحتاج إلى جهود رباعية تتمثل في تكامل أدوار الإدارة الأهلية داعيا لتفعيلها بالقانون وحل مشكلاتها من غياب الدعم وقلة الإمكانيات والتدريب ، كما تحتاج للمصالحات ولدعم مركزي وشعبي في كل الولايات ، وبل تحتاج للعدالة الانتقالية ، وفوق كل ذلك تحتاج لتكوين (القوة المشتركة) والتي نراها من الأولويات لحماية المدنيين (الأمن ، فالأمن ثم الأمن ..!) .
ولكن لماذا تأخر تشكيل تلكم القوة المشتركة ؟ ، وبلا شك نحمل حكومة الشراكة مآلات الأوضاع التي قادت للتفلتات وعمليات السلب والنهب والإقتتال المستمر في بعض الأماكن بصورة مؤسفة مثلما حدث في (كولقي وكتم والجنينة وقريضة وغيرها) في عهد السلام ، غير أن مناوي عاد قائلا أن 80% من هذه القضايا والمطلوبات مرتبطة بالمركز الخرطوم ، وقال إنها تحتاج لقرار سياسي عاجل ودعم مالي مفقود ، مقترحا تكوين قوة مشتركة من (300) فرد بولاية شمال دارفور من (الجيش والأمن والدعم السريع وقوات الكفاح المسلح) .
ولكن لا أدري لماذا البكاء علي اللبن المسكوب ؟! هل كان يتوقع مناوي أن يجد الأوضاع بعد (20) عاما من الحرب والإقتتال والدمار والخراب والفظاعات والغبن ؟!، مفروشة له بالورود وهو بلا شك مع الآخرين جزء أساسي فيما آلت إليه الأوضاع ؟!، فقد كان مناوي متمردا ثم جنح السلام حاكما ثم عاد متمردا ثم حاكما من جديد بموجب إتفاق سلام جوبا !، هل كان الرجل متخيلا أن يجد الأوضاع في دارفور غير ذلك وإلا لماذا الدهشة ولماذا هذه البكائية ؟! ونهمس في أذنه جهرا ، إنك لازلت في فاشر السلطان وسط أهلك ولم تذهب وسط دارفور أو شرقها أو غربها أو جنوبها ولم تتنقل بين مدنها وقراها ودمرها وبواديها ومعسكراتها لتصاب بالصدمة ثم الصدمة !، فالوضع في دارفور بلا شك مأزوم وسيئ للغاية يا سعادة الحاكم ، القتل نهارا جهارا وعلي مرمي حجر من الحكومة وعن الخدمات حدث بلا حرج وقد وصلت الأوضاع المعيشية لأسوا حالاتها علي مستوي تاريخ السودان .
ولكن يا سعادة الحاكم نراك قد إستعجلت قليلا في ملأ بعض الوظائف فجاءت خصما عليكم ، مهما كانت الكفاءة فلابد من الشوري والتوافق إن لم يكن الإتفاق ، لا سيما وأن بالإقليم والمركز من يترصدونك للفشل فلابد من قفل مثل هذه المنافذ لأجل المصلحة العامة ، وبالتالي ياليت لو إنتهجت جانب المشاورات الواسعة ! ، فابدأ من الآن وعليك التريث والتروى والتأني قليلا وليس الإستعجال ، ونؤكد بإن حكومة الإقليم (مرآة) لابد أن يري الجميع من أهل دارفور ومكوناتها أنفسهم فيها دون عزل مكون دون الآخرين ، ولذلك ياليت لو صبرت وواصلت جولاتك التفقدية لبقية حواضر الولايات وبعض المحليات والمعسكرات لمزيد من المشاورات والإكتشافات .
يا سعادة الحاكم تذكر أن الحكم تكليف وليس تشريف فيه العنت والمشقة والسهد والسهر والأرق لا نطالبك بعصاة موسي والمن والسلوي ، ولكن نطالبكم بتوسيع دائرة الشورى والعدل والمساواة بين الناس دون تحيز لقبيلة أو حزب أو فئة ، فإنك أتيت خادما لأهل دارفور وليس سيدا عليهم فاسعي في قضاء حوائجهم من واقع تلكم المسؤولية وأمانة التكليف .
بلا شك أن لقاءاتك القليلة التي قمت بها بالفاشر أكدت لك إتفاق الناس علي أهمية تحقيق العدالة ومحاسبة المجرمين والفاسدين وألا عودة للحرب من جديد مع الرغبة الأكيدة في السلام والتسامح والتصالحات لأجل للخروج بالبلاد لبر الأمان فاسعي في ذلك ، أما بشأن مؤتمر المانحين المقترح نراها فكرة جيدة ولكنه يجب أن يكون عقب تشكيل حكومة الإقليم ، ضع يدك في إيدي المنظمات الوطنية والحادبين لخدمة أهاليهم فالتنمية والخدمات مطلوبات ملحة يجب ألا تتوقف .
الرادار … الثلاثاء 31 أغسطس 2021 .