* في مُستهل شهر أغسطس الماضي وقّع الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي، والخطوط البحرية السودانية، مذكرة تفاهم تستهدف إنشاء شركة لتنشيط الناقل الوطني البحري، وتعهد الجهاز الاستثماري بالتمويل، على أن تقوم الخطوط البحرية بإدارة الشركة وشراء السفن.
* يومها قال عبد اللطيف محمد صالح، المفوض العام للجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي، إن الشركة ستنشأ خلال الستين يوماً المقبلة، وستستهل عملها بشراء عشر سفن متنوعة (بضائع ركاب وحاويات)، مؤكداً أن النهوض بالناقل الوطني البحري يمثل عملاً استراتيجياً؛ وضعته الدولة في قائمة أولوياتها، وأضاف: “سنعمل كل جهدنا لعودة الناقل الوطني البحري للحياة بعد الدمار الذي لحقه في حقبة الإنقاذ”، وكشف بأن (دراسات الجدوى) أكدت أن المشروع سيعود بفوائد اقتصادية واستراتيجية كبيرة، وسيفتح مئات الوظائف للشباب السوداني، وأكد عبد اللطيف أن هذا يوم كبير للسودان وللثورة السودانية وشهدائها الذين سالت دماؤهم الطاهرة مهراً لانعتاق البلاد من عهد الفساد والاستبداد والدمار الاقتصادي”.
* انتقل بنا السوبرمان من السواقة بالبر إلى مرحلة السواقة بالبحر، إذ لا توجد حتى اللحظة أي دراسات جدوى للمشروع لتؤكد فوائده وتثبت جدواه من عدمها، ولا أحد يدري كيف حدد صاحبنا المتمدد بلا هدى أن العدد المطلوب شراؤه من السفن عشرة، وليس ثلاثة أو خمسة.. أو خمسين.
* لم يتعد الأمر حدود توقيع مذكرة تفاهم ابتدائية مُعمَّمة بين الصندوق وسودانلاين، لكن صاحبنا المتمدد في أجهزة الدولة والمتحكم عبر مناصبه المتعددة في مشترياتها ووارداتها قفز من فوره إلى الحديث عن اقتناء عشر سفن، من دون سابق دراسة لكلفة التمويل وكيفية التشغيل، لذلك لن نستغرب إذا ما تم إسناد عقد شراء السفن العشرة إلى شركة زبيدة، أو أي شركة أخرى مماثلة تظهر إلى العلن من العدم، ، لتنال عقوداً حكومية بعشرات الملايين من الدولارات.. بلا عطاءات، لتسدد بها ديونها وتغطي بها الشيكات الطائرة لفرعها السوداني في (الكرين)!
* نحن أمام حالة بالغة الغرابة لموظف دولة يتربع على قمة عدد من أكبر المؤسسات الحكومية وأكثرها غنىً، ويعتبر القوانين التي تحكم المشتريات والتعاقدات الحكومية (بيروقراطية مقيدة)، ويريد لأموال الدولة ومشترياتها وتعاقداتها أن تدار بذات النهج الذي تدير به الشركات الخاصة أعمالها، بمبدأ (Business To Business)، أو كما قال.
* نسأله: كيف سيتم شراء السفن العشرة؟
* كيف حددت العدد.. وما هي الشركة التي ستتولى تنفيذ المشروع، وهل تمتلك الكفاءة الكافية والقدرات الفنية والمالية والخبرة اللازمة للتنفيذ، وهل سيتم إشهار عطاء عالمي للشراء أم ستدار الصفقة الجديدة بفقه (أم غُمتِّي) المسيطر على مشتريات الدولة وتعاقداتها في عهد السوبرمان، صاحب المناصب المتعددة والسطوة المتعدية؟
* إننا نخشى على سودانلاين من مصير البنك الزراعي، الذي حصد إخفاقاً تسير بذكره الركبان في صفقة سماد زبيدة، ليضع موسم الزراعة الصيفي كله على محك الفشل.
* قبل يومين قرأنا خبراً غريب المحتوى، يتحدث عن (بشريات) عودة سودانلاين إلى ممارسة أنشطتها البحرية تزامناً مع دخول الباخرة (غول وينغ) التي تحمل شحنة سماد زبيدة إلى الميناء.
* لم تبدأ سودانلاين أعمال التفريغ بباخرة زبيدة لأنها لم تتوقف عنها أصلاً، لا في سابق عهدها، ولا بعد خصخصتها لتتحول إلى شركة سنجنيب، ولا عقب إلغاء الخصخصة بامر لجنة التفكيك وإعادة المسمى لسابق عهده، كما أن باخرة السماد لا تتبع لسودانلاين، لأنها ترفع العلم المالطي.
* مرة أخرى اقترن الحديث عن صفقة شراء السفن بالحديث عن مباركة رئيس الوزراء لها، ودعمه إياها، ونسأل من جديد.. هل يوافق الدكتور حمدوك على تجاوز القوانين التي تحكم مشتريات الدولة وتعاقداتها؟
* هل دعم حقاً إسناد عقد استيراد السماد إلى شركة زبيدة بلا عطاءات، وهل بارك شراء عشر سفن لسودانلاين بلا سابق دراسة لجدوى المشروع، ولماذا يصمت إزاء العاصفة التي تلت واحدةً من أفسد الصفقات وأوفرها تجاوزاً لقوانين الشراء والتعاقد، وما الذي يمنعه من أن يأمر بالتحقيق لمحاسبة المتورطين فيها، ومنعهم من استغلال اسمه ومنصبه في شرعنة وتبرير وتسويق الفساد؟