(1)
الأزمة السياسية التي تمر بها بلادنا اليوم لم يشهد السودان مثلها من قبل، لا في حجمها وتعقيداتها، ولا في نتائجها وسيناريوهاتها المحتملة، ولا في تعدد أطرافها وتقاطع أجنداتها… وما يزيد من تعقيدها أن التعاطي معها يتم بجهل وهتافية وعنتريات.. للأسف الشديد قيادات قوى الحرية والتغيير بـ “شقيها” يتعاملون مع الأزمة كما لو أنهم متظاهرون في ميدان اعتصام القيادة يطلقون الهتاف لتهييج المشاعر واستدرار العواطف فقط فيوسعوا فتقها، وينسون أنهم أصبحوا رجال دولة كل شيء لديهم محسوب .. وكم هو بون شاسع بين الثائر في الميدان ورجل الدولة الذي ينبغي أن يوزن كلماته بميزان الذهب، ويفكر بطريقة رجال الدولة.. وللأسف أيضاً أن بعضهم في لحظة فورة يخلع عن جهل رداء رجل الدولة بكل وقاره وحسن هيبته ليضع نفسه في موضع الناشط الثرثار المهرجل الذي يسيء لموقعه ويقزم منصبه وهو يرتدي (قميص نص كم)، ويشعل النيران بتصريحات توسع الهوة عوضاً عن ردمها.
(2)
وأما شركاؤهم العسكريون فقد كان لهم الدور الأكبر في صناعة الأزمة الحالية، والتي تغذت، بدءاً بملابسات فض الاعتصام ومجزرة القيادة تلك الجريمة التي لن تغتفر مما خلق وضعاً ترتبت عليه كل السوءات الحالية من انعدام الثقة والتشرذم والانقسام والتخوين، وبهذا تأسست علاقة عدائية بين الطرفين وفجوة كبيرة من عدم الثقة، وطبقاً لذلك تحول الشركاء جميعاً من رجال قيادة وإطفاء إلى رجال حرائق يشعلون نيران الأزمة في كل مكان، ويطلقون الأعيرة النارية تحت أقدامهم…
(3)
إذا أخذنا مشكلة الشرق وما يفعله تِرك من عبث بأمننا القومي كواحدة من أبرز تجليات الأزمة الحالية، ستتكشف لنا كل الحقائق عاريةً بلا ثياب… أولاً مطالبة تِرك وأتباعه بحل الحكومة، ولجنة التفكيك، وإجراء انتخابات خلال عام ـ كما سمعنا من بعضهم ـ هذه المطالب فيها خروج كبير من إطار قضية الشرق والتباس للحق بالباطل، وفيها سفور سياسي وتداخل كبير لأجندات النظام المخلوع، كما لو أن الأخير استخدم بالفعل القضية لمناهضة ثورة ديسمبر، وهذه على الأقل نسميها في الوقت الراهن شبهة إلى حين أن نمتلك الدليل، ولكن بلا أدنى شك هي أجندة ومطالب تخدم النظام المخلوع، وتضر بمصالح أهل الشرق الذين يتحدث تِرك باسمهم…
(4)
موقف المكون العسكري بمجلس السيادة من قضية الشرق والذي يبدو لنا وكأنه موقف محايد وهو الذي يقع على عاتقه الفعل الاستباقي لمنع الإغلاق كما يفعلون من تحوطات لمنع المواكب من التوجه للقيادة العامة، هذا الموقف الذي يظهر وكأنه محايد فيه أيضاً شُبهة محاولة لاستخدام قضية الشرق للضغط بها على الشركاء المدنيين، هذا على الأقل يترآى دون اجتهاد، وعلى أية حال فإن أي محاولة لتوظيف قضية الشرق في الصراع السياسي الحالي من أي جهة كمن يلعب بالنار، ولا شك أنها عندما تشتعل ستلتهم أصابع من يُمسك بأعواد الثقاب..
(5)
أخيراً أقول إن حماية الثورة والمحافظة عليها ليس بالاصطفاف حول عناصر تفتقد الحكمة والخبرة وسلوك القيادة والرشد السياسي، فهذه الفئة من القيادة تصلح لقيادة المواكب والمسيرات وإطلاق الهتافات وليس لقيادة الدولة، وهناك فرق شاسع بين الأمرين… ابحثوا عن قيادات رشيدة ومتوازنة داخل قوى التغيير، فأوضاعنا الحالية لا تحتمل التهويش والهرجلة والثرثرة…… اللهم هذا قسمي في ما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.