عثمان ميرغني يكتب.. معركة جديدة في ميدان “التفكيك”.
تابعت مساء أمس المؤتمر الصحفي للأستاذ وجدي صالح حول قرار المحكمة العليا بإلغاء قرارات فصل قضاة وموظفين في مواقع حكومية مختلفة.. وحسناً أن لغة الخطاب كانت تركز على التمييز بين انتقاد القرار وإهدار الثقة في السلطة القضائية.. وهذا غير ما ظللنا نسلط الضوء عليه، هناك فرق بين نقد الأشخاص أياً كانت مكانتهم أو مكانهم ودمغ المؤسسات بالفساد.. ففي أي مرفق هناك الصالح والطالح لكن المؤسسة نفسها لايجوز في حقها مثل هذا التوصيف، فلا أحد يتهم القضاء بالتيسيس بل هناك قضاة مسيسون.. ولا أحد يتهم مؤسسة بالفساد ولكن يجوز اتهام بعض أو كل منسوبيها بالفساد.. حتى لا ندمر الوطن بتدمير مؤسساته خاصة ذات الحساسية العالية مثل الجيش والقوات النظامية الأخرى.
بلغة قانونية هادئة ركز الأستاذ وجدي صالح على القفز فوق مراحل المراجعة، فحسب قانون لجنة التفكيك يجب نظر الأمر في لجنة الاستئنافات التي يرأسها الفريق إبراهيم جابر ورئيس مناوب السيدة رجاء نيكولا ثم إذا ظل الاعتراض قائماً يذهب الطعن إلى دائرة خاصة في المحكمة العليا.
ولكن معلوم للجميع أن لجنة الاستئنافات لم تنظر في حرف واحد منذ تكوينها لأنها ومنذ اليوم الأول فقدت شرعيتها باستقالة ممثلي الحرية والتغيير في اللجنة .. وبدلاً من ملء المقاعد الشاغرة لتباشر اللجنة أعمالها ظلت متوقفة تماماً بينما تنهال عليها بصورة مستمرة مئات وربما آلاف الاستئنافات..
صحيح لجنة إزالة التمكين ليست مسؤولة عن تكوين لجنة الاستئنافات ، لكن الأصح أيضاً أن العدالة ليست خطوة،بل هي أشبه بالتيار الكهربائي لا يضيء إلا باكتمال الدائرة الكهربائية.. فإذا كانت لجنة إزالة التمكين تصدر القرارات بينما اللجنة المكملة لها، الاستئنافات غير موجودة عملياً، فهذا يعني غياب العدالة.. وليس منطقياً أن يقال أن الدولة أجسام وجزر معزولة لا يهم إذا قام جزء بعمله غياب الجزء الآخر المكمل له..
المبادئ القانونية ثابتة في العالم كله والمبدأ العدلي الأشهر يقول (العدالة لاتتحقق حتى تُرى وهي تتحقق)
إجرائيات العدالة هي من صميم العدالة، فلا يمكن أن تصدر أحكام دنيا ثم لا تجد درجات أعلى للاستئناف حسب النظم المعيارية في كل العالم، فذلك يحبط كل الإجراءات في كامل المسار القانوني.
والمثير للدهشة أن من يقتل ألف من الأنفس البريئة توفر له كل مراحل العدالة من أول سلم النيابة الى آخر درجة تقاضٍ ثم حتى في تنفيذ حكم الإعدام تتقيد شرطة السجون بلائحة صارمة ولا تنفذ الحكم إلا في وجود القاضي.
فيبدو غريباً أن يتمتع القاتل – حتى ولو كان سفاحاً بقتل الآلاف – بكامل دورة العدالة، بينما لا يتمتع من تصدر ضدهم قرارات لجنة إزالة التفكيك بهذا الحق بحجة أن “الحكومة” ممثلة في مجلس السيادة لم تشكل لجنة الاستئنافات..
يجب تشكيل لجنة الاستئنافات فوراً، لأن ذلك من صميم شعار “العدالة” الذي رفعته ثورة ديسمبر فوق راياتها من أول يوم لانطلاق شرارتها.