الطاهر ساتي يكتب.. (غير آجل)
:: ومن الصور النمطية الراسخة في الأذهان عن البريطانيين أنهم شعب مصاب بجمود المشاعر في كل المواقف، بما فيها مواقف الغضب و الحزن .. ولكن دراسة أجرتها المؤسسة البريطانية للصحة، في مارس 2008، دحضت هذه الصفة، وأثبتت أن البرود الإنجليزي صار من (تقاليد الماضي)، وأن الجيل الراهن لم يعد يكبح جماح مشاعره كما كانت تفعل الأجيال السابقة.. !!
:: لم تقل تلك الدراسة إن الإنجليز تنازلوا عن جمود مشاعرهم – أي برودهم – لرئيس وزراء السودان د. عبد الله حمدوك، و لكن يبدو أن هذا ما حدث.. لقد مضى أسبوعاً على ما نشره الإعلام عن مقربين من حمدوك أنه أبلغ بعض خاصته من السياسيين والمفكرين بأنه يعتزم التقدم باستقالته من منصبه خلال ساعات، كما قال خبر (رويترز).. !!
:: ثم حدث تغيير طفيف في الخبر، إثر تسريب آخر، بحيث قالوا إن سيادته أرجأ تقديم استقالته أياماً، بدلاً عن الساعات.. مضت الساعات ثم الأيام، ولم يقدم حمدوك استقالته، و هذا ليس مطلوباً.. ولكن المؤسف للغاية أن سيادته لم يوضح للشعب ما يحدث في دهاليز حكومته، و هذا هو المطلوب ..فالأنظمة المحترمة لا تُدير شؤون شعوبها بالتسريبات، بل بالمصارحات ..!!
:: وإن لم يكن لسيادته من الوقت نصف ساعة يعقد خلالها مؤتمراً صحفياً يؤكد – الاستقالة – أو ينفي، ثم يوضح ما يحدث، فإن بيان من ثلاثة أسطر يكفي توضيحاً.. توقعت أن يتكلم رئيس الوزراء سريعاً ومباشراً، كما يفعل الرؤساء الذين يحترمون شعوبهم.. ومن الغرائب أن يقابل حمدوك هذه التسريبات بالصمت واللامبالاة، وكأن الأمر لا يعنيه أو كأن الشعب لا يستحق المصارحة ..!!
:: على كل، إن كانت الغاية من الثورة والتغيير هي تفكيك الدولة العشوائية، ثم التحول إلى دولة مؤسسات تتم فيها صناعة القرار بمؤسسية، فإن هذا لم يحدث بعد .. لقد تم إهدار ثلاث سنوات من عمر الشعب والبلد في ( اللاشئ)، وظلت خلالها النخب المدنية والعسكرية الحاكمة – قبل وب عد 25 أكتوبر – عاجزة عن الارتقاء لمستوى المسؤولية.. !!
:: والشاهد، قبل 25 أكتوبر، كان حمدوك مُقيّداً بقيود قوى الحرية، و لم يكن حُراً في صناعة القرار.. وإن كانت تلك القيود تبريراً للعجز أو الفشل، فهي لم تعد كذلك بعد أن عاد (مستقلاً).. وكتبتها عندما فرضوا عليه حكومته الأولى، بالنص : (لقد أخطأ زعماء قوى الحرية بعدم تفويض حمدوك باختيار أعضاء الحكومة كما يشاء، و دون إلزامه بترشيحاتهم، وكان على حمدوك رفض سياسة “نريِّسك ونجهجهك”..).. !!
:: واليوم أيضاً، من العدل أن نقول للمجلس السيادي (أخطأت) حين يعجز رئيس الوزراء عن فعل شيء أو يفشل في فعل شيء، وكذلك يُقال أخطات للبرهان وغيره في حال تقييد حمدوك و الحد من حريته في تشكيل حكومته.. فالاتفاق ينص على عودة رئيس الوزراء مستقلاً وبلا قيود لإدارة دفة الجهاز التنفيذي، و هذا يجب الالتزام به.. !!
:: ثم إن التلويح بالاستقالة لا يعني الشعب ..فالعهد الذي بين حمدوك والشعب هو أن يُشكل حكومته المستقلة (كما يشاء)، ثم يُعين في وظائف الخدمة العامة من الكفاءات المستقلة (كما يشاء)، ثم يتحمل مسؤولية إدارة و آداء الجهاز التنفيذي .. ولو عجز عن ممارسة سلطاته بسبب قيود أخرى، فليصارح بها الشعب، ثم يستبد مقدماً استقالته عاجلاً (غير آجل)، إنما العاجز من لا يستبد..!!