فتح الرحمن يوسف سيد يكتب.. (غياب النظرة الموضوعية للجمال الموحد لوجداننا السوداني )

0

وأنا أقلب في ذاكرتي المعطوبة وجدت أننا كسودانيين كنا أسري لتصورات رديئة جدا في نظرتنا للجمال وهذا الأمر مرده الي الجو الثقافي الذي ظل يعتمد على الوصف السهل للجمال الحسي وهذا واضح في غالب غنائنا ودونكم شعر الحقيبة فلا تكاد قصيدة تخلو من وصف للأرداف والفم الذي يشبه الودعة والخصر النحيل طبعا للأمانة ليس كله ولكنه الحاضر في جلسات ومنتديات وحفلات السودانيين.
ولأننا دائما مانقدس الماضي لانملك الجرأة في نقد منتوجه السالب خاصة عند الحديث عن مغنواتية اليوم وقوناتهم،(زمان القونه كان راجل والله جد فما تلوموا الوليدات والبنيات ديل فما ورثوه لا يشجع الا على ذلك طبعا مع اختلاف المفردات في لغة الجيل الحالي)
حتى الذين جنحوا للغناء الوطني والحماس تجدهم يهملون قيم جميلة جدا في مجتمعنا السوداني ومايجمع هذا المجتمع من مشتركات تعزز تمتين نسيجه وتوجهوا الي نسج الأساطير حول بطولات زائفة والفخر بمدح قبيلة ما دون الأخريات وإظهار الجانب العنيف في الشخصية السودانية فالمشبه به دائما هو النمر والأسد والمرفعين والتمساح والهمبته صفة محمودة.
حتى الدراما تسيدت النكتة الرديئة التي تعتمد على التنميط في وصفها للقبائل حتى ترسخ في أذهاننا تصور مسبق عن كل قبيلة فمقابل كل صفة يتبادر الي ذهننا قبيلة معينة فمثلا صفات كالبخل والحسد واللامبالاة وقت الشدائد لو أنني جعلتها في القائمة (أ) ستجد لها بكل يسر مقابلا في القائمة (ب) لأن الأثر السلبي للنكتة الرخيصة أوجد عندنا مخزونا وإنطباعا معينا عن كل مكون من مكونات المجتمع.
أنا في إعتقادي الجرم الأكبر الذي ارتكبه المنكتتاتية في شرخ النسيج المجتمعي السوداني أكبر بكثير مما ارتكبه السياسيون فانفصال الجنوب كان يمكن أن نتجنبه لو كان هنالك فعلا ثقافيا وحدويا مبنى على احترام ثقافة شعبنا الجنوبي فتاريخهم النضالي ضد المستعمر غيب عمدا ولسانهم سخر منه وألصقت لهم وظائف معينة كأنهم لايصلحون لغيرها هذا كله أوجد حاجزا نفسيا وإحساسا بأن الآخرين ينظرون إليهم بنوع من الدونية وهذا الأمر يمكن أن يتكرر مع مكونات أخرى إذا لم يرتقي الفن عموما في السودان ليقوم بدوره المنوط به.
و ماأكتبه اليوم وأذكر به الناس هو ليس تذكيرا بسوءاتنا بقدر ماهو قطع الطريق أمام عودة ذلك النوع من الفن الرديئ الذي يسترزق بتدوير النفايات الثقافية.
والمحمود في جيل ثورة ديسمبر المجيدة رغم (الزنق ) أنهم ضيقوا بوعيهم وحسهم الوطني العالي على مثل هذا النوع من الفن الذي يفرق ولا يجمع فلن يملك منكتاتي اليوم أن يقدم على ماكان يفعله قبل ديسمبر فشكرا جميلا لهم.
السياسيون يمكننا محاكمتهم في صناديق الإنتخابات أما الدراميون فعليهم التكفير عن مااقترفوه من جرم في حق هذا الشعب بإنتاج فن رسالي يعزز قيم المحبة والسلام والتعايش بين كل السودانيين محترمين في ذلك خصوصية كل مكون وثقافته وعاداته وتقاليده فالفعل الثقافي السالب يقابل بفعل ثقافي موجب، وبمثلما أننا نحتاج إلى مراجعات في تاريخنا ومواقفنا ومنظوماتنا السياسية كذلك نحتاج إلى مراجعات ووقفات مع مغنانا ودرامتنا وإنتاج قوالب ثقافية جديدة تحمل مضامين الفن الرسالي.

اترك رد