رسالة في بريد مجلس الدفاع والأمن السوداني.. خبر وسؤال وتعليق وتحليل.
تقرير.. عميد م/ ابراهيم عقيل مادبو
*الخبر:* تقرير من الأمم المتحدة يفيد بوجود 9 آلاف مقاتل من حركات دارفور في ليبيا.
*السؤال:*
فما وراء الخبر وما بين ثنايا التقرير؟.
إجابة هذا السؤال توجد لدى مجلس الأمن والدفاع السوداني والذي عليه الإنخراط في اجتماعات ومداولات لوضع المقاربة الصحيحة للتعامل مع نتائج وإفرازات عودة هذه الجماعات المقاتلة.
*التعليق والتحليل:*
– إذا لم يتم وضع خطة وترتيبات وتدابير محكمة، فإن عودة هذه القوات بدون تخطيط مسبق وخطوات مدروسة بشكل عملي، ستؤثر في المشهد الفوضوي الماثل الآن وتعرقل المسار السياسي المسدود في السودان، وستشكل بؤرة لأزمة جديدة تضاف إلى أزمات الفترة الإنتقالية، وربما سيطول أمد تأثيرها حتى بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي من المفترض أن تمهد الطريق لإجراء الانتخابات ليس بعد شهر مارس من العام 2023م المقبل، خاصة وأن هناك جملة من المتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة، والتي كان من بين أهم محطاتها نذر التقارب بين الخرطوم وموسكو، والرسائل الأمريكية الهادفة لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، بالإضافة للرسائل الأمريكية الأوربية بشأن التعامل مع إجراءات الـخامس والعشرون من شهر أكتوبر من العام الماضي.
– إن الحساسة المتمثلة بعودة المقاتلين السودانيين ولنسميهم بالوصف الحقيقي «المرتزقة السودانيين» من ليبيا إلى بلدهم السودان، أمر يتطلب الإهتمام المبكر وضرورة تأمين إطار قانوني وتدابير وقائية تكفل الإجابة على سؤال كيف يتم التصرف حيالهم لإعادة دمجهم في المجتمع، والتوصل إلى آليات أمنية وتعاونية مشتركة مع الجانب الليبي قبل مغادرة المرتزقة للأراضي الليبية، ويجب أن يحظى هذا العمل بدعم كبير على المستوى الدولي والإقليمي والجوار الليبي وبمخطط واضح وجدول زمني واضح في كيفية حصر هؤلاء المرتزقة السودانيين وهم داخل ليبيا.
– عملية الحصر ضرورية حتى لا تتأثر إتفاقية جوبا للسلام بمستجدات جديدة لم توضع في الإعتبار خاصة وأن المرتزقة السودانيين ثلاثة أنواع: «الأول» هم الذين مازالوا يتبعون للحركات التي وقعت مع حكومة السودان في اتفاق جوبا للسلام، وهنا يجب اخطار قادتهم أهم ملتزمون بهذا الاتفاق، وبموجبه يُجرى برنامج إعادة الدمج والتسريح، أما النوع «الثاني» من هؤلاء المرتزقة فهم مجموعات كبيرة لا تحكمهم علاقة رسمية بالحركات المسلحة أو بالحكومة السودانية، ولا يخضعون لسيطرتها خارج السودان وليس لهم قادة موقعون على اتفاقية جوبا، لكنهم يظلون مواطنين سودانيين وسيتم قانوناً ورسمياً سؤال الحكومة السودانية في حال قيامهم بإرتكاب أفعال تشكل خطرًا على ليبيا، والنوع «الثالث» هم مرتزقة أفارقة غير سودانيين (أجانب) ينتمون إلى بلدان الحزام الجغرافي المجاور للسودان والذين أتوا من مناطق تشاد ومالي والنيجر، وهؤلاء يجب منع دخولهم إلى السودان أو تسليمهم مباشرة من ليبيا لبلدانهم، ويجب أن لا يتم التهاون في التعامل معهم، وأن يتم إعتبارهم مهدد أمني للسلم الإجتماعي خصوصاً باقليم دارفور، فبعض هؤلاء “المرتزقة” أفادت معلومات وثيقة عن وجود عمليات وأوجه لإجراءات تمكين لهم بمراكز قيادية على أيدي حكومة الوفاق السابقة، ومن بين تلك الأوجه عمليات التجنيس التي تمت لعدد من “المرتزقة” الآفارقة، بما يمهد الطريق ليكونوا جزءاً من مستقبل العملية السياسية في ليبيا.
– إن عودة ودخول المرتزقة إلى السودان قادمين من ليبيا يمثل تحدياً كبيراً، وبلا شك سوف يعودون وهم يحملون الكثير من من مكتسباتهم ومفاهيمهم هناك، وعلاقاتهم بأصحاب النفوذ والمحاور الأقليمية وأصحاب التوجهات الدولية، التي كانت تتحكم في الداخل الليبي، وهذا بالتأكيد لن يوطد الاستقرار والسلام في السودان، وسيساهم في إزدياد وتفاقم حالة الهشاشة التي تعاني منها الدولة السودانية منذ خمسة سنوات، ولذلك فإن خطر المرتزقة سيظل قائماً إلى حين التأكد من فك الارتباط بينهم وبين مستخدميهم في ليبيا بشكل كلي.
– وعليه حتى يخطو السودان خطوات ثابتة نحو استعادة الاستقرار الداخلي، وحتى لا تواجه الحكومة جملة من التحديات المفصلية، تأتي في مقدمتها الملفات الأمنية، ومسألة المرتزقة، وكذلك الميليشيات المتفلتة فإن مجلس الأمن والدفاع السوداني تنتظره ملفات ساخنة يجدر النظر في أمرها منذ الان ووضع الحلول المناسبة حتى لا يقع الفأس في الرأس وتلجمنا المفاجأة ولا نجد أمامنا إلا التعامل بردود الأفعال، وهذا يُعد من التصرفات الخاطئة التي لا تليق بمتخذي القرار في الدولة.