عميد م/ابراهيم مادبو يكتب.. حتى لا يضيع السودان بين الناتو وروسيا، (خلية أزمة)

0

*1/* يعيش العالم هذه الأيّام حالةً من التّعبئة والتّحشيد الرّسمي والشّعبي بسبب الحرب الروسية الأوكرانية بعد تزايد احتماليّة اللّجوء إلى الخِيار العسكري،

ومن يُتابع تصريحات المسؤولين الأمريكان والروس والأوكران ورؤساء الدول الغربية، ويستمع للقنوات الأخبارية العالمية، ويقرأ وسائط التواصل الاجتماعي،

يلمس وجود حالة إستقطاب وإصطفاف غير مسبوقة، وتحذيرات مبطنة لكثير من الدول لدفعها للوقوف في صف الأطلنطي، وبلغ مستوى التحريض حداً أفرز تهديدات للعديد من الدول من التّجرّؤ على دعم الدب الروسي.

*2/* الأمر الواقع، والذي لم يفكر فيه أحد أن المقاربة الروسية للتوصل إلى حل أزمتها مع أوكرانيا ستمضي إلى النهاية، وأن المحللين الإستراتيجيين لحلف الناتو لم يُدرِكوا بعد أنّ الهُدنة الروسية لفتح الممرات الآمنة للمدنيين، قد تكون هي الهُدوء الذي يَسبِق العاصفة،

– فقد سبق وطبّق الروس خطة الممرات الآمنة في سوريا – ولهذا فالعالم في مقبل الأيام القادمة سيشهد تصرّفات تتجاوز التّهديد بالحرب،

إن لم تكن الحرب، وسوف يكون الباب مفتوحاً لقصف المدن وتدمير المناطق العسكرية، فالأزمة باتت في مرحلة حرجة ومن الصعب الآن توقع مآلاتها، خاصة وأن روسيا وأوكرانيا، طيلة الفترة الماضية لم تحققا أي اختراق ميداني، كما لم يحقق أي منهما أي إنجاز منتظر على صعيد خطتيهما العسكريتان،

فأوكرانيا لم تنجز الدفاع كما يجب، وما استطاعت روسيا تحقيق أهداف الهجوم، وبذلك فهما حتى اللحظة أبعد ما يكونان من إستثمار الفوز والنجاح،

ولذلك فإن هذا الفشل في تحقيق الأهداف لكليهما، سيؤدي إلى استمرار الأزمة وجعلها مفتوحة على كل السيناريوهات، وهذا ما يبقي مآلات هذه الأزمة غامضة – بسبب ضباب الحرب –

من الناحية الميدانية والعسكرية، فعلى المستوى التكتيكي المرحلي، لا يمكن توقع شيء، وحتى بالنسبة للمفاوضات بين الطرفين لا يتوقع منها الشيء الكثير، لأن الميدان لا يساعد على تحقيق اختراق دبلوماسي يمهد للجلوس والإحتكام للتفاوض،

ويبقى الأمل معقوداً على الوساطات التي تقوم بها بعض الدول والتي قد تساهم في تليين مواقف روسيا وأوكرانيا وهو أمر مهم في هذه المرحلة وقبل انتهاء مهلة الممرات الآمنة لإبقاء خطوط التواصل بين الأطراف سالكة.

*3/* بالنسبة إلى السودان وإنعكاسات الحرب على الوضع الداخلي فينبغي علينا التمييز بين مستويات التأثيرات، إذ يتوقع أن يتأثر الوضع الإقتصادي من ناحية المعيشة بسبب صعوبة توفير القمح والغاز والنفط الذي سيشهد ارتفاعا كبيرا خلال الأيام القليلة المقبلة،

نتيجة للإرتفاعات المتوقعة في أسعار القمح والنفط والغاز في السوق الدولية وهذا ما سيزيد من وطأة التداعيات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة،

وإذا وضعنا في الحسبان تقرير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة مقروء مع تقارير سابقة لمنظمة الأغذية والزراعة وتوقعاتها بموجة من الجفاف غير المسبوق الذي قد تشهده بلدان شمال أفريقيا فإن الوضع يتطلب معالجات وتدابير عاجلة لسد الفجوة التي تلوح في الأفق، ومن المهم أن يتم تكوين خلية أزمة صغيرة تراقب تطورات الأزمة الكبيرة،

وأن تقوم هذه الخلية بالتنسيق مع قطاع التصنيع والمستوردين والمنتجين السودانيين واتحاد المخابز والنفط والغاز وكل الجهات ذات الصلة،

ومتابعة حالات الندرة والوفرة في المواد الإستهلاكية، وبحيث تعمل خلية الأزمة على صياغة إستراتيجية وطنية متكاملة وخطة عمل بهدف التخفيف من نتائج أزمة الحرب الأوكرانية،

والتخطيط من أجل التخفيف من حدة آثار وإفرازات موجة الجفاف على السودان حيث من المتوقع أن يشهد عمليات لجوء من بعض دول الجوار، وإدارة الجهود لدرء مخاطره والإستعداد لمواجهة أي مسائل أخرى ذات علاقة بهاتين الأزمتين،

مما قد يعرض للخطر حالة الأمن الغذائي لنحو ربع سكان البلاد البالغ مقدارهم 10 مليون نسمة، ناهيك عن الأضرار الشديدة التي قد تصيب المخزون الإستراتيجي بالبلا، وإستناداً إلى هذه المعطيات تصبح الحوجة ماسة إلى البدء في تشكيل وانشاء خلية العمل الوطنية آنفة الذكر، بشكل يؤدي إلى تحسين حالة الأمن الغذائي للمجتمعات المهددة بالمخاطر.

*4/* ومن الناحية السياسية، فالسودان – وهو يمارس البولوتيكا – عليه أن يحاول على الدوام أن يحافظ على المسافة نفسها بين مختلف الأطراف،

ويجب أن يتعامل السودان مع الأزمة الأوكرانية الروسية ببراغماتية حذرة، وأن يبتعد عن إظهار الإصطفاف إلى هذه الجهة أو تلك،

وحتى إذا تطورت الأمور وحدث استقطاب دولي حاد، فلا بد أن يتم مراعاة الاختيار بناء على مصالحنا الاقتصادية والسياسية والقيام بحسابات دقيقة،

حيث لا يوجد سوى خياران لا ثالث لهما، الأول هو الوقوف مع هذا الجانب أو ذاك حتى إذا لم يكن دعما واضحا لأحد الطرفين وهذا خيار صعب ومعقد ويحتاج تنفيذه لوجود دولة قوية ومستقرة،

والخيار الثاني المتاح هو الحياد الإيجابي، والتعبير عن مواقف معينة يستفاد منها ضمنيا أنها تُساند هذا الطرف أو ذاك في سبيل التوصل لحلول وليس لإظهار التأييد.

*5/* ختاماً من الصعب توقع المستقبل بدقة، ولكن هذه هي المآلات المحتملة بناء على ما يرشح من معلومات، والسؤال هو هل هناك احتمال بأن تتمدد هذه الحرب مناطق اخرى في القارة الأوربية؟

 

اترك رد