رقية الزاكي تكتب حمدوك.. ولغة الصمت
صمت الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السابق منذ رحيله عن منصبه وعن بلاده ولم نسمع له حديثاً بعد خطاب الاستقالة (المتلفز) (الشهير) وحتى حينما جاءت سانحة تسمح للرجل بالحديث أو التعليق أيضاً ظل في حالة صمته، والمناسبة كانت اخباراً كثيفة قد تحدثت عن عودته مجدداً الى منصبه، لكن حرمه تولت مهمة الرد بالنفي واستمر حمدوك في صمته.
رغبت في مقابلة الدكتور عبد الله حمدوك بمقر اقامته بدولة الإمارات التي أزورها هذه الأيام إلا أن مقربين منه تحدثوا باستفاضة عن رغبة الرجل في عدم الكلام مطلقاً خاصة في الوقت الراهن.
وعلمت أن عدداً من منسوبي القنوات العالمية والصحفيين والاعلاميين حاولوا مراراً وتكراراً اجراء محاولات مع حمدوك لكنه اعتذر لهم جميعاً.
عادة المسؤولين السودانيين (إلا القليلين منهم) حينما يغادرون مناصبهم الاكثار من التصريحات خاصة إن كان فراق مقاعدهم تم بفعل فاعل او مرتبط بموقف معين او بسبب تغييرات سياسية.. وهكذا ولكن د. حمدوك يشذ الآن عن هذه الحالة (العامة).
اظن أن لجوء د. حمدوك للصمت على هذا النحو يعبر عن موقف أو رأي واضح (صامت) في الراهن السياسي واستمرار حالة الاختناق والانسداد في أفق الحل.
إن كان هذا راجحاً فإن صمت حمدوك (كلام) وربما يسهم في بعض الحلول من واقع علاقات حمدوك بمؤسسات لاتزال تكن له التقدير وتحفظ له مكانة.. فهل سيسهم حمدوك عبر بوابة خاصة خارج إطار دائرة المنصب الرسمي في إيجاد حلول للازمة السياسية؟ أم أن انجاز المهام أمر له رابط وثيق بالمنصب والمهمة الرسمية؟واظن هذه مشكلة أخرى من ملامح المشكلات السودانية وهي أن ترهن رحلة البحث عن حلول للأزمات بالدوائر الرسمية. .والأمثلة كثيرة، فقد روى سوداني مقيم بالخارج قريباً من بلدان تحتضن مقرات المؤسسات الدولية المالية وأصحاب رؤوس الأموال كيف باءت محاولاته في دعم عملية جذب الاستثمار وخلق فرص ولم تتح للرجل الذي قطع الفيافي للحضور للعاصمة الخرطوم من مقابلة مسؤول ،لذلك فهل إن فكر حمدوك في الخروج عن صمته ولبى رغبات من يتحدثون عن امكانيات الرجل وعلاقاته الخارجية يستطيع أن يقدم حلولاً خارج إطاره الرسمي؟
وحتى إن كانت تجربة حمدوك تخضع للتقييم من وجهات نظر مختلفة وآراء متباينة فإن وجود رأي غالب من قبل جهات دولية لها تحركات في راهن البلاد بأن وجود حمدوك ربما يكون مرضياً لبعض الأطراف المؤثرة فإن أمر الرجل سيظل ساري المفعول.
نعم هناك من يرى أن عودة حمدوك عبر ما عرف باتفاق (برهان – حمدوك) في نوفمبر الماضي خصمت كل أراضيه التي كان يقف عليها في الشارع السوداني، لكن من وجهة نظري إن آثر الرجل العمل خارج منظومة مجلس الوزراء للاسهام في حل الأزمة السياسية الحالية فإنه يمكن ان يستعيد قليلاً مما فقد.