المسؤوليات الأخلاقية والقانونية الذاتية للصحفيين ووسائل الإعلام
بقلم عميد معاش. ابراهيم مادبو
قواعد وأخلاقيات العمل الصحفي الورقي على المحك بسب الميديا الإلكترونية
1️⃣ لقد زاد النقل من الإنترنت من معروض القمامة في الصحافة الورقية السودانية، وحولها إلى مَزارع من المحتوى الكاذب، والمواد معادة التدوير (churnalism)، والقصص التي تتكون من إعادة كتابة لأخبار قديمة وإنتاجها بطريقة رخيصة وتحويلها لقصص جديدة أخرى، ليس لها أي غرض سوى ملء الصفحات، وبالتالي ظهور المزيد من صحفيو اللحظة الذين يناضلون للحصول على حصة من عقل الجمهور السوداني وبخاصة القراء البسطاء وأصحاب الذاكرة الضعيفة، *وهذا النقل دون تمحيص يقوم بتفكيك النموذج الجيد للصحف التقليدية وعلى نحو ربّما يقوّض أركان هذا النموذج جملة وتفصيلاً، وسوف يكون أي تقييم يتجاهل هذا الواقع ناقصاً،* فتأثير الشبكة العالمية على نقل الأخبار أعظم وأوضح دليل على الطابع الثوري لهذه التكنولوجيا، فمحررو الأخبار في بعض الحالات لم يعودوا المصدر الوحيد للمعلومات، لأن تكلفة نشر الخبر قد اختفت تقريبا، وإختفت المصادر، وأصبح من المتاح الإعتماد على شهود عيان لا يرون المشهد بأكمله، فأحدهم قد يكون قَابِعُاً داخل غرفته ومتكئاً على سريره وقد حباه الله بسعة من الخيال الخصب فيحلل الأحداث ويرويها وكأنه أحد شهود الحدث، ويأتي صحفي كسول ليعتمد الرواية وينقل من مصادر وأناس غير مؤهلين لربط ما يروه بالمشهد الكبير للأحداث، ومثل هؤلاء الصحفيون هم بالفطرة يرون ما يريدون أن يروه، ويرغبون في تحقيق أمانيهم ورغباتهم من خلال سرد وقائع لا تمت للحقيقة بصلة، وبالتالي إذا اعتمد الصحفيين على الفيسبوك والواتساب ثتويتر حصراً، فربما ستنتهي صحافتنا السودانية إلى المجهول، *وإذا كانت الصحافة هي السلطة الرابعة والقوة الدافعة للتوعية وإستنهاض الوعي والهمم، فإن النقل من الإنترنت بهذه الصورة المعيبة سيكون هو أعظم أداة في تاريخ السودان لتقويض الصحافة السودانية،* فالتغيير الذي جلبته مواقع التواصل الإجتماعي يمتد بلا شك أيضا إلى الإجراءات التي تتخذ عادة من قبل الصحفيين قبل نشر أي خبر أو قصة، حيث أصبحت شائعات وأكاذيب الإنترنت هي المجال الذي يستقي منه الصحفي ومحرر الخبر والقصة الآراء والتحاليل حول الموضوع الذي يتناوله قبل كتابة خبره أو قصته، *وبالتالي فإن القصص الإخبارية لمعظم الصحف الورقية أصبحت تلتاث بكثير من الخداع وبعض التضليل، بسبب ما يقوم به محرري الأخبار بالنقل من الانترنت، وقد أدى ذلك إلى “تمييع المعايير” في الصحافة السودانية، مع انخفاض في الدقة وتمحيص الحقيقة، وزيادات في التقارير غير المنسوبة إلى مصادر،* وهنا لا يمكن وضع اللوم في هذه المشاكل كلها على شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الإجتماعي، بل أن صحفيي النسخ واللصق يتحملون الوزر الأكبر.
2️⃣ *ولا بأس في أن نُعيد ما كتبه الأستاذ عبدالدين سلامة:* (الكثير من إعلاميينا بكل أسف جنح للمصالح الذاتية الضيقة واستخدم المهنة منصة إطلاق لتلك المصالح ناسيا أن الأساس المهني يتعارض مع هذا المبدأ ذلك لأن الإعلام يندرج تحت قائمة المهن الرسالية كمهن عقدية مثلها مثل الطب الذي يعالج الصديق والعدو بذات التشخيص والدواء والهمّة، ورجل الدين الذي لايميز في سرد القواعد والقوانين الدينية كقوانين يتساوى فيها الغني والفقير، والقضاء وغيرها، وهذه المهن ومنها الاعلام يجب أن تكون محايدة وتقف على مسافة واحدة من تعاملها مع كل الأطراف وأن لاتنتمي لهذا التيار أو ذك بل التيار هو الذي ينتمي اليها حال إيمانه بأطروحاتها وتوافقها مع توجهاته، وفي ذلك تكون قوانين التعامل ثابتة وموازينها ومقاييسها مرحدة، ولكن انتماء الإعلامي لمصلحة طرف من الأطراف يشابه استخدام بعض القوى السياسية للعقيدة ولي عنقها وتطويعها لمصالحها الأضيق.
إن إنتماء الإعلامي لهذه الجهة أو تلك هو ماجعل تلك القوى تستخدمه لمآربها الخاصة وبالتالي لاحت النتائج في إعلام منقسم على نفسه ومتضارب في قراراته وآرائه ومشتت الوحدة الخطابية، فاختلاف وجهات النظر في الإعلام واردة، ولكنها يجب أن تكون اختلافات حول أفضل الطرق لنهضة الوطن لا حول النهضة في حدّ ذاتها.
*وقد وجدت الأطماع الإستخباراتية العالمية ضالتها في هذه البيئة الإعلامية السودانية غير المعافاة، ورفدتها بمزيد من الأمراض المهنية، وباتت تستغلها بكل أسف لمصالحها التي تتعارض تماما مع مصالح السودان العليا* ما أعادنا قرونا إلى الوراء، فعاصمتنا ونحن في القرن الواحد وعشرين لازالت تقطع فيها الكهرباء، وتفتقد الأمان، والقوي فيها يأكل الضعيف، وبنيتنا التحتية انهارت ومواطننا في عصر التقدم والتكنولوجا الذي تنشغل فيه العديد من الدول بصنع الرفاهية لمواطنيها، والسفر الى القمر وتسيير رحلات منتظمة للمريخ ومقابلة الحياة التكنولوجية الغازية باستعدادات جيدة، لازال مواطننا يشكو من سعر وحجم الخبز ومن إنسداد الأفق السياسي والتشاكس وعلو صوت خطاب الكراهية، ومشاكل تلوث مياه الشرب وانعدام الرعاية الصحية ورداءة التعليم ومحاصرة الفقر والعوذ وانعدام الأمن والطمأنينة، *كل ذلك الجو صنعه او على اقل تقدير شجّع على صناعته الخطاب الاعلامي الخائن للمباديء العامة والمخلص جدا للمصلحة الذاتية والحزبية والساسية الضيقة، ولم يجهد اعلامنا نفسه بمحاولات التعافي ولكنه تحدى المرض بالاهمال والاستسلام والمساعدة احيانا حتى استشرى على نطاق واسع للدرجة التي بات فيها هذا الاعلامي محسوبا على الجهة الفلانية وتلك المؤسسة محسوبة على الجهة العلانية!! ناسياً ان اهم قواعد الانتماء للمهنة الالتزام بقوانينها السيادية المتمثلة في الحياد، ولكننا نلحظ ان الاعلام يصفق ويطبّل للغرب ولدول كثيرة حينما تتدخل في شأننا الداخلي ويهاجم اي حركة اصلاح تنبت من الداخل،* وحتى الميثاق الذي تواثقت عليه مجموعة كبيرة من القوى الشبابية وجد انتقادا من جهات وقوى سياسية والكل يعارض بمن انتمى له من إعلاميين، وانعكس ذلك الخطاب على الواقع برسمه صورة ذهنية عامة، فالأطراف السودانية مستعدة ان تجلس وتتحاور عن حلول المشكلة السودانية حتى لو مع الشيطان طالما انه ليس سودانيا خاضعا لوجهة نظره، ولكنها لا تقبل حتى مجرد الدعوة للحوار مع طرف سوداني لو كانت وجهات نظرهما مختلفة، *وقد كان المأمول من الاعلام خطاب رصين وصناعة صورة ذهنية عكسية تجبر القوى المتصارعة على الجلوس الى بعضها ومناقشة وجهات النظر بكل شفافية للخروج بقرار ملزم للجميع ينطلق من وجهات نظر مشتركة حول نهضة وبناء واستغلالية الوطن،* فمايحدث يتنافى مع شعارات الحرية والعدالة والسلام التي قامت عليها الثورة، والدولارات او اي مسمى من العملات التي يقبضها بض الاعلاميين نظير تبنّي ونشر وترسيخ وجهات نظر آخرين قد تحسّن من حاله وأسرته، ولكنها تكون على حساب تدمير حياة جهات كثيرة، فالخلاف يخلق التمايز، والتمايز يولّد الغبن، والغبن يولّد شرارات الحرب الأهلية التي قد تحيل الكل لمعسكرات النزوح وذلّ الحاجة، فرغم مختلف المظاهر السالبة الحالية إلا أننا لازلنا نملك وطنا، ولازالت امامنا فرص ان نصحح أخطاءنا وننقذ هذا الوطن الذي مضت به فعائلنا نحو سوء الأوضاع ، لا حل لمشاكلنا سوى نحن وماحك جلدك مثل ظفرك، وخارطة البداية الصحيحة لو ملكنا إرادتها الحقيقية تبدأ من نقطة الاعلام والاعلاميين)، أنتهى.