*قراءة أولية ومداخل تأسيسية لخطاب السيد القائد العام في إفطار الفريق الركن ياسر العطا
الخبير الإستراتيجي ع. م / ابراهيم عقيل مادبو
*1/* عندما نتناول أهداف ومسارات الخطاب ومضامينه، مقروءاً مع أبعاد السياسات، وتحولات قوى الحرية والتغيير والثوار، وصراعات الأحزاب العقدية، والمواقف المتنافرة في المشهد السياسي السوداني، والأزمة الناشبة منذ يوم 25 أكتوبر، وإتجاهات الرأي، والمداخل المتعددة للمبادرات الوطنية لحل أزمة إنسداد الأفق، والتدخلات
الخارجية، *سنجد أن أطروحات الخطاب ومسارات التداعيات تنقسم إلى مستويين:* الأول التأثير المباشر للخطاب في توضيح طرق ومقاربات الحل للأزمة بشكل عام، وما سيحدث فيها من تفاكر وإنفراج إذا ما جلس الفرقاء لتناول الخطاب واخضاعه للعصف الذهني، أما المستوى الثاني فهو يسعى للوقوف على انعكاسات ما يحدث الآن على مستقبل الحراك والإختلافات التي تنهش في جسد القوى الثورية، وإرتباط ذلك بفشل أو نجاح مشروع التغيير المنشود في السودان، وقد يتبادر سؤال إلى الذهن، *هل هذا التأثير الناجم عن الخطاب هو تأثير سلبي أم إيجابي؟* وهل يتوقف هذا التأثير على ما تقوم به بعض من قوى الحرية والتغيير وبعض لجان المقاومة من أفعال وأعمال ساعية للتصعيد، وهي تركب سفينة اللاءات المبحرة في بحر العناد المتلاطم، وهل ستقوم بعض القوى الوطنية الحريصة على إستقرار البلاد بالإستفادة من الفرص الذهبية التي وردت في الخطاب وتفادي الفتن والمواجهات المضرة بأمن الوطن؟ *وكيف تتحول هذه البنود التي دفع بها السيد البرهان إلى فرصة نستفيد بها للدفع بملف التغيير والإصلاح وإعادة الإستقرار؟ وما هو الخطاب الذي ينبغي أن تتبناه كل هذه القوى المتصارعة؟.*
*2/* في البداية تبرز عدة تساؤلات تتعلق بالتناول المبتسر للخطاب وتفسيره في إطار التشاحن والعداء غير المبرر بين المدنيين والعسكر، بالرغم من أن البرهان قد أشار إلى أننا جميعاً فشلنا، وبسبب أن البعض لم يعطي الخطاب الفهم المرجو منه بإعتباره خطوة كبرى نحو التوافق، فقد ذهب كثيرون لوضع الخطاب في غير موضعه وتفسيره على نحو خاطئ وتجييره لتحريك العداء بين المعسكرين، وجنح البعض لتأويل مسار الخطاب، وبطريقة ستجعل كل أطراف الصراع السياسي خاسرين بشكل ما أو بآخر، ولن يخرج أي منهما منتصراً انتصاراً ساحقاً، والآخر مهزوما هزيمة ساحقة، بل ستستمر أزمة الوطن لأسابيع أو شهور وتنتهي أيا كانت النتيجة للتصاعد واتساع نطاق الصراع بدل إنحساره، لتدخل فيه أطراف أخرى كثيرة حتى الوصول إلى ما يمكن أن يُطلق عليه “الإنبشاق”، والمزيد من الفوضى والإنفلات، بسبب محاولة البعض الهروب من الإستحقاق الوطني بالقفز إلى الأمام في حال نفاذ خياراته وبدائله في التعامل والتجاوب مع دعوات الخطاب، وسيكون لعدم الإهتمام بالخطاب تداعيات وتأثيرات على الوضع الحالي أو ما ستؤول إليه الأوضاع فيما بعد في كل أقاليم السودان، وتأثير ذلك على الملفات الموجودة، خاصة ملفات الصراعات القبلية الدائرة الآن، سواء كان في دارفور، أو في جنوب كردفان، أو في الشرق، فشرارة هناك تعني ناراً هنا في الخرطوم، ولن يكون تأثير هذه الصراعات إيجابياً على المستوى الاستراتيجي القومي، ولن تحمل هذه الصراعات فرصا إيجابية لقوى الحرية والتغيير الحقيقية، والتي تتطلع إلى حدوث تغيير كبير في بنية الدولة خاصة بعد نمو واتساع التصدعات والإنقسامات بسبب التكالب على أحقية من سيقود الفترة الإنتقالية، ولتجاوز هذه المرحلة، فعلى قوى الحرية والتغيير والوطنيين والمستقلين وجموع الأغلبية الصامتة، أن لا تنتظر مآلات الأمور ويجب التحرك واقتناص هذه الفرص وتجنب الإنزلاق، بحيث تؤول الأمور في نهاية المطاف إلى ما هو في صالح الأمة والتغيير الإيجابي لواقعها، والاستجابة للتحديات الأساسية للإنسان السوداني، وبغير ذلك سيكون من الصعب تحديد مسار استراتيجي لأي من أطراف الأزمة والصراع، حيث يبدو فيها الجميع في حالة من الفوضى، ما يعزز تفاقم الأحداث واستمرار الإختلاف والشقاق وإتساعه دون أفق أو دوافع استراتيجية واضحة تلجم جميع الأطراف، وسيغدو الأمر أشبه بكرة الثلج المتدحرجة التي يعجز الجميع عن إيقافها، خاصة وأن ما يحدث بالسودان هو أكبر أزمة وطنية يشهدها السودانيين وربما تكون الأخطر كذلك لوجود خطر التدخل الخارجي والذي لا يُستبعد اللجوء إليه في مثل هذه الحالة الفوضوية التي لم يشهد لها السودان مثيلا منذ إستقلاله.
*3/* الملفت للنظر ردود الأفعال والتصريحات الغريبة التي صدرت من البعض في مواجهة الخطاب والتي تتسم بقدر عال من عدم الاتزان وتكتسي بلهجة استعدائية واضحة، وصلت في بعض الحالات بتشبيه الخطاب وكأنه تنازل وضعف، وذهاب هذا البعض إلى الحديث عن إسقاط النظام، بل وصل الأمر إلى حد أن بعض القياديين – المؤدلجين – المحسوبين على جانب قوى الحرية والتغيير، تحدثوا في خطاب تصعيدي يفتقر إلى أدنى مستويات الدبلوماسية والسياسة والوعي الوطني، في ظاهرة غريبة، وهي تحول دور بعض زعماء الحرية والتغيير من زعماء سياسيين يتحدثون على المستوى الإستراتيجي كرجال دولة إلى أشبه ما يكون بنشطاء الأسافير وهواة البث الحي “اللايفات” أو المراسلين الصحفيين الذين يقومون بتغطية الأخبار، وبات من الواضح أيضا عدم وجود استراتيجية محددة وقيادة موحدة للحراك، نظراً لعدم قدرة قيادات الحرية والتغيير على السيطرة وقيادة منسوبيهم، وأخذ مواقف مستقلة بدون الدعم الحزبي والذي يختار مصلحة الحزب فوق مصلحة الوطن، وهذا يوضح بجلاء أن هؤلاء القادة، والذين يعتبرون طرفا أساسياً في هذه الأزمة ليس لديهم استراتيجية واضحة حتى الآن في التعامل مع الأزمة السودانية، والأهداف النهائية التي يجب أن يسعى لها الجميع للوصول إلى الحلول وإعادة الإتزان لفترة الإنتقال، حيث لوحظ وجود حالة من التخبط في الفهم العام لمضامين خطاب البرهان، والتي تمثلت في أن الموقف يتطلب اختيار مسار العقلانية والموضوعية.
*4/* لقد آن الأوان فعلاً للحديث عن مشروع سياسي وطني حضاري جديد، مشروع لا يلبي تطلعات السودانيين فقط، بل يلبي تطلعات العالم كله وأصدقاء السودان في تقديم البديل السوداني لكل دوائر وهياكل الدولة المدنية التي ينشدها الجميع.