الطاهر ساتي يكتب.. التعافي ..!! _________
:: أيام كارلوس في الخرطوم، سلسلة روائع كتبها صديقي وأستاذي عادل الباز، و(اليوم التالي) تعيد نشرها منذ بداية هذا الشهر الفضيل.. أجمل ما فيها هي ليست الحقائق التي تكشف الكثير والمثير من حياة هذا (الإرهابي، البطل).. وكما تعلمون، كان ولا يزال نشاط كارلوس يثير الجدل في مجالس الناس ومنابر الإعلام، فالبعض كان يراه بطلاً ونصيراً للضعفاء في أي مكان، بيد أن البعض الآخر يراه إرهابياً يسفك دماء الأبرياء بلا رحمة..!!
:: والباز لم يكشف تفاصيل حياة كارلوس بالخرطوم فقط، بل سرد التفاصيل بلغة مبدعة وأسلوب لا يتوفر إلا في مخيلة المبدعين.. كثيرون هم الذين يكتبون مذكراتهم، أو يكتبون لهم سيرتهم الذاتية، ولكن قليلة تلك الكتابات ذات النكهة التي يلتهمها القارئ بحب، لأنهم يكتبون بلغة جامدة ومفردات تُكسر أسنان القارئ، هذا غير استخدامهم لأسلوب يرهق ذهن المتلقي.. ولكن الباز تفوق في تجاوز تلك العقبة بعرض أيام كارلوس في الخرطوم بسلاسة و رشاقة..!!
:: وليس في الأمر عجب، فالباز من الذين دخلوا عالم الصحافة من باب الأدب، ومن الطبيعي أن تختلف لغته عن لغة أقلام دخلت إلى ذات العالم من باب (قلة الأدب)، أو كما كان يصفهم أستاذنا الراحل حسن مختار، طيب الله ثراه.. مختار كان يتغلب على متاعب الحياة بالسخرية.. وفي ذات أولمبياد، شاركنا بسبّاح أحرز المركز الأخير، وأكمل السباحة بعد أن ملّت الجماهير، قابل عمنا مختار نبأ هزيمة السبَّاح قائلاً: ( كويس إنو ما غرق)..!!
:: المهم.. ناشدت الباز في عام كتابته لأيام كارلوس بالخرطوم بألا تنتهي القصة بنهاية الحلقة الأخيرة، بل يجب أن تجد الحلقات الرائعة طريقاً إلى المكتبات، ثم السينما أو الفضائيات، مثل الرائعة المصرية (رأفت الهجان)، بحيث لا فرق، من حيث صدق الحدث وجودة السرد وروعة التفاصيل، بين أيام كارلوس في االخرطوم ورأفت الهجان.. ولكن هناك ألف فرق بين المناخ المحيط بحبيبنا عادل الباز والمناخ المحيط بالراحل أسامة أنور عكاشة.. هناك للإبداع دولة وللنجاح رعاة، وهنا للإبداع مقابر و للنجاح محافير..!!
:: على كل، بهذا النشر نقدم للمتلقي ما نستطيع، ونحرض آخرين، ليكتبوا الروايات التي تجمع بين المتعة والواقع، وما أكثرها.. فالسودان أرض خصبة للأفكار والحكايات والأحداث التي تستحق السرد .. الثورات و (ما خُفي فيها)، دارفور بكل مآسيها، العنصرية وصراع الهوية، انفصال الجنوب، مراحل حكم نميري، بيت الضيافة، عنبر جودة، أيام بن لادن بالخرطوم، و..و..الكثير من الأحداث، مرت سريعاً، وكلها في طي اللامبالاة..!!
:: لا تنقصنا المواجع، ولا إشراقات تاريخنا الوطني و ما به من ثوار و ثائرات، ولا ينقصنا الذين يتقنون فن السرد و السيناريو، ولا الذين يجيدون فن الإخراج، ولا المال، ولا.. ولا.. ولا.. فقط ينقصنا التعافي من أمراض سياسية، وبعض أمراض النفس الموبوء بها المجتمع المسمى بالنخبوي، ومنها مرض الحقد و الحسد .. و رحم الله العلامة عبد الله الطيب المنسوب إليه: (بالجزيرة العربية عشر قبائل اشتهرت بالحسد، هاجرت منها تسع إلى السودان)، و قد صدق.. وربما التحقت تلك الوحيدة بالتسع السابقات..!!
alyoumaltali.net
الوضع الحالى فى السودان سياسياً و علمياً و ثقافياً و مجتمعياً و اقتصادياً و ادبياً لا يعين احداً على الابداع و الخلق