بعد اعتقال 77 يوما خالد عمر يوسف يكتب .. خرجنا مجددا
خرجنا مجدداً بعد ٧٧ يوماً قضيناها في سجن سوبا العمومي كمعتقلين سياسيين سعت جهات عديدة لاتهامهم زوراً وبهتاناً بما ليس فيهم حتى قال القدر كلمته وأنقلب السحر على الساحر، فأبان أن الحق يعلو ولا يعلى عليه، وأن محاولة تلطيخ سمعة الشرفاء بما ليس فيهم لن تنطلي على أحد في سودان ما بعد ثورة ديسمبر المجيدة.
خرجنا من سجون لم نبارحها كثيراً تحت ظل أي مستبد كان، بالنسبة لي هي التجربة العاشرة، ثمان منها كانت تحت ظل انقلاب الإنقاذ واثنان تحت حكم إنقلاب ٢٥ أكتوبر .. السجون هي هي مهما اختلفت اشكالها سواءاً في سوبا أو شالا أو كوبر أو الثلاجات .. والمواقف هي هي، لن نتعايش مع إنقلاب ولن نقبل لبلادنا أن تظل تحت أي حكم استبدادي .. فالحياة التي يطلبها شعب هذه البلاد هي حياة الحرية والكرامة والعدالة والسلام … عظم المطلب وعز الطالب وتقاصرت التضحيات مهما كانت لبلوغ غايات شعبنا.
خرجنا وتركنا خلفنا فتية خلف القضبان ساقتهم يد الظلم للحرمان من حريتهم .. منهم المقدم عبدالله سليمان وخالد عطبرة و ٢٧ من مناضلي لجان المقاومة بسجن سوبا والعشرات الذين التقيناهم هناك ثم نقلوا لسجون بورتسودان ودبك .. لن يهدأ لنا بال حتى ينعموا جميعاً بحريتهم المستحقة، ولن تغمض لنا عين حتى نراهم معنا على ذات درب السعي لطي صفحة الإنقلاب واستعادة المسار الديمقراطي المدني على أفضل ما يكون، مستفيدين من تجاربنا ومتجاوزين لعثراتها وأوجه قصورها وبانين على ما تحقق خلال هذا المسار الطويل الصعب.
لن تسعف المرء كلمات شكر لكل من تضامن قولاً أو فعلاً مع محنتنا في سجون الإنقلاب .. الشكر للملايين الذين كتبوا وتحدثوا وقالوا كلمة الحق ضد الاعتقال السياسي التعسفي وسلب الحريات .. الشكر لهيئة الدفاع ولمحامي الطواريء الذين ظلوا حراساً أشداء لحكم القانون وسداً منيعاً ضد ترزية تلفيق الاتهامات .. الشكر لكل من سعى لإنهاء هذا الاحتجاز غير المشروع .. الشكر للأسرة الدولية التي صدحت بصوت دعم مطالب شعبنا المشروعة، وأولاً وأخيراً الشكر لزوجتي العزيزة أميمة النيل ولزهراتي الثلاثة ريان وريم ورنان الذين تفتحت عيونهم ونموا وترعرعوا مع أب مغيب عنهم قسراً باستمرار .. لا أدري ماذا كنت سأفعل لولا سندهم وقوتهم على تحمل هذه الخيارات التي اخترتها.
ختاماً .. لا زال أمامنا طريق مليء بالأشواك لعبور وهدة البلاد الحالية التي خلقها إنقلاب ٢٥ أكتوبر والذي سيزول متى ما أدركنا حقيقة واحدة هي أن الوحدة بين قوى الثورة والتحول المدني الديمقراطي هي المركب لعبور محيط الاستبداد الذي يتخطفنا من كل جانب .. المهمة عسيرة وليست في متناول اليد وتحيط بها تعقيدات عديدة .. ليس من المهم أن نتفق على كل شيء ولكن المهم أن نتفق على رفض أي صيغة استبدادية للحكم، وعلى انتقال مدني ديمقراطي، وعلى إصلاح عسكري وأمني وعدلي شامل يقود لجيش مهني وقومي موحد وحكم صارم للقانون الذي يعلو ولا يعلى عليه، وعلى مسار انتقالي يؤمن الوصول لإنتخابات حرة ونزيهة يختار فيها الشعب ما يحكمه وطريقة عيشه وينعم بالحرية والمواطنة المتساوية وتنهى كل حروب الإبادة التي تغذيها قوى الهيمنة والتفرقة في هذه البلاد. يمكننا فعل ذلك متى ما توحدنا وامتلكنا الإرادة لخوض الصعاب وتسلحنا بالرأي والفكر وقبول اختلافات بعضنا البعض، فالأصل في الديمقراطية هو الاختلاف وحسن إدارته، ولا يبغي إزالة تلك التباينات وصب كل المجتمع في قالب واحد متشابه إلا ذو فكر شمولي ما نهضنا إلا لمقاومته أياً كانت سترته التي يرتديها.