ابتسام مهدي: مفضل… بصمة لا تتكرر ولا تشابه
بقلم: ابتسام مهدي
في لحظة دقيقة من تاريخ السودان، لحظة تتقاطع فيها النار والسياسة، والدم مع الأمل، يبرز اسم الفريق أول مفضل، مدير جهاز المخابرات العامة، كأحد أركان الثبات الوطني، وركيزة أمنية لا تتكرر. ليس رجلًا عاديًا، بل هو بصمة وطنية فريدة، لا تتشابه ولا تُستنسخ، يؤدي أدواره بعقل الدولة، وبقلب المواطن، وبحس أمني نادر.
رغم فداحة الحرب الدائرة منذ أبريل، وما تلاها من تدمير منهجي لمؤسسات الدولة وتشريد الملايين، فإنّ تفاؤلي، مثل كثيرين من أبناء وطني، لم يتبدد. بل ازداد ثقة في قدرة السودانيين على الصمود، وفي قدرة جهاز المخابرات العامة بقيادة مفضل على احتواء التحديات، والتصدي للمؤامرات المعقّدة التي تتجاوز حدود الجغرافيا السودانية إلى مخططات إقليمية ودولية.
في خضم حرب لا هوادة فيها، ظل الفريق أول مفضل يمسك بخيوط دقيقة، في حالة ترقّب وتخطيط محكم، راسماً خارطة أمنية بأدق التفاصيل، ومعتمدًا على معلومات مؤكدة، مكّنت الجهاز من الاستعداد المبكر لصدّ كل محاولة تقدم من العدو، وضرب كل محاولة اختراق في مهدها.
ما تعرّض له السودان لم يكن صراعًا عابرًا أو نزاعًا قبليًا، بل مؤامرة ممنهجة الهدف منها تقويض الجيش الوطني، وإزاحة الضباط الوطنيين عن المشهد لصالح قوى لا تؤمن بالوطن ولا بحقه في السيادة. ومع ذلك، لم تنجح أي من هذه الخطط، لأن جهاز المخابرات بقيادة مفضل أعاد هندسة المواجهة الأمنية على أساس العلم والكفاءة والتخطيط طويل الأمد.
مفضل ليس مجرد رجل أمن، بل عقل استراتيجي من طراز نادر. صاحب كفاءة عالية في العمل الاستخباري، وصاحب رؤية وطنية تستند إلى إدراك معقد لجغرافيا التهديدات، داخليًا وخارجيًا. تكاملت شخصيته بين الدبلوماسية والسيادة، بين المعلومة والقرار، وبين الرؤية والجرأة. لم ينافسه أحد في قدرته على ضبط الإيقاع الأمني السوداني في أحلك اللحظات.
ما يميّزه أكثر هو شبكة علاقاته العسكرية والدبلوماسية والإقليمية التي لم تكن يوماً شخصية، بل وطنية، استثمرها بحنكة في خدمة السودان. تلك العلاقات أسهمت في تفكيك المواقف المعادية من بعض الدول، وكسر العزلة المفروضة، وتحقيق اختراقات نوعية في ملفات التعاون الأمني، مع دول فاعلة كروسيا ودول عربية مؤثرة.
منذ اندلاع الحرب، لم ينحصر دور جهاز المخابرات في الجانب الاستخباري البحت، بل لعب دورًا دبلوماسيًا فعّالًا، ونجح في تحويل الجهاز إلى فاعل إقليمي، لا مجرد مراقب. تمكن مفضل من تحييد بعض المواقف المنحازة، خاصة في الملف الإثيوبي، وتحقيق مكاسب استراتيجية حسّنت من الموقف السوداني على الصعيد الدولي.
هذا التحرك الأمني-الدبلوماسي يعكس تحولاً جوهريًا في عقل الدولة، قاده مفضل بثبات وشجاعة، وبتنسيق عميق مع الجهات العسكرية والسياسية، مؤكدًا أن المخابرات الوطنية ليست جهازًا للرقابة فحسب، بل حائط الصد الأول للدولة والمجتمع.
حين كانت معظم المؤسسات تنهار أمام ضربات الحرب والتخريب، تولّد من تحت الأنقاض دور جديد للمخابرات العامة: إعادة بناء الثقة الوطنية. لم يكن مفضل يخطط لإخماد نار مؤقتة، بل لصناعة مرحلة سياسية وأمنية جديدة تليق بسودان ما بعد الحرب.
الفراغ السياسي والأزمات الاقتصادية وانهيار البنية التحتية لم تكن عوائق أمامه، بل محفزًا لإعادة تعريف الدور السيادي لجهاز المخابرات في حماية البلاد، وإدارة المرحلة الانتقالية بمفهوم الدولة، لا الفصائل.
حرب مفضل لم تكن ضد التمرد وحده، بل ضد الفساد الإداري والمؤسسي. قاد معركة على المال العام والنفوذ، وفتح ملفات كانت تعتبر “محرمة” على مدى عقود. قام بتفعيل مبدأ المسؤولية الفردية، ورفع الحصانة عن الفاسدين مهما كانت مناصبهم، ليثبت أن المعركة من الداخل لا تقل خطورة عن المؤامرات الخارجية.
في ظل استمرار نزيف الدولة، تبقى مراجعة اتفاق جوبا بندًا عاجلاً، لا بد من تنفيذه لإزالة العوائق أمام بناء السودان الجديد. الاتفاق بصيغته الحالية يشكّل عبئًا على الدولة، ويُعد أحد أسباب تمدد التمرد، واستنزاف الموارد العامة.
مفضل يدرك أن السلام الحقيقي لا يتحقق بالاتفاقات الورقية، بل بترتيبات أمنية عادلة، وتكامل مؤسسي، يُنهي فوضى السلاح، ويعيد للدولة السودانية هيبتها.
إن لم يكن الآن، فمتى؟! على المجلس السيادي أن يدرك أن مفضل ليس موظفًا، بل رجل مرحلة، ومشروع دولة. إننا في لحظة لا تحتمل التجريب أو المحاصصة أو المجاملة السياسية. نحن بحاجة إلى مؤتمن على الوطن، لا على السلطة.
أدعو المجلس أن يمنحه الفرصة لتوقيع خروج مليشيا الدعم السريع من كافة أراضي السودان، وأن يتيح له مواصلة ما بدأه بكل مسؤولية وتفويض كامل، فالمعركة لم تنته بعد.
ما يفعله مفضل اليوم، هو بناء قصة تعافٍ سودانية خالصة، يقودها أبناء البلد، دون وصاية أو تبعية. هو يؤسس لنهج جديد: دولة ذات سيادة، بقرار مستقل، ومؤسسات قوية، ولاءها للوطن، لا للفرد أو القبيلة.
هذه اللحظة هي لحظة الحقيقة، لحظة البناء بعد الألم، لحظة نقرر فيها أن نعيد السودان لأهله، بلا خونة، بلا مرتزقة، بلا حروب بالوكالة.
ختامًا، أقولها بصدق وإيمان:
دعوا الرجل يُكمل ما بدأه، فهو لا يطلب مجدًا شخصيًا، بل يسعى لوطن يعيش، ويتعافى، وينهض.
أمنياتنا له بالتوفيق في واحدة من أشد المراحل خطرًا وتعقيدًا في تاريخ السودان.
وكلنا معه، لأنه منّا، ولأنه للوطن.فلا بديل لمفضل إلا مفضل
احترامي وتقديري،
ابتسام مهدي