الإضراب والاقتصاد.. (3) أيام تفصل تونس عن “اختبار صعب”
اسفير نيوز __ وكالات
قبل 3 أيام من إضراب متوقع للقطاع العام في تونس، دعت الحكومة، الاتحاد العام للشغل، لعقد اجتماع مع قياداته، في محاولة لإرجاء هذا الإجراء، الذي من شأنه أن يؤدي إلى شلل تام في بلد يمر بأزمة اقتصادية عميقة.
وجاءت الدعوة الحكومية، للاجتماع مع الاتحاد، بعد أن كان التفاوض بين الطرفين متوقفا، رغم إعلان الأخير مطالبه منذ الشهر الماضي.
لكن القيادي بالاتحاد العام للشغل، طارق السعيدي، أكد لموقع “الحرة”، أن “الإضراب قائم حتى هذه اللحظة، لأنه لا توجد مخرجات حتى الآن، لكن ننتظر إن كان سيخرج الوفد بشيء مفيد”.
“شلل تام”
وحذر أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية، رضا الشكندالي، في حديثه مع موقع “الحرة” من أنه سيحدث شلل تام في كل القطاعات، في حال تنفيذ الإضراب، مشيرا إلى أنه يأتي في ظل “ظرف صعب جدا يشهد تقريبا تراجع كل المؤشرات الاقتصادية، وعجز تجاري تفاقم خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الجاري”.
وإذا لم يتم التوصل إلى اتفاق، فقد تستجيب المنشآت والمؤسسات العمومية (159 مؤسسة ومنشأة) في إضراب كامل يوم الخميس المقبل.
وأوضح الشكندالي أن الشلل الاقتصادي سيؤدي إلى خفض في مدخلات مالية بالعملة الصعبة، وبالتالي صعوبة توفير المواد الأساسية التي تستورها البلاد، فضلا عن أن الحكومة ستعاني لتوزيع الأجور على الموظفين في نهاية الشهر.
وكان الاتحاد قال في بيان إن “الإضراب يأتي أيضا لتعمد الحكومة مبدأ التفاوض، والتنصل من تطبيق الاتفاقيات المبرمة وعدم استعدادها لإصلاح المؤسسات العمومية في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للموظفين” مع تضخم بلغ 7.5% في أبريل (خلال عام)، وهي “مؤشرات خطيرة جدا”، بحسب الشكندالي، فضلا عن بطالة تفوق 18 في المئة مع دين يفوق 100 في المئة من الناتج الداخلي الخام.
ما هي المطالب؟
ويوضح السعيدي أن الحكومة لم تنفذ اتفاقيات قديمة، مثل إصدار قوانين أساسية لإعادة هيكلة المؤسسات العامة، كما أننا نطالب بإلغاء المنشور رقم 20 الذي يمنع التفاوض بين النقابات والمؤسسات العامة التابعة للدولة.
وأوضح أن الحكومة أصدرت منشورا بمنع التفاوض بين النقابات والمؤسسات إلا بالرجوع للحكومة والتنسيق المسبق، وهذا يعني وقف التفاوض، وهو ما اعتبره الاتحاد ضربا لدوره كمنظمة، مشيرا إلى أن تونس بها 160 مؤسسة إنتاج اقتصادي تابعة للدولة، أو تشارك فيها الحكومة بجزء كبير يتجاوز خمسية في المئة.
أما النقطة الثالثة، التي طالب بها الاتحاد، بحسب السعيدي، فهي زيادة الأجور، “على اعتبار أنه منذ أربع سنوات لم يحصل العمال على أي زيادة في الأجور.”.
ويشير السعيدي إلى نقطة رابعة وصفها بـ”الرئيسة والمركزية”، “وهي أن الاتحاد يدعو إلى إصلاح المؤسسات العمومية التي لديها ديون وفائض من العمال، بدلا من سعي الحكومة لخصخصتها”.
وأضاف “نشعر أن هناك نوايا من الحكومة وراء التلكؤ في إصلاح هذه المؤسسات حتى تفوت الفرصة وتبرر سعيها من أجل خصخصتها، حتى تعالج بببيع هذه الشركات العجز الكبير الموجود في الميزانية، الذي يبلغ 20 مليار دينار، أي 6.5 مليار دولار، وللحصول على قرض من صندوق النقد الدولي”.
وتابع: “على سبيل المثال، هناك أسماء شركات دائما ما تطرحها أي حكومة للنقاش العام تمهيدا لخصخصتها مثل معمل الصمغ الذي يدر كثير من الأموال، وبعض البنوك العمومية والموانئ وشركات الشحن، وهي المستهدفة دون سواها”، مشيرا إلى أن الاتحاد العام للشغل يخشى من التباطؤ في فتح ملف الإصلاح لتفويت الفرصة”.
وأكد ان “الاتحاد عرض موافقته على التخلي عن بعض العمال من أجل منع بيع هذه الشركات الحكومية.. يعني لو هناك ألف عامل في المصنع ويمكن التضحية بـ200 منهم، مع إعطائهم حقوقهم، وإلا يكون عمره أقل من 50 عاما وتوفير بدل يعيش منه، هذا أفضل من غلق المصنع وتسريح كل العمال”.
مفاوضات متوقفة
قدمت الحكومة خطة إصلاح إلى صندوق النقد الدولي تنص على تجميد رواتب القطاع العام، وتخفيض تدريجي لبعض الإعانات الحكومية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة.
لكن صندوق النقد الدولي يريد أن تحظى هذه الوعود بدعم الشركاء الاجتماعيين بما في ذلك الاتحاد العام التونسي للشغل، لضمان تطبيقها.
وتطلب تونس، التي تشهد أزمة سياسية عميقة، مساعدة بنحو أربعة مليارات دولار هي الثالثة خلال 10 سنوات للبلد الذي انطلق منه الربيع العربي.
وأكد الشكندالي لموقع “الحرة” توقف المفاوضات تماما بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، حيث يشترط الأخير مشاركة الاتحاد التونسي العام للشغل، لأنه يعلم أن هذه المؤسسة النقابية الأهم، ضرورية لتنفيذ ما سيتم الاتفاق عليه.
ويقول أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية: “الاتحاد أعلن بدوره أنه لن يشارك في هذا الحوار، بل أعلن أكثر من ذلك أنه لن يوقع اتفاقا مع صندوق النقد الدولي لأن المفاوضات تتعلق أساسا بالأجور في الوظائف العمومية والدعم وهذا يمس مباشرة الطبقة الشاغلة، وبالتالي هناك صعوبة كبيرة في التوصل إلى اتفاق”.
وحذر من أنه “إذا لم نتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمويل موازنة الدولة، فهذا سيؤدي إلى تآكل المدخرات من العملة الصعبة، كما أشار تصنيف فيتش الأخير، وبالتالي سيؤدي إلى صعوبة استيراد ما يلزم التونسيين من غذاء وتجهيزات ومواد أولية، ويؤدي إلى تراجع قيمة الدينار التونسي، وبالتالي مزيدا من ارتفاع معدلات التضخم”.
من جانبه يرد السعيدي أن “موقفنا في الاتحاد ليس رفضا مطلقا أو غلقا لباب التفاوض مع صندوق النقد، ولكن المشكلة في قراءة الحكومة، يجب العمل على إقناع المؤسسة الدولية والخروج عن الوصفة الجاهزة التي تضعها عند اقتراض أي دولة منه”.
وأكد أن “صندوق النقد الدولي شريك لابد من الاقتراض منه، وهذا مفروغ منه، لكن المشكلة في أننا نكون ملكيين أكثر من الملك، بمعنى أن الحكومة تسعى إلى إرضائه أكثر من اللازم، يجب التفاوض مع صندوق النقد الدولي وإقناعه بالخصوصية التونسية ووضع برنامج مشترك”.
ويوضح “صندوق النقد الدولي لديه معيار اسمه نسبة الأجور من الناتج القومي الخام وأنها يجب ألا تتجاوز من ثمانية إلى عشرة في المئة، وهذا لا يتعارض مع زيادة في الأجور، لأن المشكلة ارتفاع في الأجور بقدر ما هو ضعف النمو”.
وأضاف “بطبيعة الحال عندما لا يتجاوز النمو اثنان في المئة فستبدو كتلة الأجور على أنها كبيرة، رغم أن معدل الأجور في تونس هو الأضعف مقارنة بدول العالم، حيث أن أجر الموظف في المتوسط في القطاع الخاص يبلغ 150 دولارا، في حين أن المتوسط في القطاع العام يبلغ تقريبا 250 دولارا، ومن المخجل على أي حكومة أن تمارس مزيدا من الضغوط لتخفيضه بدلا من العمل على زيادته”.
ويتفق معه الشكندالي، حيث يقول إن الحل يكمن في أن تتفاوض الحكومة مع كل من الاتحاد العام التونسي للشغل ومع صندوق النقد الدولي، ورفع الأجور للمحافظة على القدرة الشرائية للمواطنين.
وقال “لابد أن تكون هناك مقاربة اجتماعية، تعتمد على رفع الأجور وبالتالي يزيد الاستهلاك، مما يؤدي إلى رفع النمو الاقتصادي”، مشيرا إلى أن هذا يتطلب قوة تفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وأعلن الاتحاد، الشهر الماضي، رفضه المشاركة في محادثات بشأن دستور جديد، دعا إليها الرئيس التونسي قيس سعيّد واستبعدت منه الأحزاب السياسية.
وبعد أشهر من الشلل السياسي، أعلن سعيّد الذي انتخب في نهاية 2019، تولّي كامل السلطتَين التنفيذيّة والتشريعيّة في 25 يوليو الماضي، وأقال رئيس الوزراء وعلّق نشاط البرلمان قبل أن يحلّه في مارس الفائت.
وللخروج من المأزق السياسي اقترح الرئيس التونسي خارطة طريق تنص على تنظيم استفتاء حول دستور جديد في 25 يوليو، وانتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر.
وقال الأمين العام لاتحاد الشغل في تونس يوم الخميس إن الاتحاد “مستهدف بشكل كبير” من السلطات بعد رفضه المشاركة في محادثات “الدستور الجديد” التي دعا إليها سعيد.
وإذا نفذ الإضراب في القطاع العام الاقتصادي في الدولة، فإنه سيضاف إلى الإضراب المهني الذي ينفذه القضاة للأسبوع الثاني بعد أن رفض الرئيس قيس سعيد التراجع عن قرار إقالة العشرات منهم.
وأقال سعيد 57 قاضيا هذا الشهر متهما إياهم بالفساد وحماية “الإرهابيين”، وهي اتهامات قالت جمعية القضاة التونسيين إنها في معظمها ذات دوافع سياسية. وبدأ الإضراب في الرابع من يونيو الجاري.
وأثار قرار سعيد موجة من الانتقادات المحلية والأجنبية. واتهمته جماعات حقوقية دولية بتوجيه “ضربة قوية لاستقلال القضاء
الحرة