محمد حامد جمعة نوار يكتب.. الكوش
ندهت أسمه أدعوه بلقبه وقد عبرني طيفه امس في لحظة ذكرى. قلت ..(الكوش) ! أسقطت أسمه (عبد الله) نصبت اللقب على وشيجة أنه إبن عمتي وأنا أبن خاله . تذكرته بذاك القوام الرشيق والجلباب الرفيع وعمامة يتركها تتهدل بلا سقوط . به سمت أشقر لشعره وذقنه وملامح وجه كأنه قائم تل نخرته سوافي الصحراء . له محيا محايد التعابير . فهو لا يستاء ونادر الضحك .كثير الصمت . تتحدث عيناه أكثر من لسانه ! له طقوس تخير بالسكنى فيها مدخل القرية ! كأنما يتمثل إستنباح كلابه الأضياف فترشده على معكوس بيت الشعر الجاهلي الذي نسيت قائله .. فكلابه لا تبول على النار . التي يوقدها منذ العشيات . يتخير لها مراكم من حطب الكتر والأشواك فتقوم مثل مضاء مسيد بلا شيخ ! ألحق به هناك . أجده قد مد المفارش . يأمرني بسل بعض الجمر من بين فحيح اللهب . لاكوم جميرات يضع عليها براد لغلي ماء الشاي . أنشغل بتكاليف منه وهو في ذاك الصمت ! بجوارنا يقف كلب له مثل حارس ديدبان حيثما إتجه يسبقه . وهناك فرسه الذي يقف كذلك طوال الليل . يصدر ذاك النفس الراهف بما يطرد حشرة . او يضرب الأرض إن إستشعر مسير شبح . أحببت ذاك الفرس . لونه المحمر مثل لهب بركان . السبيب المتدهل على أجنابه عنقه الأملس . مسسته مرات فتيقنت ان قوة الخيل في نحرها . إستشعرت تلك الرجفة من عنقه من اول لمسة قبل ان يسكن ويأمن لي
2
أتخير عادة زاوية تجعل مجلسي مثل ظل بقايا شجرة أمام ضوء النار . يكون الكوش قد جلب لي (فردة) وهي غطاء غليظ النسج من القطن . رائحته عطرة فقد كان الرجل يحب أفضل العطر المجلوب من نيالا . هناك رائحة من مطلوق ضوع جوال فول سوداني وأظن رائحة دخن . وبقع من زيت مسود مدعوم بزرقة . هذا ربما تسلل من عادة ليلة حينما يقوم الكوش بسل بندقية جيم تلاتة . يعكف عليها غسلا وتزييتا . يدير (سيرا) يتدلى عليها مثل رسن جواد . كان في هذه النقطة يتحدث يقول دون ان يكرمني بنظرة .الجيم ترا بندقية حرة ! ما تهينها بالتلاف ! .عادة أهز راسي موافقا . ولاحقا أستفسر خيالات ذاك الحديث هل كنت في حضرة (كابوي) سودن طقوس تكساس ! يكتمل عندي هذا الظن حينما يجر من جانب مراقد الماشية كبشا ! يذبحه برشاقة . يوكل لي عادة نفخ ذاك الثقب أعلى عرقوبه أدنى الفخذ . أتكرف رائحة اللحم . مع نفخي يتسلل بعض الصوف فابصق ! يرشقني بغصن رفيع . يقول ات بتسل سم _بالتشديد او جرس ما_ دابي
3
يراكم اللحم في صاج بقياس طشت . يرمي بعض المزع على النار . يرفع زراعه حتى استبين بشرة اباطه البيضاء يرمي لي بسكين حادة النصل . يامرني باكل ما أرغب . يجر نحوي صحن ملح صخري الحبيات . ملح ! بعدها يقوم الى الصلاة. أرقبه وهو يشق بابصبعه جبهته اللامعة . فإن انتهى تقرفص يتلو اورادا لا أسمعها . ان بدت مني رغبة بسؤال أومأ بأصبعة على فيه بشكل زاجر . صه . أنصرف للبحلقة في تطاير خيالات مثل اشباح من النار ! انتبه للفرس في وقفته المديدة . ما لاحظته ان الخيل لا ترقد ! او اقله فرس (الكوش) الذي يكون حينها قد أعد الشاي بذاك الطقس الذي يكتمل عنده إلا ان رفع البراد الأبيض لنحو نصف متر . شرررر . يهبط الشاي المحمر بالكوب . يرشف من الكوب رشفة تشعرك باللذة قبل ان تتذوق معه . فإن مد لي الكوب حذرني ما تخنقها ! اي طريقة الإمساك . ليقول تعرف الكمكلي ! أقول لا يقول ..خلا عنك
4
بمنتصف الليل أكون قد صعدت الى عنقريب أظن جلده من سيور حيوان وحشي . ففيه بقايا صوف خشن . اسال نفسي بين تهاويم بدايات النوم لمن يصنع هذا الرجل مضيفة الليل ولمن يولم . يجيبني القدر بعجالة بتعالي صياح الكلاب . يتحدر اغراب لا اعرفهم . بخيل وحمير وارجل راملة . يتعالى السلام والمصافحات. يقوم غبار من رمي الأثقال . يضج الليل بحياة كأنما انعقد فيها الليل لفجر كرم بدوي . يهزني بلطف ادرك وقتها ان وقت (غفرتي) لخدمة الأضياف حلت ! اجلس بجانب القوم كلما نهض ٱكل او اقبل علي دعمه بماء إبريق بحجم كاس اوربا الذي ماله ريال مدريد ! أجلس بعدها أمارس طقس إلتقاط الثرثرات وتفاصيل الوجوه . ولازمة .(هي لا هي) و(كتاب الله جاك) . يسمر القوم كأنما بينهم صلات غابرة . يختفون مع الفجر كرحالة يبحثون عن كنز . نمت ام لم أنم لا أذكر لكن بالصباح يكون (الكوش) قد أطفأ ناره وتلاشى الى أين لا أعرف ! فإن حلت العشيات أتاني صوت مع الشفق . يا محمد . كو بينا . فاندفع خلفه الى معتاد كل ليلة ..يأمرني أن أجلب الحطب . وأن أحسن (تطويل) الفرس لاني البارحة ربطته بالمكان الخطا وعقدت الحبل خطأ